الرئيسية / مقالات تحليلية / فتش عن السياسة في أزمة الغذاء

فتش عن السياسة في أزمة الغذاء

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 20-05-2008
  • 366
فتش عن السياسة في أزمة الغذاء
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

مع تصاعد أزمة الغذاء بالعالم العربي، ووصول أسعار المواد الغذائية إلى مستويات عالية جدا، لم تجد الحكومات العربية تبريرًا للأزمة سوى تعليقها على شماعة الزيادة السكانية وارتفاع الأسعار العالمية.

ومع تقديرنا لهذه الأسباب لكن تأثيرها يصبح محدودا إذا ما قورنت بالأسباب السياسية، والتي لعبت دورا كبيرا في حدوث الأزمة، وهو ما يشير إلى وجود خلل في إدارة الحكومات العربية لها.

هذا الخلل تمثل في ممارسات سياسية داخلية أثرت على الإنتاج الزراعي، وساعد على زيادة المشكلة ممارسات خارجية، وكانت النتيجة أن فاتورة الغذاء بلغت 20 مليار دولار، ومرشحة لأن تصل إلى نحو 30 مليار دولار في ظل ارتفاع أسعار الغذاء خلال عام 2008.

سبعة مظاهر لممارسات الداخل

ويمكن تلخيص الأسباب الداخلية في سبعة مظاهر هي:

  • غياب الإرادة السياسية العربية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء:

  • كانت الخلافات السياسية العربية العربية هي الأبرز، منذ الإعلان عن مشروع التكامل الاقتصادي العربي أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، ولعل ما شاهدناه في قمة دمشق الأخيرة ( مارس 2008 ) خير دليل على غياب الإرادة السياسية العربية، ولم يستوعب العرب الدرس من الوحدة الأوروبية، وهو أن الخلافات السياسية لا تعوق مشروعات التكامل الاقتصادية.
  • التوجه لاقتصاد السوق، والخضوع لشروط منظمة التجارة العالمية:

  • كانت هناك سياسات خاطئة في المجال الزراعي أدت إلى تدني العائد منه على الصعيد المحلي، مثل إلغاء الدعم المقدم إلى قطاع الزراعة، وفي ظل إمكانيات محدودة للمزارع العربي، أصبح فريسة للهجرة إلى المدن أو خارج البلاد وهجر الزراعة، واعتماد البلاد العربية على استيراد احتياجاتها من السلع الزراعية والغذائية، وذلك في نفس الوقت الذي لم تتخل الدول الغربية أو أمريكا عن تقديم الدعم للقطاع الزراعي بزعم وجود تداعيات اجتماعية سلبية تنتج عن إلغاء هذا الدعم، وكأن إلغاء الدعم عن المزارع العربي كان إيجابيا!
  • اتجاهات كبار المستثمرين لتلبية احتياجات الخارج:

  • التخلي عن سياسات التركيب المحصولي وترك الحرية للمزارعين، فتوجه هؤلاء إلى احتياجات الخارج، واعتمدوا زراعة وإنتاج سلع غير ضرورية للسوق المحلية، بزعم استجلاب العملات الصعبة، في حين كانت السلع الضرورية تمثل سيفًا مسلطًا على عنق صانع السياسة الداخلية.
  • تبني سياسة التخلي عن القطاع الزراعي بزعم ضعف مردوده الاقتصادي:

  • ظلت الدعاوى السياسية في العالم العربي بوجود مجتمعات متقدمة محل شك؛ فمنذ الستينيات من القرن الماضي وحتى الآن لم تنهض دولة عربية واحدة، من مصاف الدول المتخلفة، بل بقيت الدول العربية بلا تخصص واضح المعالم، فلا هي زراعية أو صناعية أو تجارية، ولكنها خليط رديء من كل هذا.
  • التستر على ممارسات الفساد:

  • كانت الممارسات الفعلية في الشارع العربي هي التستر على ممارسات الفساد التي تمت في مجال الزراعة والغذاء واضحة، ولم تقابل بمواجهة تتناسب وحجم الجرم المرتكب؛ ذلك لأن من ارتكبوا هذه المخالفات كانوا من أهل الثقة لأنظمة الحكم، فقد تم استيراد أغذية فاسدة، ومبيدات غير صالحة للاستخدام الآدمي، كما تم تدمير السلالات الوطنية، وفي بعض الحالات تم تصديرها للخارج لتحل محلها سلالات مستوردة قد لا تتناسب وطبيعة التربة في البلاد العربية.
  • تدجين المؤسسات الأهلية الزراعية:

  • ظلت النظم العربية تتعامل مع المنظمات الأهلية على أنها مصدر لقلقها، وبالتالي لابد من السيطرة عليها، وأن تسير في ركاب السلطة، ومن هنا وجدنا مثلا نقابات الزراعيين والفلاحين، أو المؤسسات التعاونية، بعيدة تماما عن قضايا الإنتاج ومشكلات الفلاحين، وتفرغت للخروج في مظاهرات تأييد الحكام، أو الرضا بقبول بعض المناصب القيادية في الدولة نظير أن تكون مكملة للشكل الديكوري لأنظمة الحكم العربية؛ فلم نسمع صوتًا لمثل هذه المنظمات خلال الأزمة الطاحنة التي شهدها العالم العربي على مدار السنتين الماضيتين، اللهم سوى الاحتفال بيوم أو عيد الفلاح!
  • تبني سياسات عشوائية في القطاع الزراعي:

  • اتسمت السياسات الزراعية في البلدان العربية بالعشوائية، ولم تحدد ما هو الهدف الواضح لها، هل هو بناء سياسات تكاملية سواء على الصعيد الإقليمي أو القطري، أو المحافظة على مقدرات الريف العربي من كونه ريفًا منتجًا ويحقق اكتفاء ذاتيا ويصدر لمجتمع المدينة، أو وجود رابطة قوية بين المؤسسات التعليمية في الجامعات والمدارس واحتياجات الزراعة في المجتمعات العربية، كل هذا غير واضح.

