الرئيسية / مقالات تحليلية / مكافحة الفساد ودعم الموقف المالي لمصر

مكافحة الفساد ودعم الموقف المالي لمصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 08-11-2017
  • 121
مكافحة الفساد ودعم الموقف المالي لمصر
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

لم يأت تصريح وزير الخارجية الجزائري منذ أيام قلائل حول الوضع المالي بمصر من فراغ، حيث وصف الوزير في مؤتمر لرجال الأعمال الجزائريين “بأن مصر دولة تقضي كل الوقت في طلب القروض من صندوق النقد الدولي ومن جهات أخرى”، فثمة وضع شديد الخطورة في سياسة الاستدانة بمصر، والتي تعبر عن ولوج مصر للطريق السهل وهو الاقتراض والانصراف عن الطريق الصعب وهو تبني مشروع للتنمية يجنبها مخاطر الاقتراض من الخارج.

قد ينظر البعض إلى تصريحات الوزير الجزائري في إطار قراءة سياسية حول بعض المواقف أو القضايا بين مصر والجزائر، وبخاصة الوضع في ليبيا، ولكن الحقيقة أن مصر تعاني بالفعل من أزمة مالية، وأن وضعها المالي هش على الرغم من الإدعات الحكومية، بوجود تحسن في وضعها المالي، سواء على صعيد استقرار سعر الصرف، أو ارتفاع رصيد احتياطي النقد الأجنبي، فهذه النتائج وقتية من جهة، فضلًا عن الثمن الباهظ الذي دفع لتحقيقها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

فمصر تنتهي من الحصول على قرض عبر سوق السندات لدولية، لتسدد بعض التزامتها، ثم تعود مرة أخرى لطرح جديد للسندات في السوق الدولية، وتصريحات وزير المالية المصري مؤخرًا تبرهن على ذلك، حيث تعتزم مصر طرح سندات دولارية خلال 2018 بما يتراوح بين 4 مليارات دولار – 8 مليارات دولار، وذلك لسداد التزامات مصر واجبة السداد خلال عام 2018.

ولا ينتظر في ظل الأعباء المتزايدة للمديونية، أن تخرج مصر من دوامة الديون، في الأجلين القصير والمتوسط، حيث قدرت أعباء الدين العام في مصر بعد الزيادرات الأخيرة، بما يزيد عن 400 مليار جنيه في العام المالي 2017/2018.

والمفارقة في حديث الوزير الجزائري أنه يتحدث عن هرولة مصر للاستدانة، ولكن بلاده ومصر صنوان في الدرجة على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حيث حصلت كل من مصر والجزائر على 36 درجة من إجمالي 100 درجة، وكان ترتيبهما في المرتبة 88 من بين 175 دولة، والمتابع لأداء الدولتين على مؤشر مدركات الفساد يلاحظ تقاربهما في الحصول على درجات متدنية منذ عام 2009. أي أن الدولتين تعانيان من الفساد بدرجة كبيرة، وبخاصة فيما يتعلق بقطاع النفط، سواء على مستوى الإدارة الداخلية أو الخارجية.

كما أن كل من الجزائر ومصر، يعانيان من سوء الإدارة الحكومية على مدار العقود الماضية، وكانت النتيجة هي تخلف الدولتين تنمويًا، فكلهما دولة نامية، تعاني من الأمية والتخلف العلمي، وهشاشة الاقتصاد، والاعتماد على المصادر الريعية، وتصدير المواد الأولية.

والجدير بالذكر أن الدين العام المحلي بمصر بنهاية يونيو 2017 بلغ 3.16 تريليون جنيه مصري، كما بلغ الدين الخارجي  في نفس التاريخ إلى 79 مليار دولار، بما جعل نسبة الدين العام الإجمالي نحو 140% من الناتج المحلي الإجمالي، وتظهر شواهد أداء الحكومة المصرية استمرارها في السعي للحصول على المزيد من القروض على الصعيدين المحلي والخارجي، وذلك دون وجود استراتيجية أو برنامج لسداد الديون والوصول بها للمعدلات المتعارف عليها، بما يجعلها تحت سقف نسبة 60% من الناتج المحلي.

