تشهد المنطقة العربية غدا الأربعاء زيارة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، يزور خلالها الضفة الغربية والأردن وإسرائيل. وتأتي هذه الزيارة في ظل ظروف اقتصادية جديدة تنتاب معظم الدول العربية، ومن بينها الأردن الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، جعلته يوقع اتفاقًا على قرض مع صندوق النقد الدولي، فضلًا عن حصوله على العديد من المنح والمساعدات من دول عربية وأجنبية.
كما تُلقي الأزمة السورية بظلالها على واقع الاقتصاد الأردني، حيث تستقبل الأردن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين، بحكم الجوار الجغرافي ،وقالت المملكة فى وقت سابق إنها فى حاجة الى مساعدة عاجلة بقيمة مليار دولار لمواجهة العبء الناجم عن الازمة الثورية.
ونظرة للعلاقات العربية الأمريكية نجد أنها متعددة الجوانب، وبخاصة فى مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن العشرين. حيث ازداد النفوذ الأمريكي بالمنطقة العربية، ليضيف التواجد العسكري له بالمنطقة إلى جوار تواجده السياسي والاقتصادي.
ونتج عن هذا الوضع ولأول مرة في التاريخ الحديث أن تحتل أمريكا بلدًا عربيًا، وذلك في مارس عام 2003، الذي شهد احتلال أمريكا للعراق.
لعل الجانب الاقتصادي بين الطرفين" العربي –الأمريكي" يشهد ملمحين رئيسيين يمكن الالتفات إليهما في الوقت الحالي، وهما وجود ثورات الربيع العربي، التي من شأنها في الأجل الطويل أن تعيد تركيبة مشهد العلاقات الأمريكية العربية، وبخاصة أن دولة بحجم مصر وثقلها الإقليمي على رأس دول الثورات العربية.
والأمر الثاني أن ثمة تغيرات على أرض الواقع تعكس وجود تركيبة جديدة لخريطة القوى الاقتصادية الدولية. ولم تعد أمريكا وحدها صاحبة الحول والطول في الاقتصاد العالمي، ولكن هناك شركاء جدد سوف يكون لهم تأثريات مهمة على مسارات الاقتصاد العالمي، من حيث حركة التصدير، ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي، بل وفي التطوير والابتكار الذي ظل حكرًا على أمريكا والدول المتقدمة لفترات طويلة.
كما أن الاقتصاد الأمريكي لايزال يعاني من عثرات الأزمة المالية العالمية، والتي كان آخرها تخفيض الموازنة العامة لأمريكا لعام 2013 بنحو 80 مليار دولار.
بلغت قيمة التبادل التجاري لأمريكا مع الدول العربية 152.3 مليار دولار في عام 2011، لتسترد العلاقات التجارية بين الطرفين عافيتها، إلى ما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية، حيث كانت قيمة التبادل التجاري بين الطرفين في عام 2008 نحو 171.6 مليار دولار، وانخفضت في عام 2009 إلى 117.3 مليار دولار.
ويلاحظ أن العجز التجاري في العلاقة بين الطرفين في صالح الدول العربية، وذلك بسبب الصادرات البترولية العربية إلى أمريكا.
وحسب بيانات عام 2011 فإن الدول العربية حققت فائضًا مع أمريكا بمقدار 31.3 مليار دولار، ويعد عام 2009 هو الأقل في حجم التبادل التجاري بين الطرفين وخلال الفترة ( 2007 – 2011) بلغ حجم التبادل 117.3 مليار دولار، وحققت الدول العربية فيه أيضًا فائضًا قدره نحو 10.5 مليار دولار.
ومن خلال تحليل بيانات الصادرات العربية لأمريكا نجد أنها تشهد تراجعا منذ العام 2008 وحتى عام 2011، وذلك بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي بأمريكا، وانخفاض حصتها من واردات البترول العربي.
ففي عام 2007 كانت الصادرات العربية لأمريكا تمثل نسبة 10.5 % من إجمالي الصادرات العربية الكلية. ووصلت هذه النسبة في عام 2011 إلى نحو 7.7 %.
ولكن على الجانب الأخر نجد أن الواردات العربية من أمريكا حافظت على نسبتها من إجمالي الواردات العربية الكلية خلال الفترة (2007 إلى 2011)، إذ كانت هذه النسبة تتراوح بين 9.3 % في عام 2007 و8 % في عام 2011.
والسبب في هذا التراجع الطفيف بنسبة الواردات العربية من أمريكا إلى إجمالي الواردات العربية الكلية أن الواردات العربية من أمريكا تتمثل في الآلات والمعدات والسلع الغذائية والأدوية والسلاح، وبالتالي من الصعوبة بمكان الاستغناء عنها بسهولة، إذ أنها تمثل احتياجات أساسية للدول العربية.
وتأتي السعودية على رأس الدول العربية من حيث حجم التبادل التجارى مع الولايات المتحدة بقيمة 74 مليار دولار مع نهاية عام 2012. وبما يمثل 50 % من إجمالي حجم التبادل التجاري العربي الأمريكى.
تعد أمريكا منذ فترة طويلة "قبلة" الاستثمارات العربية، سواء للدول النفطية، أو للدول ذات الاقتصاديات المتنوعة، ونلحظ أنه على رأس الاستثمارات العربية في أمريكا، الاستثمار في مجال سندات الخزانة الأمريكية، إلا أن الاستثمارات الخليجية تخطت مجال الاستثمار في مجال سندات الخزانة لتتجه نحو العقارات وأسواق المال، وكذلك القطاع السياحي.
