الرئيسية / مقالات تحليلية / المضاربات تُنهك الاقتصاد المصري

المضاربات تُنهك الاقتصاد المصري

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 28-04-2013
  • 268
المضاربات تُنهك الاقتصاد المصري
  • المصدر: موقع الأناضول

منذ منتصف السبعينيات والاقتصاد المصري يعاني من مضاربات طالت معظم الأنشطة ، كان أبرزها ما تم على مدار العقود الخمسة الماضية، في سعر الصرف الخاص بالعملات الأجنبية ، وأحتل الدولار مقدمة العملات التى تمت المضاربة عليها بهدف دفع سعره للارتفاع المتواصل أمام الجنيه ،وأستغل المضاربون ضعفا فى الاقتصاد وتراجعا فى موارده من النقد الأجنبي لزيادة حدة المضاربة على العملة الأمريكية التى شهدت ارتفاعا فى قيمتها لم تشهده منذ 10 سنوات.

وامتدت هذه المضاربات للأراضي وبخاصة بعد اتجاه الدولة للمدن الجديدة، واتباع سياسة تخصيص الأراضي من قبل مسئولين حكوميين، وأتت البورصة في منتصف التسعينيات لتمثل مجالاً جديدًا للمضاربة، وبخاصة مع طرح شركات قطاع الأعمال العام للبيع من خلال سوق الأوراق المالية، ودخول الأجانب للاستثمار في أدوات الدين الحكومي.

والمضاربات بطبيعتها في مصر لا تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الرسمي، وبالتالي لا يمكن الوقوف على وجه الدقة على حجم الأموال التي تشملها مجالات المضاربة، إلا أن تقديرات الخبراء الاقتصاديين تتحدث عن أن حجم هذه التعاملات يقدر بنحو 30 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

الشواهد كثيرة على ممارسات المضاربات في الاقتصاد المصري، كان أبرزها تحويلات لمصريين وأجانب تمت خلال الشهور الماضية من أجل المضاربة على العملات الأجنبية فى سوق الصرف المصري، وكذلك قيام البعض بشراء الذهب بكميات كبيرة من السوق المصري بالعملات المحلية، ثم إخراجه من مصر للأسواق العربية والأجنبية، وبيعه فى هذه الاسواق للحصول على عائد البيع بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى، ثم يعود الأفراد بهذه العملات وبيعها في سعر الصرف بالسوق السوداء داخل مصر ليستفيدوا بالفارق.

وكانت تعاملات البورصة المصرية قبل الأزمة المالية العالمية التى اندلعت فى أغسطس 2008 تصل إلى نحو 2 مليار جنيه يوميًا ( 290 مليون دولار)، وهي تعاملات تفوق بكثير إمكانيات الاقتصاد المصري والشركات المقيدة بالبورصة، ولكن أرتفاع قيمة التداول كان بسبب المضاربة على أسهم الشركات، وقد برزت هذه التعاملات في العديد من الأسهم الخاصة بأحدى شركات الاتصالات، أو المجموعات المالية، أو حتى أسهم شركات قطاع الأعمال العام التي طرحت للبيع من خلال البورصة.

أسباب الظاهرة

ترجع ظاهرة المضاربة بالاقتصاد المصري إلى مجموعة عوامل، ساعدت على ازدهارها، منها ما يتعلق بالأفراد، ومنها ما يتعلق بالسياسات الحكومية الخاطئة، ومنها ما يتعلق بممارسات الفساد. وفيما يلي نتناول أسباب هذه الظاهرة.

- مع زيادة الدخول في مصر بعد اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي منتصف السبعينيات، لم تأخذ الحكومة السياسات المناسبة، لاستيعاب هذه الأموال في مشروعات صغيرة تتناسب مع طبيعة هذه الدخول، أو حتى تأسيس شركات مساهمة كبيرة تجمع هذه المدخرات، وبالتالي كانت ممارسة المضاربة هي الأنشطة الأفضل، وبخاصة أنها ذات عوائد نقدية مرتفعة.