وخلال هذه الأجواء الضبابية للوضع المالي لمصر، والذي يظهر من خلال أزمة الدين العام، أو عجز الموازنة العامة للدولة، أو وجود احتياطي نقدي من العملات الأجنبية يعتمد على القروض وودائع الدول الأجنبية، تأتي وسائل الإعلام لتعرض قضية فساد بأحد شركات البترول المملوكة للدولة، حيث قام رئيس مجلس إدارة هذه الشركة ومديرها المالي باختلاس ما يقرب من مليار دولار، وتمتلك مصر عبر وزارة البترول نحو 45 شركة تعمل في المجالات المختلفة لإنتاج وتوزيع البترول والغاز الطبيعي. وتتمدد هذه الشركات باستثماراتها في العديد من الشركات العاملة في قطاع البترول سواء كانت مملوكة للقطاع الخاص المصري، أو في ظل نظام الشراكة مع الأجانب.

وهو ما يجعل السؤال حول الفساد في قطاع البترول المصري واجب الوقت، ومنذ سنوات والمعنيين بالشأن الاقتصادي المصري يطلقون على قطاع البترول “الصندوق الأسود” حيث شهد القطاع العديد من قضايا الفساد الكبرى، منذ وجود وزير البترول عبدالهادي قنديل في عهد مبارك منتصف الثمانينيات، ومرورًا بسامح فهمي في عهد مبارك، حيث صفقات الغاز الطبيعي المشبوهة لأوروبا والكيان الصهيوني.

ماذا لو تم وقف الفساد في قطاع البترول وحده، وهو أحد الموارد الاقتصادية المهمة لمصر منذ منتصف السبعينيات، وتعاني مصر فيه الآن من أزمة وتعتمد على الاستيراد لتغطية العجز في النفط والغاز الطبيعي، مما أدى إلى وجود عجز بالميزان البترولي في 2016/2017 قدر بنحو 4.6 مليار دولار.

وأخر شواهد الإفساد في قطاع البترول، ما قامت به الحكومة بالتصديق على قرار شركة غاز مصر، بزيادة أسعار تركيب الغاز الطبيعي بالمنازل بنحو 800 جنيه، لتصل التكلفة إلى 1800 جنيه، على أن تتحمل هذه التكلفة الشركة القابضة للغازات الطبيعية، ولا يتحمل المواطن منها بشئ.

وقد أتت هذه الخطوة لدعم الموقف المالي لشركة غاز مصر، حيث ستعتمد هذه الزيادة بأثر رجعي من أول يوليو 2017، وهو ما يعني دعم هذه الشركة بنحو 120 مليون جنيه خلال عام واحد فقط، حيث إنها تقوم بتوصيل الغاز الطبيعي لنحو 150 ألف مشترك سنويًا.

وبدلًا من أن تقوم الحكومة بدعم الشفافية ومواجهة إدارة الشركة بالمخالفات التي رصدها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، ووضع علامات استفهام غير عادية حول صعود سعر الشركة بالبورصة دون مبرر، من حوالي 50 جنيه في ديسمبر 2016 إلى 275 جنيه في أكتوبر 2017، نجد الحكومة تصدق على قرار الشركة، وهو ما يعني فساد من نوع آخر. فالمستشار المالي المعين من قبل هيئة الرقابة المالية قوم سعر شركة غاز مصر عند 175 جنيه للسعر، ولكن التعاملات بالبورصة لا تقل عن 220 جنيه، وهو ما يعني أن هناك ممارسات غير سليمة تتم في البورصة، وقد اوقفت إدارة البورصة التعامل على سهم الشركة أكثر من مرة خلال سبتمبر وأكتوبر 2017، بسبب الزيادات غير المبررة في سعره.

إن مظاهر الفساد في مصر بادية للعيان، وبخاصة داخل الحكومة ومؤسسات القطاع العام، ومنذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، تم تقديم أكثر من مسئول للقضاء، ومن بينهم وزراء اتهموا بالفساد المالي، إلا أن ذلك لا يعني وجود إرادة حقيقية لمواجهة أو مكافحة الفساد في مصر، ولكن هؤلاء جعل منهم النظام كبش فداء، أو أنهم خرجوا عن منظومة الفساد المدار من قبل الحكومة، وكان لقيام هشام جنينة -الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات- بكشف الفساد وتقديره له بنحو 600 مليار جنيه، السبب المباشر في ازاحته من منصبه، واتهامه باذاعة بيانات غير صحيحة، ولا يزال يواجه محاكمة في هذا الشأن.

 

صور الفساد في مصر


يمثل العمل الحكومي أبرز معاقل الفساد، حيث يمارس الموظفون الحكوميون الفساد بموجب مسئوليتهم الحكومية، في تقديم الخدمات للجماهير، أو في ممارسة أعمال البيع أو الشراء لصالح الحكومة، فلازالت الحكومة تقوم باستيراد السلع الأساسية وعلى رأسها القمح والسكر والزيوت، وهذا باب واسع للفساد لاستيراد سلع رديئة ودفع مبالغ أعلى من ثمنها، ثم الحصول على رشاوى في شكل عمولات.

