الرئيسية / مقالات تحليلية / حملة المليار دولار في رمضان

حملة المليار دولار في رمضان

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 03-10-2005
  • 122
حملة المليار دولار في رمضان
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

مع بدء شهر رمضان، يسعى كل مسلم للتقرب إلى الله، عبر الإكثار من الصدقات والزكوات، غير أن الشهر الكريم يأتي هذا العام، وفي النفس غصة مبعثها أرقام مخيفة ذكرها تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2005، حول وفيات الأطفال في العالم.

فيشير التقرير إلى أن حالات الوفاة بين الأطفال في العالم تفوق في شهر واحد حصيلة مأساة تسونامي التي نتج عنها نحو 300 ألف قتيل، فكل ساعة يموت أكثر من 1200 طفل على مستوى العالم، أي إن الحصيلة الشهرية تشير إلى وفاة 864 ألف طفل.

وإذا كانت تسونامي كارثة طبيعية يصعب التنبؤ بها، فإن وفاة هذا الحجم الهائل من الأطفال شهريا ترجع لسبب معلوم للجميع وهو الفقر المدقع الذي يعاني منه سدس سكان العالم (مليار فرد)، أي بمستوى دخل أقل من دولار واحد في اليوم، فقد يموت الطفل بسبب سوء تغذية الأم الحامل، أو عدم وجود وسيلة آمنة للولادة، أو سوء التغذية للطفل والأم بعد الولادة.

ونظرا لقتامة مشكلة الفقر، فقد تعهدت وثيقة أهداف التنمية للألفية الثالثة ( 2000 )- التي ترعاها الأمم المتحدة- بتخفيض الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار في اليوم الواحد إلى النصف، وكذلك تخفيض نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة بمقدار الثلثين، فضلا عن تقليل معدل الوفيات إبان الحمل والوضع بمقدار ثلاثة أرباع.

ورغم أن هذه الأهداف يفترض أن تتحقق حتى 2015، فإن تقويم السنوات الخمس الماضية منذ الإعلان عن بدء العمل بهذه الوثيقة، يشير إلى أنها لم تحقق النتائج المرجوة، خاصة في ظل تقاعس الدول المتقدمة عن تقديم حصتها التي قطعتها على نفسها، وهي 1% من ناتجها المحلى الإجمالي، فضلا عن الشروط الأخرى التي تمليها على البلدان المستفيدة من هذه المعونات.

ما دورنا كمسلمين؟

ولأن الإسلام جعل من مقاصد شريعته السمحاء حفظ النفس، بالإضافة إلى حفظ العقل والدين والمال والعرض، بل إن كتب الفقه تقدم حفظ النفس على بقية المقاصد، فإن من واجب المسلمين أن يتقدموا بأموالهم لإنقاذ هذه الأنفس البريئة (الأطفال).

ويحقق ذلك أمورا عدة أولها إحياء النفس البشرية الذي أمر الله به "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، وثانيها هو تعميق الدور الإنساني للإسلام، أما الأمر الثالث فهو تحسين صورة الإسلام التي أصيب بالكثير من الغبش جراء اتهامه بالإرهاب.

إن مساعدة هؤلاء الأطفال على النجاة من خطر الموت هو نوع من العطاء الاقتصادي الذي حث عليه الإسلام، ولكن يظل السؤال: كيف يكون لنا دور في هذه المأساة الإنسانية؟.

الإجابة هي أنني أقترح حملة لجمع مليار دولار لإنقاذ هؤلاء الأطفال، خاصة أننا في شهر تكثر فيه الصدقات، وأهمية هذا الرقم أن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن تكلفة إنقاذ نحو 2.3 مليون طفل من خطر الموت يتكلف مليار دولار، وهو ما يعادل الإنفاق العسكري في البلدان المتقدمة خلال يومين.

وإذا كان المليار دولار رقم مخيف في دنيا الأفراد، خاصة من يعيشون في اقتصاديات العالم النامي، فضلا عن بعدهم عن دنيا المال والأعمال، فإنني لا أحسب أن هذا المبلغ يعد شيئا في حسابات أمة بلغ تعدادها ما يربو عن المليار نسمة، وقد حباها الله من الخير الكثير.

فهذه أمة تمتلك ثقافة العطاء، خاصة أن لديها كبارا من رجال الأعمال وأغنياء يدرجون في قوائم أغنياء العالم، ولا ننسى أن التبرعات الصغيرة قادرة على فعل الكثير، إذا ما اتسع نطاق جمعها لهدف نبيل مثل إنقاذ حياة أطفال الفقراء.

آليات التنفيذ

- شهر رمضان من المواسم التي يكثر فيها إخراج الصدقات، وقد تتبنى جمعيات المجتمع الأهلي أو المنظمات الرسمية حملة للتبرعات لإنقاذ أطفال الفقراء في العالم، ولا مانع أن يتم تفعيل المؤسسات التي تقوم بهذا الدور أو لديها الاستعداد للقيام به، أو قد تنشأ مؤسسة عالمية أو إقليمية يكون لديها برامج كاملة للمساهمة في حل هذه القضية.

- قد تأخذ المساهمات شكل التبرع المادي في تقديم النقود للجهات التي ستقوم بتنفيذ البرنامج أو التبرعات بالجهود الشخصية، كوجود أطباء أو متخصصين في التمريض، وشئون الأمومة والطفولة لزيادة الوعي لدى الفقراء.

- أن تكون هناك حملة في مختلف وسائل الإعلام بخطورة المشكلة، والدعوة للتبرع بوحدات نقدية صغيرة قابلة للزيادة لمن أراد (الجنيه أو الدينار، أو الليرة أو الدرهم... إلخ)، حتى يمكن مساهمة أكبر عدد ممكن.

- من الأفضل أن يتم الترتيب مع الجهات الدولية، لتيسير عمل هذا البرنامج والاستفادة من الدراسات المتاحة لديهم.

- زيادة الوعي بدور الوقف في مثل هذه القضايا، فيمكن للأغنياء أن يوقفوا ما يشاءون من عقارات أو أراض أو ودائع بنكية لخدمة هذه القضايا.

كما يمكن الاستفادة من فكرة صناديق استثمار الوقف، والتي تتناسب بشكل كبير مع هذه القضية، من حيث استيعابها للتبرعات الصغيرة وقدرتها على توفير ودائع لها صفة الاستمرار لتمويل طويل الأجل تحتاج إليه قضية أطفال فقراء العالم.

أحسب أن تبني مثل هذه الدعوة أفضل بكثير من وسائل أخرى لعرض رسالة الإسلام، فلنتخيل شعور أسرة يموت طفلها بين يديها، من جراء الفقر وسوء التغذية، وتأتي معونة المسلمين لإنقاذهم من بلوتهم، وأن يحل عليهم الفرح بحياة طفلهم الذي يأملون أن يكون لهم عونا.. وهل يصدق من قدمت له هذه المساعدة بعد ذلك أن الإسلام دين إرهاب، أم دين إنسانية ورحمة وعطاء؟.

وقديما قالوا إن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.. فهل ترى هذه الأطروحة طريقة إلى دنيا العمل؟ أسأل الله عز وجل أن يكون ذلك قريبا.

الأكثر قراءة