الرئيسية / مقالات تحليلية / اقتصاديات الحج في السعودية: الفرص والتحديات

اقتصاديات الحج في السعودية: الفرص والتحديات

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-07-2017
  • 128
اقتصاديات الحج في السعودية: الفرص والتحديات
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات


ثمة مجموعة من العوائد يحصل عليها الاقتصاد السعودي من خلال مواسم الحج والعمرة، فإذا كان الحج في أشهر معلومات “ذي القعدة، وذي الحجة، وشوال” فإن باقي السنة، تستقبل فيها السعودية المعتمرين، بأعداد وفيرة، حسب الإحصاءات الرسمية، وبخاصة في أشهر ربيع الأول ورجب وشعبان ورمضان. وهو ما يضمن تشغيل طوال العام لمؤسسات القطاع الخدمي في مكة والمدينة المنورة، من نقل وتحويل أموال وإعاشة، وشراء هدايا.

وفيما يلي نتناول بعض المؤشرات الخاصة بعوائد الحج على الاقتصاد السعودي.

أولاً: تطور عدد الحجيج

المصدر: الهيئة العامة للإحصاء، إحصاءات الحج 2016.

يلاحظ من البيانات التي يظهرها الرسم البياني أن أعداد الحجيج شهدت تزايدًا منذ عام 1428 وحتى 1433، فقفزت من 2.4 مليون حاج إلى 3.1 مليون حاج، أي أن الزيادة بين عامي المقارنة تبلغ نسبة 28.8%، إلا أن الأعداد بعد عام 1433 (2013)، شهدت تراجعًا ملحوظًا، وبلغت أقل معدلاتها في عام 1437 (2016) لتصل إلى 1.8 مليون حاج فقط، وبمقارنة أعداد الحجيج في عام 2016 بما كانت عليه عام 2013 نجد أن نسبة التراجع بلغت 41%.

وهذا التراجع مثير للتساؤل، هل هو رغبة من قبل السعودية بتقليص أعداد الحجيج، بعد عام 2013، بسبب تورطها في أعمال الثورات المضادة بدول الربيع العربي، أم بسبب أعمال التوسع التي تشهدها منطقة الحرم المكي والتي لم تنتهي بعد؟

من الصعب إرجاع تراجع الحجيج بسبب الأوضاع الاقتصادية، فبعد الأزمة المالية العالمية التي طالت جميع اقتصاديات العالم، اتجهت أعداد الحجيج للزيادة وليس النقص. فعدد الحجيج تراجع في عام 2009 بنحو 95 ألف حاج فقط مقارنة بما كان عليه في عام 2008، ثم اتجهت للزيادة في عام 2010 لتتجاوز معدلات السنوات الثلاث السابقة لتصل إلى 2.7 مليون حاج.

والمقارنة التي تحتاج إلى تفسير أيضًا أن التراجع في أعداد الحجيج مصاحب لتوقيت أزمة النفط في السوق العالمية، والتي أضرت بالدول النفطية، وعلى رأسها السعودية، فهل تراجع الموارد المالية للسعودية، أدى إلى تراجع استعدادها لاستقبال المزيد من الحجيج؟ أم أن توتر العلاقات السياسية للسعودية مع بعض الدول الإسلامية والعربية أدى إلى اتخاذها قرارات تؤدي إلى تحجيم أعداد الحجيج، للسيطرة على موسم الحج؟ والاحتمال الثاني هو الراجح لدينا، لأن ما توفره إيرادات الحج والعمرة للخزانة السعودية يسمح بتغطية كافة صنوف الرعاية للحج، بما فيها الإنفاق على البنية الأساسية، بل ويحقق فائض لصالح الاقتصاد السعودي بشكل عام.

ولا ينبغي أن ينظر إلى عوائد الحج من خلال حجاج الخارج، القادمين من خارج المملكة العربية السعودية، ولكن هناك أعداد لا يستهان بها تؤدي فريضة الحج من المقيمين داخل السعودية، والملاحظ أن الحجاج المقيمين من دول أخرى أكثر من الحجاج السعوديين، وهو ما يساعد على تنشيط الحياة الاقتصادية، وزيادة الإنفاق والاستهلاك للحجاج من داخل السعودية من الوافدين، فهؤلاء ينفقون أموالًا، كانت أمامهم فرصة لتحويلها لبلدانهم، ولكن أداء الفريضة، يجعلهم يحولون هذا الإنفاق لداخل المملكة العربية السعودية.



ثانياً: تطور عدد المعتمرين:



المصدر: الهيئة العامة للإحصاء، مسح العمرة 2016.

حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية فإن عدد المعتمرين من خارج المملكة بلغ نحو 6.1 مليون معتمر خلال الفترة من صفر – رمضان من عام 1437، بينما وصل عدد المعتمرين خلال نفس الفترة من الداخل السعودي 12.7 مليون معتمر، يشكل غير السعوديين السواد الأعظم من المعتمرين.