أيضًا لاتزال تجارة مصر الخارجية في القطاع النفطي محل أكبر ممارسات للفساد، ولعل المثال الذي أشرنا إليه في صدر المقال أحد الأمثلة، وفي ظل غياب الرقابة الحقيقية، لا يمكن الوقوف عل وجه الدقة بحجم الفساد في هذا القطاع الاستراتيجي، وبخاصة أن تجارة مصر السنوية من النفط والغاز تقترب من 18 مليار دولار.

وحتى قبل وجود عجز في النفط لدى مصر قبل عام 2008، حيث كانت مصر بلد مصدر للنفط، شهدت الممارسات الحكومية عمليات بيع النفط لحساب أشخاص أو شركات في الخارج بسعر أقل من سعر السوق، ثم يقوم هؤلاء الأشخاص أو الشركات بإعادة بيعها والحصول على فروق الأسعار، ليقتسموها مع من سهلوا لهم هذا الأمر من المسئولين الحكوميين.

كما أن تخصيص الأراضي وإصدار التراخيص سواء في داخل المدن القديمة أو الجديدة، باب واسع للفساد، ولعل سقوط المباني في بعض المدن أبرز صور هذا الفساد، فضلًا عن عمليات المضاربة على الأراضي الممنوحة من الحكومة، أو تحويل النشاط الذي خصصت له هذه الأراضين إلى نشاط المباني والعقارات، وهو باب واسع جنى من خلاله بعض الأفراد مليارات الجنيهات، ضاعت على الدولة.

وقد تكون هذه الممارسات هي التي تتم بشكل مباشر، وهناك ممارسات للفساد تتم بشكل غير مباشر مثل إهدار الموارد الاقتصادية العامة (المالية أو الطبيعية) سواء كان ذلك بشكل متعمد أو نتيجة جهل، فعلى سبيل المثال لواحدة من أبرز صور الفساد ما حدث قبل الثورة من التعاقد مع شركة “اجريوم” والتي كانت تريد انشاء مصنع لها على شاطئ النيل في دمياط وحصولها على الغاز المدعوم من الدولة لإنتاج الاسمدة وتصديرها للدول الغربية، ومع معارضة المجتمع المدني ونجاحه في عدم إقامة هذا المصنع، هدد ممثل الشركة من أنه سيعلن عن المسئولين الذين حصلوا على رشوة تقدر بنحو مليون دولار، من أجل إتمام المشروع، ولم يجد المسئولون الحكوميون مفر من أن يعطوا الشركة مكان بديل في السويس، حتى يتفادوا الوقوع تحت تهديد الممثل الخاص بالشركة بفضح أمر تعاطيهم رشوة.

ولنا ان نتخيل التكلفة التى تحملتها الدولة نتيجة حصول هذه الشركة وغيرها من الشركات من الحصول على الغاز الطبيعي بالأسعار المدعومة، أو تلوثها لمصادر المياه سواء كانت العذبة أو المالحة نتيجة مخرجات هذه المصانع.

والأمثلة على إهدار المال العام سواء لمواطنين محليين أو أجانب كثيرة، وكانت سببًا في ضياع أموال طائلة على الخزانة العامة للدولة، فالتعاقد مع شركة البترول البريطانيةBP ) ) بالتنازل عن كامل الإنتاج لحقل شمال الإسكندرية نظير أن تحصل مصر على شراء منتجات الحقل بالكامل بسعر  4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، أدى إلى أن تذهب بعض التقديرات حول خسائر مصر نتيجة هذا التعاقد بنحو 75 مليار دولار.

 

الدور المرتقب


الأصل في الأداء الحكومي هو الشفافية، ولكن في ظل حكم العسكر يتجذر الفساد، وبخاصة أن التجربة المصرية في الإدارة الحكومية عملت في ظل مبدأ غير مكتوب مع منسوبيها، وهذا المبدأ هو ( الولاء مقابل العطاء) بغض النظر عن طبيعة هذا العطاء، ماديًا أو معنويًا، قانونيًا أو غير قانوني.

كما حرصت الإدارة الحكومية، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري على تجاوز حدود قاعدة الفصل بين السلطات، وتمادت السلطة التنفيذية في سيطرتها على السلطتين التشريعية والقضائية، فأعضاء مجلس النواب يأتون عبر اختيار الأجهزة الأمنية وحسابات الولاء للنظام، كما أن الالتحاق بالسلطة القضائية محسوم بحصة كبيرة لأبناء القضاة واسترضائهم عبر المكافآت السخية والمستمرة. فعطلت أكبر هيئتين رقابيتين على أعمال الحكومة في مصر.