وبقي فقط الغزل الذي تقدمه الحكومات العربية للفلاح أو لأهالي المناطق الريفية من خلال بعض الخدمات أو المرافق العامة، أو تقديم بعض القروض بلا هدف سوى كسب مواقف سياسية معينة.

زيادة الطين بلة

وزادت الممارسات الخارجية من الطين بلة، حيث استهدفت هذه الممارسات تحجيم الإنتاج الزراعي العربي، لاستخدام ورقة الغذاء في الضغط على صانع القرار السياسي في العالم العربي، ومن هذه الممارسات:

  • ذلك التدخل السافر في الشأن السوداني من قبل الغرب وأمريكا، والحيلولة منذ السبعينيات دون استكمال مشروع قناة "قنجولي" في الجنوب السوداني، الذي يتم من خلاله توظيف كميات هائلة من مياه النيل للزراعة في مصر والسودان.
  • هذا التواجد الكثيف لأمريكا وإسرائيل في دول منابع النيل وإثارة البلبلة كل فترة حول اتفاقيات تقسيم مياه نهر النيل التي استقرت منذ مطلع القرن العشرين، والسعي لصور شتى لدى بعض الدول الإفريقية من أجل إقامة سدود للتأثير على حصة كل من مصر والسودان من مياه نهر النيل.
  • وليست هذه فحسب صور التأثير السياسي الخارجي، لكن هناك تداخلات مباشرة للتأثير على أسعار السلع الزراعية، خاصة الإستراتيجية منها مثل القمح، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003 بسرعة شراء فائض إنتاج دول أوروبا الشرقية من قمح على الرغم من عدم حاجتها إليه، حيث تعد أمريكا من أكبر مصدري القمح في العالم، ولكن هذه الخطوة كانت بسبب سعي مصر لتنوع مصادر استيرادها من القمح، حيث كان القمح من دول أوروبا الشرقية أرخص سعرا وأجود صنفا، وبذلك قطعت الطريق على مصر للاتجاه نحو هذه الإستراتيجية، وكانت النتيجة هي زيادة أسعار القمح في السوق العالمي من 95 دولارا للطن إلى نحو 175 دولارا.
  • ولا تغيب عنا هذه الصورة اللإنسانية التي مورست ضد بلدان عربية عدة (السودان، العراق، ليبيا، وما أحداث غزة حاليا منا ببعيد ) من خلال سلاح العقوبات الاقتصادية، مما تسبب في أزمات غذائية معروفة خاصة تلك التي كانت تلم بالأطفال بمنع الألبان والعلاج عنهم، فضلا عن عدم توافر الطعام اللازم لباقي السكان.

تجربتا الصين والهند

لا يفوتنا هنا أن ننوه بتجارب الآخرين في مجال توفير السلع الزراعية والغذائية لشعوبها وعدم تعرضها لضغوط خارجية، أو التوظيف السياسي الداخلي، حيث مارست الهند نوعا من الشموخ الوطني برفضها سفن القمح الأمريكي التي كانت قابعة على المواني الهندية، وذلك بسبب رغبة أمريكا التدخل في الشئون الداخلية الهندية، وكانت هذه حادثة تاريخية في الهند وغيرها، حيث أمرت رئيسة وزراء الهند في ذلك الوقت أنديرا غاندي، بعودة السفن الأمريكية إلى أمريكا ودعت الهنود لزراعة أكبر كمية من أراضيها بالقمح لتحافظ على كرامة الهند ولا تعرضها للضغوط الخارجية.

هناك أيضا تجربة جديرة بالذكر، وهي تجربة الصين التي كانت تعاني من وجود مجاعات في السبعينيات، ولكنها الآن نجحت في خفض معدلات الفقر بنسبة تصل إلى أكثر من 50% مما كانت عليها، ولم تعد تلك الدولة تستجدي المساعدات أو الغذاء من الخارج.

وإذا ما كان لنا من مثل عربي ناجح في هذا المجال فنجد تجارب كل من سوريا والسعودية، حيث نجحتا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.

ففي حالة سوريا، فقد فرضت عليها ظروفها السياسية أن تسعى لذلك وحققته، وكذلك السعودية على الرغم من وجود حديث عن أن إنتاج القمح في السعودية غير اقتصادي، ولكنه سلعة إستراتيجية، وليس بالضرورة أن كل ما ليس باقتصادي لا تنتجه الدولة، فهناك دواع قومية وسياسية قد تدعو وتدفع إلى ذلك.. ويا ليت العدوى تنتقل إلى باقي الدول العربية.