وتضمن شعيرة العمرة استمرار التدفق السياحي للسعودية طوال العام، وهو ما يمثل أحد أسباب الرواج الاقتصادي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبخاصة في قطاع الخدمات.


ثالثاً: مساهمة الحج في الناتج المحلي السعودي

حسب البيانات الرسمية للهيئة العامة للإحصاء، فإن مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي السعودي تصل إلى نسبة 3.5%، وبما يعادل 85.5 مليار ريال (22.8 مليار دولار) سنويًا، كما يوفر قطاع السياحة فرص عمل تقدر بـ 882.9 ألف فرصة عمل، وبما يمثل نسبة 7.7% من إجمالي العاملين بالمملكة، ويستحوذ السعوديون على نسبة 27.8% من إجمالي فرص العمل بقطاع السياحة.

وإذا كانت الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الحج والعمرة يشكلان نسبة تقترب من 60% من الإيرادات السياحية السعودية، أي قرابة 14 مليار دولار سنويًا، فإن هذا الرقم يعاد تدويره داخل الاقتصاد السعودي ويعمل على إنعاش العديد من مؤسسات قطاع الخدمات في السعودية بشكل عام، وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل خاص. فهذه الأموال تُعد عائدًا سنويًا على استثمارات في قطاع الإسكان، والغذاء، وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل، والخدمات المالية، بما يعني أن مضاعف العائد من الإيرادات السنوية للحج والعمرة على الاقتصاد السعودي أضعاف هذا المبلغ.

وثمة إيرادات أخرى قد لا تتضمنها الإحصاءات الرسمية السعودية، وهي تلك التي تتعلق بالحصول على تأشيرات الحج والعمرة، وهي رسوم مرتفعة، فعلى سبيل المثال تقوم القنصليات السعودية في كافة دول العالم بتحصيل ما يقرب من 60 دولار عن تأشيرة كل معتمر، ونحو 3000 دولار عن كل تأشيرة حج. وهو ما يعني أن تأشيرات العمرة لنحو 6 مليون معتمر سنويًا يدر دخلًا بنحو 360 مليون دولار للخزانة السعودية، أما تأشيرات الحج فتجلب للخزانة السعودية نحو 6 مليارات دولار على أساس متوسط 3000 دولار عن كل تأشيرة لنحو 2 مليون حاج سنويًا. إلا أن القرارات الأخيرة الصادرة من السلطات السعودية نظمت أعمال العمرة ليسمح للمسلم بعمرة واحدة في العام وفي حالة تكراره للعمرة في نفس العام يغرم عن كل عمرة بنحو 2000 ريال.

أيضًا هناك وظائف خاصة بشعيرة الحج تعد حكرًا على المواطنين السعوديين، وهي وظيفة المطوف، وهي وظيفة ضرورية، لأن القائم بها بمثابة مرشد للحجيج لمعرفة أماكن أداء الشعائر فضلًا عن التوجيه الشرعي لكي يودي الحاج الشعيرة بطريقة سليمة، ولكن الواقع أن الحجيج يدفع رسوم لهذه الخدمة دون مقابل، فقد لا يرى الحاج المطوف الخاص به طيلة رحلة الحج، ويدفع الحاج رسوم للمطوف تصل إلى قرابة 3000 ريال سعودي. وقد يكون المطوف غير مؤهل للقيام بهذه المهمة، مما يجعلنا نذهب إلى أن السلطات السعودية تسترضي بعض مواطنيها بهذه الوظائف، في إطار ما يعرف “العطاء مقابل الولاء”.



رابعاً: فرص الاقتصاد السعودي من الحج والعمرة

لا ينبغي أن ينظر إلى المنافع الاقتصادية للحج والعمرة باعتبارها قاصرة على السعودية، ولكن هي منافع تشمل كافة الدول الإسلامية، فالحج والعمرة شعائر تخص الأمة -ولا يفهم من ذلك تبني الدعوة الخاصة بتدويل الأماكن المقدسة في مكة والمدينة-والمسلمون شركاء في تلك المنافع، وبإمكان السعودية أن تستفيد من عدة فرص تتيحها اقتصاديات الحج والعمرة، منها:

1ـ الترتيب مع الدول الإسلامية التي لديها ثروات طبيعية في مجالات الغذاء والثروة الحيوانية، بما يمكن من استيراد احتياجات الحج والعمرة من تلك الدول للسعودية، وبذلك تعمل السعودية على توطيد علاقاتها بالدول الإسلامية، ويضمن استثمار طويل الأجل، حيث إن الحج والعمرة باقية ما بقيت السماوات والأرض، ويعضد ذلك مكانة السعودية لدى الدول المستفيدة من التصدير على الصعيد الغذائي والحيواني. بل يكون ذلك فرصة لاستثمار الأموال السعودية فيما يفيد الشعوب الإسلامية، بدلًا من إهدارها في البورصات والبنوك الغربية والأمريكية.