أما باقي الأجهزة الرقابية (الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، الرقابة الإدارية) فيتم تعيين كافة منسوبيهم عن طريق السلطة التنفيذية، بل إن السلطة القضائية نفسها أصبح تعيين رؤسائها بعد انقلاب 3 يوليو 2013، عبر رئيس الجمهورية.

وإذا ما أريد للوضع في مصر أن يتغير لصالح الموقف المالي، للخروج من دوامة القروض، وتحقيق حالة من عدالة توزيع الثروة لصالح الطبقتين الفقيرة والوسطى، من خلال مكافحة الفساد، فلابد من اتخاذ الخطوات الآتية:

قبل أي شئ لابد من عودة المسار الديمقراطي لمصر، وعودة الجيش إلى الثكنات، وممارسة دوره الأصيل بحماية الحدود والدفاع الخارجي. وابتعاده عن مقدرات الحياة الاقتصادية المدنية، وتركها بالكلية لمجتمع الأعمال، سواء كان قطاع عام أو خاص، وإنفاذ دولة القانون على الجميع، بغض النظر عن أي انتماء، وأن تتم معاملة الجميع على أساس قاعدة المواطنة.
إجراء تعديل دستوري يلغي موازنة السطر الواحد التي كفلها دستور الانقلاب العسكري عام 2014 لصالح القوات المسلحة والقضاء والجهاز المركزي للمحاسبات ومجلس النواب، وأن تتسم موازنات هذه الهيئات بالشفافية وتخضع لكافة أعمال الأجهزة الرقابية المعنية بمراجعة أعمالها. وأن يتم بالفعل العمل بمبدأ الحدين الأعلى والأدنى للدخول، دون استثناء، وإهمال ما تزرع به البعض بزعم فقد الكفاءات بالحكومة والقطاع العام، بسبب الحد الأعلى للأجور.
أن تتم محاسبة متخذي قرارات إنشاء المشروعات بدون دراسات جدوى، وبخاصة تلك المشروعات التي يطلق عليها المشروعات القومية، مثل توسعة قناة السويس، أو العاصمة الإدارية الجديدة، وأن تتم عملية حصر دقيق للموارد العامة وكذلك النفقات والحاجات العامة، حتى تخرج الخطة العامة للدولة معبرة بالفعل عن متطلبات لمشروع التنمية، وليس تلبية لتوجهات سياسية غير مدروسة.
أن يصدر قانون حرية تداول المعلومات، وتمكين المجتمع المدني من الاطلاع على البيانات الخاصة بالتعاملات الحكومية الخاصة باستيراد وتصدير السلع الاستراتيجية كالقمح والنفط والغاز، ومعرفة الشركات التي يتم التعامل معها في هذه السلع. وكذلك ما يتعلق بإعداد الخطة والموازنة، وأن يتوفر للمواطن ما تدعيه الحكومة باسم “موازنة المواطن” وأن يتم تنفيذ الخطة والموازنة عبر مشاركة مجتمعية، نفعل فيها اللامركزية بشكل كبير على صعيد التخطيط والتنفيذ.


مراجعة كافة العقود التي تمت بشأن أراضي الدولة، وبخاصة في المدن الجديدة وعلى جانبي الطرق السريعة، واسترجاع حق الدولة من خلال عمليات إعادة تسعير للأراضي بعد أن قام المشترون بتغير نشاطها من استصلاح زراعي إلى منتجعات وقرى سياحية.
منح الاستقلال التام للأجهزة الرقابية، وعدم تدخل السلطة التنفيذيه في أعمالها ماليًا أوإداريًا أو تعيين أعضائها أو عزلهم، وأن يعمل بتقارير هذه الأجهزة، وأن تقدم للنيابة العامة مباشرة في حالة وجود مخالفات لأي جهة حكومية.
وقف المعالجات الإعلامية الخاطئة، التي تمجد وتشيد بالفاسدين، وإظهارهم على أنهم نجوم المجتمع، وأن يقوم الإعلام بدور إيجابي لتصحيح المفاهيم الخاطئة تجاه المال العام، وأن له حرمة مصونة مثل المال الخاص، ووضع الفاسدين في الإطار المجتمعي الصحيح، من أنهم ناهبوا ثروات المجتمع، ومضيعي حقوق الفقراء والضعفاء (1 )