- أيضًا كان للسياسة النقدية دور كبير في ممارسة نشاط المضاربة، فلم يتحرر سعر الصرف إلا في مطلع التسعينيات، وكان هناك إصرارا على حماية سعر الصرف من قبل السياسة النقدية حتى بعد ثورة 25 يناير، مما ساعد على إيجاد سوق سوداء للعملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار.

- وعلى الرغم من اختفاء السوق السوداء للعملة فى سوق الصرافة المصرى على مدار نحو 10سنوات قبل ثورة 25 يناير إلا أنها عادت بقوة، بعد الثورة، وبخاصة مع مطلع عام 2013، حيث انتقل البنك المركزي بشكل مفاجئ لتخفيض قيمة الجنيه المصري، مما خلق اتجاها للدولرة، وعودة الحركة النشطة للسوق السوداء في سعر العملات الأجنبية.

- ومن أخطاء السياسة النقدية في هذا المجال أيضًا الإصرار على عدم ربط سعر الفائدة على الودائع بالبنوك بمعدلات التضخم السائدة فى السوق، فظلت لفترات كبيرة معدلات التضخم – وحتى الآن - أعلى بكثير من سعر الفائدة بالبنوك، مما دفع الأفراد للاتجاه للمضاربة في المجالات المختلفة للحصول على عائد أفضل لمدخراتهم التي تتآكل بالبنوك لارتفاع معدلات التضخم.

- كما كان للفساد وغياب دولة القانون دور كبير في زيادة أنشطة المضاربة، فمثلًا الأراضي التي منحت بالمدن الجديدة لأفراد، لم تكن قواعد التخصيص الخاصة بها منضبطة مع حاجة المواطنين، كما لم يتم الالتزام بالمواعيد المحددة بعقود تخصيص هذه الأراضي، بحيث يتم سحبها من الأفراد في حالة عدم التزامهم بشروط التخصيص، فضلًا عن الإجراءات القانونية التي سهلت التلاعب في هذا المجال، مثل البيع بالعقود الابتدائية غير المسجلة والتوكيلات الشخصية.

- لم تكن هناك ضوابط يمكن مراجعتها عندما توجهت مصر للاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فلم تضع أجندة تشجع التوجه للاستثمار الإنتاجي وإقامة المشروعات، فشهد الاقتصاد المصري عبر بوابة الاستثمار الأجنبي المباشر وبرنامج الخصخصة أكبر عمليات المضاربة.

- لم تكن هناك أية ضرائب على تعاملات البورصة أو أرباحها، مما سهل الدخول في أجواء محمومة للمضاربة بالبورصة المصرية.

- كما انتقلت حمى المضاربات على الأراضي والعقارات من الدول العربية إلى مصر قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث كان سعر الأراضي يشهد ارتفاعات يومية، بصورة غير مبررة.

- وكان للتناول الإعلامي دور في شيوع المضاربات، حيث شجع الإعلام على تنامي ثقافة الربح السريع، وأصبحت صورة رجل الأعمال في الأدبيات الإعلامية، هو ذلك الرجل الذي يحقق معدلات عالية من الثراء، بأقل مجهود إن لم يكن بدون جهد، وإن كان ذلك يتم من خلال مخالفة القوانين.

- ولم يكن الفساد السياسي برئ من أسباب انتشار ظاهرة المضاربة في الاقتصاد المصري، بل يعد من أبرز أسبابها، على مدار العقود الخمسة الماضية، وقد استفاد الفاسدون من المسئولين الحكوميين، من ثغرة قانونية تسمح بإسقاط جرائم التربح من المال العام بعد مضي عدد معين من السنوات.

نتائج سلبية

تشير دراسة عالم الاقتصاد النمساوي "فردريك شنيدر" صدرت في عام 1998، والتي شملت 76 دولة، من بينها مصر، إلى أن حجم الاقتصاد الخفي في مصر بلغ نسبة 65% من الناتج المحلي الإجمالي، لتتجاوز مصر بذلك المعدلات السائدة عالميًا ما بين 15% - 35%.

