الرئيسية / مقالات تحليلية / انفجارات بنجلاديش ببصمة الفقراء

انفجارات بنجلاديش ببصمة الفقراء

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 16-08-2005
  • 109
انفجارات بنجلاديش ببصمة الفقراء
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

ألقت تفجيرات بنجلاديش يوم الأربعاء 17-8-2005 بظلالها على واقع بلد يعيش حالة من الفقر والتعرض للكوارث الطبيعية؛ وهو ما جعله يصنف على أنه من أفقر بلاد العالم، فتشير الأرقام إلى وجود نحو 36 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر بحجم إنفاق قدره واحد دولار يوميًّا، بينما من يعيشون تحت خط الفقر أيضا بمعدل إنفاق دولارين يوميًّا يصلون لنحو 83 مليون نسمة؛ أي ما يعادل نحو 75% من الشعب يعيشون تحت خط الفقر.

يضاف إلى ذلك، فإن ممارسات الفساد التي تتم داخل الأجهزة الحكومية نتج عنها حالة من سوء توزيع الثروة، وعدم تحسين حالة الفقراء أو حصولهم على الخدمات الضرورية المطلوبة.

وفي الوقت الذي أعلن فيه المنفذون لهذه الانفجارات التي وصلت إلى 350 انفجارا، وقتل فيها شخصان، وأصيب العشرات أن دوافعهم هي المطالبة بـ"تطبيق الشريعة الإسلامية وخروج الأمريكان والإنجليز من الأراضي الإسلامية"، إلا أن ثمة دوافع اقتصادية اجتماعية مهمة ربما تكون أكثر تفسيرًا لوقوع هذا الحدث ومنها:

أولا: 

لم تنجح معدلات التنمية المتحققة في بنجلاديش في الخروج بالبلاد من حالة الفقر المدقع، على الرغم من وجود تجربة ديمقراطية منذ عام 1991، فمتوسط معدل النمو الاقتصادي المعلن في هذا البلد لا يتجاوز 3.1% سنويًّا خلال الفترة 1990–2002، بينما معدل الزيادة السكانية يصل إلى 2.4% سنويًّا، ومعنى ذلك أن معدل النمو المتحقق لا يصل إلى نحو نصف المعدل المطلوب وهو 7.5%، والذي يناسب معدلات الزيادة السنوية.

وإذا ما استمرت معدلات النمو الاقتصادي والزيادة السكانية على ما هي عليه، فإن الأمور سوف تصل إلى كارثة حقيقية؛ إذ من المتوقع أن يصل عدد السكان في عام 2015 لنحو 181.4 مليون نسمة.

وإذا كنا نتحدث عن متوسط معدلات -وقد يعتبرها البعض غير عادلة ولا تترجم الواقع- فإن المشهد في الشارع البنجلاديشي يصور حالة الفقر والبؤس التي يعيشها جزء كبير من الناس؛ حيث الشحاذون يملئون الطرقات، وليس هذا في المدن فقط بل في الريف أيضا.

يضاف إلى ذلك وجود عاملين وعاملات لا يرجون أجرا نظير عملهم سوى أن تتوفر لهم وجبات طعامهم اليومي والمبيت في مكان آمن، ولعل وضع العمالة البنجلاديشية في البلدان الخليجية دليل آخر على هذا؛ حيث يقبلون العمل بأجور متدنية.

ثانيا:

 تعيش بنجلاديش لسنوات طويلة تحت وطأة ممارسات فساد تجعلها تحتل المرتبة الأولى في معدلات الفساد حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية، وهو من شأنه أن يجعل القائمين على هذه التفجيرات يجدون من المبررات ما تسول لهم أنفسهم القيام بعملهم غير المسئول، فالحصول على وظائف حكومية يأتي بشق الأنفس وبعد دفع مبالغ طائلة لمن بيدهم قرار منح الوظائف الحكومية.