2ـ تتيح شعيرة الحج لحكومة السعودية فرصة كبيرة من خلال لحوم الأضاحي، وهذا الإنفاق يتحمله الحاج، وتذهب الحكومة السعودية للتحصيل النقدي، الذي يفضله غالبية الحجيج، مما يتيح للحكومة السعودية فرص تشجيع الدول الإسلامية التي لديها مقومات الاستثمار في الثروة الحيوانية، فضلًا عن أن الحكومة السعودية تقدم جزءًا كبيرًا من هذه اللحوم للبلدان المسلمة الفقيرة، على أنه منحة سعودية، وهي غير ذلك، فهي منحة من عموم الحجيج. وتوفير الهدي من الأضاحي لنحو 2 مليون حاج، وحري بأن يكون مجالًا للتعاون الاقتصادي الإسلامي. يستلزم فتح العديد من المجالات مثل المراعي، والرعاية الطبية للحيوانات التي تذبح، وكذلك وسائل النقل من وإلى السعودية، وإقامة المجازر، والتعليب والتغليف.

3ـ الترتيب مع الدول الإسلامية الصناعية، التي بإمكانها توفير احتياجات الحجاج والمعتمرين من سلع مصنعة، بدلًا من استيراد هذه السلع من دول غير إسلامية، وهي سلع تقليدية ولا تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة، أو معقدة. ووجود مثل هذه الاتفاقيات من شأنه أن يعلي من القيمة المضافة للدول الصناعية الإسلامية، حتى ولو كانت تلك الاحتياجات ذات طابع تكنولوجي متقدم، فيمكن لبعض البلدان الإسلامية القيام بذلك مثل ماليزيا واندونيسيا، ومؤخرًا تركيا.

4ـ في ظل ما يعيشه الاقتصاد العالمي من حرية لانتقال رؤوس الأموال والسلع، ينبغي أن يتضمن الحج وبعض مواسم العمرة التي تتسم بزيادة الأعداد، تنظيم عدة مؤتمرات على هامش هذه المناسبات لرجال الأعمال والمستثمرين، بل ولشركات تبحث عن تمويل عبر مدخرات المسلمين، بحيث تكون أجندة عمل هذه المؤتمرات العمل على تلبية احتياجات العالم الإسلامي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وأن يكون المكان الذي انطلقت منه هذه الأعمال باعث على ضبط الأداء، وحسن التوجه.



خامساً: التحديات

1ـ ثمة إشارات ودراسات سبقت في مجال استفادة السعودية من اقتصاديات الحج، ومشاركتها للدول الإسلامية في تلك المنافع، ولكن الطابع الريعي للنشاط الاقتصادي السعودي، يدفع إلى المكسب السريع والسهل، عبر إبرام الاتفاقيات مع دول غير إسلامية، نظرًا لرخص ثمنها، بما يجعل الدول الأخرى لا يمكنها منافسة منتجات هذه الدول.

2ـ تستلزم إدارة الحج إعادة النظر من قبل السلطات السعودية، لتقديم خدمات أفضل للحجيج والمعتمرين، داخل المملكة من حيث السكان والإقامة، وباقي الخدمات التي يحتاج إليها ضيوف الرحمن، حيث يستغل البعض الزحام ويغالي في أسعار الخدمات. بل ثمة تقصير في توفير عوامل الأمن لضيوف الرحمن، حيث تتكرر حوادث الحريق، أو القتل من التزاحم في أماكن معينة لأداء شعائر الحج، كما أن أعمال التوسعة التي تتم في الحرم الشريف نتج عن الإهمال بها تعرض بعض الحجاج للموت نتيجة سقوط رافعة فوق رؤوس الحجاج في الأعوام القليلة الماضية.

3ـ ثمة شبهات وممارسات فساد تتم من قبل القنصليات السعودية في منح تأشيرات الحج والعمرة، في إطار الترويج الإعلامي والسياسي للمملكة، مما يفقد الشعيرة الهدف منها. فتخصيص شركات أو مؤسسات أو أفراد بعينهم لتوزيع تأشيرات الحج والعمرة في بعض البلدان الإسلامية، يحمل دلالات فساد لا تليق بقداسة الشعيرة، ولا بما تفرضه خدمة الحرمين الشريفين من أخلاق، تحث على الصدق والشفافية والمساواة.

 

ختاماً:

يمكن القول أنه في إطار المعطيات الاقتصادية، فقد أنعم الله على شبه الجزيرة العربية بوجود الحرمين الشريفين، وأن ما يدفعه الحجيج والمعتمرين في كل عام كفيل بتغطية كافة نفقات خدمة الأماكن المقدسة، فضلًا عن عوائد مالية واقتصادية لصالح الاقتصاد السعودي، وعلى الحكومة السعودية أن تحسن توظيف هذه الموارد الاقتصادية والمالية الناتجة عن أداء الحج والعمرة، لما تتمتع به من ديمومة، وكذلك تفرد المنطقة بوجود الحرمين الشريفين (1).