 إلا أن دراسة حديثة قدرت حجم الاقتصاد الخفي في مصر خلال العقد الأول من الألفية الثالثة بمتوسط سنوي يتراوح ما بين 57 مليار جنيه و70 مليار جنيه، وبذلك تكون أقل التقديرات هي أن ما يقارب 500 مليار جنيه لم تدرج في الحسابات القومية ومصفوفة الدخل القومي، على مدار العقد الماضي، وهي أموال لا يتم سداد ضرائب عنها فضلًا عما تسببه من أضرار بالاقتصاد القومي، وشيوع ثقافة الفساد.

وفيما يلي نتناول النتائج السلبية للمضاربات على الاقتصاد المصري.

1-أدى استمرار ظاهرة المضاربة إلى ضياع فرص كبيرة على الاقتصاد المصري، من أهمها، استمرار الفجوة الاستثمارية على مستوى الاقتصاد الكلي، حيث حرم قطاع الاستثمار الحقيقي من هذه الموارد المتدفقة من القطاع العائلي، وبالتالي لم تتحسن مؤشرات أداء القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والتجارة، وتذهب التقديرات إلى أن الفجوة الاستثمارية بمصر على مدار السنوات الماضية كانت بحدود 7 % أو 8 % من الناتج المحلي الإجمالي.

2- تزايد أعداد العاطلين وزيادة معدلات الفقر، فأنشطة المضاربة بطبيعتها لا تخلق فرص عمل، ولكنها تعتمد على ممارسة المرة الواحدة، التي عادة ما يقوم بها ممارسو المضاربة، وهو لا يحتاج إلى إدارة أو محاسبة أو أية أنواع من العمالة، فيكون عائد المضاربة قاصر على صاحبها، فيحرم باقي أفراد المجتمع من دخول متزايدة، يمكن أن تعود بالنفع على باقي الأفراد.

3- ضياع حق الدولة في تحصيل الضرائب المستحقة على أموال المضاربة، فمعظم - إن لم يكن كل أنشطة المضاربة - تتم في إطار الاقتصاد غير الرسمي، فالمضاربة في الأراضي تتم عبر تنازلات عن الملكية وعقود ابتدائية، لا تخضع للمعاملة الضريبية، وكذلك التعاملات في السوق السوداء للدولار، لا يوجد بها مستندات، يمكن محاسبة العاملين فيها على أرباحهم.

4 - مثلت أيضًا أنشطة المضاربة مجالًا خصبًا لعمليات غسل الأموال، حتى وضعت مصر خلال السنوات الأولى من الألفية الثالثة على قائمة الدول التي تعاني من ظاهرة غسل الأموال، إلى أن تم رفع اسم مصر من هذه القائمة قبل نحو 10 سنوات، وكان ذلك سببًا في صدور قانون يجرم غسل الأموال، ويضع ضوابط على دخول وخروج الأموال من مصر عبر الوسائل المشروعة، مثل البنوك أو البورصة.

استراتيجية للمواجهة

واقع المضاربة في الاقتصاد المصري يدعو إلى القلق، لما يترتب عليها من مشكلات اقتصادية واجتماعية، بل ما لوحظ من وجود رباط قوي بين ممارسة أنشطة المضاربة والفساد السياسي، سواء من قبل المسئولين الحكوميين، أو السياسيين غير المنتمين لمؤسسات حكومية.

ويرتبط نهوض الاقتصاد المصري بوجود استراتيجية واضحة للحد من أنشطة المضاربة والقضاء على أسبابها، وبخاصة ما يتعلق بإصلاح السياسات الاقتصادية الحكومية، وتفعيل دولة القانون، ووضع أجندة واضحة للاستفادة من الاستثمار الأجنبي في أنشطة إنتاجية، فضلًا عن تشجيع الاستثمار المحلي للاستفادة من مدخرات المواطنين، ووجود تعامل ضريبي بفعلالضرائب التصاعدية، ووجود نظام لوسائل الدفع يمكن من خلاله معرفة الدخول الحقيقية للأفراد ومصادر الحصول عليها.