ولا يوجد تقدير على وجه التحديد لقيمة الاستثمارات العربية في أمريكا، نظرًا لوجود جزء كبير من هذه الاستثمارات لحكومات دول خليجية، وبالطبع لا يعلن عن حجم هذه الأموال، وقدرت بعض التقارير خسائر استثمارات الدول الخليجية في أمريكا في أزمة 2008 بنحو 400 مليار دولار، وبفرض أن هذه الخسائر تمثل نحو 50 % من رؤوس الأموال، فمن الممكن القول بأن الاستثمارات العربية في أمريكا تتراوح ما بين 800 مليار وتريليون دولار.
أما عن الاستثمارات الأمريكية في المنطقة العربية فيأتي قطاع البترول على رأس اهتمامات الاستثمارات الأمريكية، وتقدر الاستثمارات الأمريكية في مصر بنحو 7 مليارات دولار، وفي الأردن 2.5 مليار دولار، وفي إسرائيل 15 مليار دولار.
ومن هنا نلاحظ وجود علاقة غير متوازنة، سواء فيما يتعلق بين حجم الاستثمارات المتبادلة بين أمريكا ومجموع الدول العربية، وأن أمريكا تفضل دولة إسرائيل على باقي الدول العربية من حيث توجيه استثماراتها.
المساعدات الأمريكية هي العصا والجزرة لتنفيذ سياسات أمريكا بالدول العربية، وتتصدر إسرائيل قائمة الدول المستفيدة من برامج المساعدات الأمريكية في المنطقة، ثم تأتي مصر والأردن كأكبر دولتين عربيتين تستفيدان من برامج المساعدات الأمريكية.
ولا تقدم المساعدات الأمريكية بهدف إعانة الدول المتلقية لهذه المساعدات كما يظن البعض، ولكنها تأتي في إطار تحقيق الأمن القومي الأمريكي، وغالبًا ما تقترن المساعدات الاقتصادية الأمريكية بمساعدات عسكرية.
ونظرة للأرقام الرسمية نجد أن إسرائيل تحصل على النصيب الأكبر من المساعدات الأمريكية والمقدرة هذا العام بنحو 3.1 مليار دولار، منها ما يتعلق بالجوانب العسكرية، وبخاصة دعم برنامج الصواريخ الإسرائيلي، وقد شهدت المساعدات الأمريكية لإسرائيل انخفاضًا طفيفًا، إلا أن له دلالته في ظل الأزمة الاقتصادية الأمريكية. وهو ما جعل البعض يتوقع أن يؤثر ذلك على خطط إسرائيل العسكرية والتوسعية في إطار برامج الاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتأتي مصر في المرتبة الثانية من حيث الاستفادة من برامج المساعدات الامريكية، والتي تبلغ سنويًا نحو 1.250 مليار دولار ، منها مليار لمساعدات عسكرية، ونحو 250 مليون دولار كمساعدات اقتصادية، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية مطلع الشهر الجارى عزمها تحويل نحو 195 مليون دولار لمصر لدعم عجز الموازنة.
أما الأردن فتحصل على معونة اقتصادية وعسكرية من أمريكا تصل لنحو 660 مليون دولار سنويًا، منها نحو 300 مليون مساعدات عسكرية.
وقد ارتبطت المساعدات الأمريكية لمصر والأردن في إطار اتفاقيات السلام التي أبرمتها الدولتان مع إسرائيل. إلا أنه يتوقع أن تتعرض هذه المساعدات للانخفاض المستمر إذا ما ظلت الأوضاع الاقتصادية الأمريكية في أداءها السلبي، واستمرار تفاقم أزمة المديونية وزيادة عجز الموازنة الأمريكية. الذي فاق نسبة 100 % من حجم الناتج المحلي الأمريكي.
من الصعوبة بمكان التنبوء بتأثر العلاقات الاقتصادية لدول الثورات العربية سلبيًا مع أمريكا، فهذه الدول لم ترتب بيتها من الداخل اقتصاديًا، وبالتالي يصعب عليها أن تعيد تشكيل خريطة تعاملاتها الاقتصادية مع أمريكا في الأجلين القصير والمتوسط.
والملاحظ أن المرحلة الراهنة لدى دول ثورات الربيع العربي، تفرض عليها ألا تدخل في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة مع دول أخرى، وبخاصة مع دولة قوية مثل أمريكا، لازال لها مصالحها بالمنطقة التي تحرص عليها، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض عمليات تعظيم حجم التجارة مع دول أخرى غير أمريكا، ولكنها علاقات تدور في إطار المعاملات الاقتصادية والتجارية التقليدية.
وعلى دول ثورات الربيع العربي أن تستثمر هذا المناخ المتسم بإقبال دول أخرى على المنطقة مثل الصين وتركيا وغيرهما، من أجل الحصول على شروط أفضل لتحقيق مصالحها الاقتصادية مع العالم الخارجي.
كما أن أمريكا لازالت تحرص على أن تعلن أنها حريصة على مساعدة دول ثورات الربيع العربي، وهو ما نلاحظه في دفع مفاوضات صندوق النقد الدولي مع كل من مصر واليمن وتونس، واستمرار برامج المساعدات الأمريكية لتلك الدول.
وسوف تحرص أمريكا على توطيد علاقاتها الاقتصادية مع دول الثورات العربية، للحفاظ على تواجدها في المنطقة، ومواجهة أية مزاحمة من قبل دول الجنوب الصاعدة، التي تمثل نموذجا للتنمية الذاتية الناجحة لدى الشعوب العربية.