الرئيسية / السعودية / التبعات الاجتماعية لإقدام السعودية على الخصخصة

التبعات الاجتماعية لإقدام السعودية على الخصخصة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-01-2016
  • 612
التبعات الاجتماعية لإقدام السعودية على الخصخصة
  • المصدر: موقع الأناضول

رافق إعلان المملكة العربية السعودية، نهاية العام الماضي، عن موازنة العام الحالي 2016، عزمها اتخاذ رزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية، الهادفة إلى ترشيد النفقات الجارية، وخفض العجز البالغ 87 مليار دولار أمريكي للعام الجاري.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت أرامكوا (من أكبر شركات النفط الإقليمية)، عن طرح نسبة من أسهمها في البورصة، نحو طريق الخصخصة.
وسيترتب على دخول السعودية في تطبيق برنامج للخصخصة، (ليس فقط أرامكو)، ليتجاوزها في بعض الخدمات أو المشروعات الإنتاجية، العديد من التبعات الاجتماعية، خاصة أن البيانات التي تتيحها آخر تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية ، تظهر وجود شريحة كبيرة من المجتمع السعودي حصل على مساعدات ومعاشات للضمان الاجتماعي.
تقرير الوزارة عن عام 2012، والذي صدر في ديسمبر/كانون أول 2015، يبين أن عدداً من حصلوا على معاشات للضمان الاجتماعي في ذلك العام، يزيذ عن 800 ألف حالة، وأن من حصلوا على مساعدات أخرى، بلغ عددهم 773 ألف حالة، بقيمة إجمالية خلال العام 2012، بلغت 24.2 مليار ريال سعودي.
ولا يفهم من تصنيف الحالة، أنها تعني فرد واحد، فبعض الحالات التي تحصل على معاشات الضمان تضم أسر مكونة من ثلاثة أفراد إلى 12 فرداً، ولو اعتبرنا أن متوسط الأسر التي تحصل على معاشات للضمان الاجتماعي بحدود أربعة أفراد، فمعنى ذلك أن هذه الأسر تضم نحو ما يزيد عن 3.2 مليون فرد.
ونفس المعيار يمكن أن يطبق على من يحصلون على المساعدات، فيكون عدد أفراد هذه الأسر نحو 3 ملايين فرد، وبذلك نجد أن إجمالي من يحصلون على إعانات، ويمكن اعتبارهم في عداد الفقراء، يصل إلى ما يزيد عن 6 ملايين نسمة، من إجمالي عدد سكان.
وإذا ما اعتبرنا أن عدد السكان السعوديين في عام 2014 بلغ نحو 21 مليوناً، وفق تقديرات مصلحة الإحصاء في البلاد، فمعنى ذلك أن نسبة الفقراء بالمملكة تصل نحو 29.5%.
ووفق الفئات المستفيدة من برامج وزارة الشؤون الاجتماعية، فمن يحصلون على المعاشات، هم من يعانون من العجز الكلي، والأيتام، والنساء الفقيرات، بينما من يحصلون على المساعدات فمنهم من يحصل على مساعدة مقطوعة لمرة واحدة، ومنهم من لديه عجز مؤقت، والسجناء، ومواطنات متزوجات من أجانب، وبعض هذه الحالات التي تحصل على المساعدات من بينها من يعجزون عن سداد فواتير الكهرباء، أو يعجزون عن تدبير الزي المدرسي ومستلزمات الدراسة، أو العاجزين عن عن ترميم بيوتهم التي تصدعت.
- الخصخصة ومعاش الناس
مع الإعلان عن موازنة عام 2016 بالسعودية، تضمن البيان الخاص بالموازنة، والصادر عن وزارة المالية، الإشارة إلى اتخاذ مجموعة من السياسات والإجراءات التى تهدف إلى تحقيق الاصلاح الهيكلي، كما تتصوره وزارة المالية، والتي يفترض أن تدخل حيز التنفيذ خلال السنوات الخمس القادمة.
ومن بين هذه الإجراءات، طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وكذلك مراجعة الدعم الحكومي، بما يشكل منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء، وإعادة تسعيرها.
وبالفعل تم تفعيل زيادة أسعار استهلاك الوقود، والكهرباء والمياه، على أن تبدأ الأسعار الجديدة في خدمات المياه والغاز والكهرباء، مع فواتير استهلاك يناير 2016، كم تم الحديث عن قرب دراسة طرح نسبة 10% من شركة "ارامكو"، التي تعد من أكبر الصروح الاقتصادية في البلاد، وسيكون الطرح من خلال البورصة السعودية.
وبتحليل هذه التوجهات، نجد أن شريحة كبيرة من المجتمع السعودي ستتضرر من هذه الإجراءات، ما لم تصاحبها إجراءات تعالج الآثار الاجتماعية السلبية الناتجة عن تطبيق برامج مثل الخصخصة، ومراجعة الدعم الحكومي في قطاعات مهمة وضرورية مثل المياه والغاز والكهرباء.
وإذا كانت الحكومة في عام 2012، حيث كانت أسعار النفط تقترب من الـ 100 دولار، وكانت السعودية لديها كامل برامج الدعم والمساعدة، كما تم زيادة الإنفاق العام بشكل ملحوظ، من أجل مواجهة تأثر السعودية بما حدث في دول الربيع العربي، ومع ذلك وجد نحو 6 مليون فقير، يحصلون على معاشات ضمان اجتماعي، ومساعدات، فما بالنا بعد تطبيق الإجراءات التي تنوي الحكومة تطبيقها في أسعار العديد من الخدمات بنهاية يناير/كانون ثاني الجاري، وكذلك تراجع الناتج المحلي الإجمالي بسبب انخفاض أسعار النفط، وزيادة معدلات التضخم، فكل هذا من شأنه أن يزيد من معاناة السعوديين بشكل عام، والفقراء منهم بشكل خاص.