كما أن تقاضي الرشاوى هو مسلك معتاد في مختلف إدارات الجهاز الحكومي؛ مثل الجمارك والضرائب ومؤسسات الخدمات العامة، بل وداخل المؤسسة التعليمية التي أعلن في مرات عدة عن ممارسات فساد وغش في الاختبارات المؤهلة لدخول الجامعة لأعداد كبيرة من الطلاب.

ثالثا: 

لم تكن بنجلاديش في حاجة لوقوع هذه الانفجارات؛ إذ إنها تعاني بطبيعة الممارسات السياسية من وجود العديد من الإضرابات التي تنظمها الأحزاب السياسية، والتي تصيب الشارع بالشلل التام. وكانت التقديرات للتكلفة الاقتصادية ليوم واحد من أيام الإضرابات نحو 10 ملايين دولار، فما بالنا والأمر يمس العاصمة التجارية "مدينة شيتاجونج" التي بها الميناء، وتعتبر عصب الحياة الاقتصادية هناك.

والجدير بالذكر أن المجال الذي نجح فيه هذا البلد لاستقطاب رءوس الأموال الأجنبية هو مجال المنسوجات والملابس الجاهزة، إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة منذ يناير 2005؛ حيث ألغي نظام الحصص الذي كان يضمن لهذه الاستثمارات البقاء في الأسواق الأمريكية والأوربية.

ويزداد الأمر سوءًا إذا ما علمنا الأجر الزهيد الذي تتقاضاه الفتاة نظير عملها في مصانع الغزل والنسيج لفترة تصل إلى 12 ساعة عمل بأجر أقل من دولار يوميًّا، وحتى مع هذا الوضع السيئ لطبيعة وشروط العمل بهذه المصانع، فإن التفجيرات إذا ما عرفت طريقها إلى بنجلاديش، فلن تبقى هذه الاستثمارات الأجنبية، فكما هو معروف "رأس المال جبان".

رابعا:

 ما زالت بنجلاديش تعيش حالة بدائية في العديد من الخدمات، مثل النقل، كما لا توجد شبكات للصرف الصحي حتى في العاصمة، كما أن البشر ما يزالون يُسْتخدمون كأدوات لجر وسائل النقل، وحتى أحسن الحالات التي يعمل بها بعض الأفراد في استخدام الركشة (دراجة ذات ثلاث عجلات، بها مقعد خلفي يسع شخصين) تمثل حال الإنسان الممتهن الذي يقوم بمجهود شاق لا يتناسب مع آدميته أو مع الأجر الزهيد الذي يحصل عليه.

خامسا: 

رغم أن 41% من سكان بنجلاديش أميون، فإن ظاهرة انتشار المدارس الدينية الأهلية ملحوظة في كافة محافظات القطر، والمأساة التي تعيشها هذه المدارس أنها لا تحصل على أي دعم من قبل الحكومة، كما أن خريجيها لا يعترف بشهادتهم، ولا يعينون في وظائف حكومية. كما أن طبيعة هذا التعليم لا تجعلهم مؤهلين لسوق العمل، ولا يجدون إلا وظائف الإمامة بالمساجد أو مدرسين بذات المدارس التي تعلموا فيها، وغالبية من يدرسون في هذه المدارس هم من أبناء الفقراء؛ مما يجعل هؤلاء الخريجين من المهمشين.

ويبقى أنه لم يعد يصلح لبلد مثل بنجلاديش أن يعيش على المعونات لكي تستمر وتستقيم الحياة فيه، فلا بد من تبني نموذج تنموي يستفيد من هذا الزخم البشري، وأن تكون هناك دولة قوية يكون بإمكانها إحكام سيطرتها على موارد البلاد وتقوم بتوزيع عادل لثروتها.

ومهما نجحت بنجلاديش في إجراء انتخابات حرة، فإن ذلك لن يشفع لها في تدني مستوى معيشة أفرادها، وستظل الفئات المهمشة لديها العديد من الدوافع لتبني أعمال العنف سواء اتخذت بعدا أيدلوجيًّا أو صورًا أخرى.