- سوء توزيع الثروة
بغض النظر عن طبيعة النشاط الاقتصادي المتبع، رأسمالياً، أو اشتراكياً أو مختلطاً، أو إسلامياً، فالعبرة بعدالة توزيع الثروة، وإذا كنا نتحدث عن 6 ملايين فقير بالسعودية، وترشيح عدد آخر من الشرائح الدنيا بالطبقة المتوسطة، مرشحة للسقوط في دائرة الفقر، فكيف لهؤلاء أن يحصلوا على حصة عادلة من نسبة الـ 10% التي سيتم طرحها بالبورصة السعودية من شركة "ارامكو"؟
هل سيعاد توزيع حصيلة البيع في شكل نقدي أو عيني، أو محافظ استثمار لصالح هؤلاء الفقراء بحصتهم من الثروة العامة التي ستباع؟ أم أنه يتم بحصيلة البيع تمويل الموازنة السعودية التي لا تتضمن مبالغ معتبرة للاسثمار، وأن الاستثمارات العامة تدار من خلال محافظ خارج نطاق بيانات الموازنة.
لن يكون بوسع فقراء السعودية الذين يقترب عددهم من 30%، ولا الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، أن يقتربوا من البورصة، لجيوبهم الخاوية، بينما ستؤدي عملية الخصخصة عبر البورصة إلى تركز الثروة في يد الطبقة المقتدرة.
إن عمل شركة "ارامكو" مضمون الربح بحكم السلع التي تعمل فيها وهي النفط، وإذا كانت برامج الإصلاح الهيكلية التي أعلنت عنها الحكومة السعودية بالموازنة، ستؤدي إلى تركز الثروة، فما هو الشيء الذي ستقدمه الفقراء؟ إن سياسات معاشات الضمان الاجتماعي والمساعدات، لا تساعد الناس على الخروج من دائرة الفقر، بل تجعلهم دوماً يعتمدون على انتظار هذه المساعدات.
- البرامج التعويضية
بلا شك، أن مجموعة الإجراءات التي تنوي الحكومة السعودية تطبيقها، سيكون لها أضرارها، التي أشرنا إلى بعضها، لذلك فكل برنامج إصلاح، لابد وأن يتضمن برامج تعويضية، بحيث تقلل من هامش التداعيات الاجتماعية السلبية.
ومع إعلان تنفيذ برنامج الخصخصة ومراجعة الدعم الحكومي، لم تتحدث الحكومة السعودية عن تبني مجموعة أو حزمة من البرامج التعويضية، أو مساندة المتضررين من تلك السياسات.
والأمر الثاني أنه في حالة استنساخ البرامج العربية المشابهة في شأن تطبيق برامج للخصخصة، فستكون النتيجة مزيداً من المعاناة للفقراء، حيث يتم الإعلان عن صندوق اجتماعي للتنمية، لدعم الفقراء، ولتشجيع المشروعات متناهية الصغر، والصغيرة والمتوسطة.
وما لم تصاحب تلك الإجراءات إصلاحات حقيقية بشأن المؤسسات التعليمية، وتتناسب مخرجاتها مع احتياجات سوق العمل، فإن الأمر سوف يزداد سوءاً، بسبب أن الحكومة ستخفف من حجم العمالة لديها، من خلال تقليل استقدام العمالة الجديدة، ومن ناحية أخرى فإن القطاع الخاص، سوف تفرض عليه الظروف الجديدة -والتي تؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج- انتقاء العمالة المناسبة.
وحسب بيانات مصلحة الإحصاء السعودية، فإن عدد العاطلين السعوديين يبلغ 11.6%، خلال النصف الأول من عام 2015، ويتوقع أن يشهد معدل البطالة تجاوز النسبة السابقة خلال عام 2016.