الرئيسية / مقالات تحليلية / ارتفاع أسعار النفط وسيناريوهات التوازن المالي لدول الخليج

ارتفاع أسعار النفط وسيناريوهات التوازن المالي لدول الخليج

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 19-05-2018
  • 117
ارتفاع أسعار النفط وسيناريوهات التوازن المالي لدول الخليج
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

لا يزال النفط يمثل عصب اقتصاد الدول الخليجية، وثمة انتعاشة تشهدها أسواق النفط العالمية على مدار الأيام الماضية، حيث تجاوز سعر برميل النفط 76.7 دولار لخام برنت، و70.4 دولار للخام الأمريكي، وإن كانت الأسعار هبطت من 78 دولار للبرميل خام برنت و71.8 دولار للخام الأمريكي، نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، إلا أن الأسعار أفضل بشكل عما كان عليه الوضع بمارس 2018، حيث كانت الأسعار دون الـ 70 دولار للبرميل.

ويفتح هذا الأداء لسوق النفط التوقعات لتحسن عوائد النفط لدول الخليج، وما يترتب على ذلك من قراءات جديدة للوضع المالي المتأزم للميزانيات الخليجية، فمع نهاية عام 2017، كانت توقعات صندوق النقد الدولي مختلفة بشأن نقطة التعادل بميزانيات دول الخليج.

كانت البحرين أعلى التقديرات حيث تتطلب ميزانيتها سعر 95.2 دولار لبرميل النفط لتصل إلى نقطة التعادل، بينما يتطلب الأمر في سلطنة عمان 76.3 دولار للبرميل، وفي السعودية 70 دولار للبرميل، وفي الإمارات 61.7 دولار للبرميل، وفي قطر 47.2 دولار للبرميل، والكويت 47.1 دولار للبرميل.

وبالأداء الحالي لأسعار النفط بالسوق الدولية، تستطيع الدول الخليجية باستثناء البحرين، أن تحقق نقطة التعادل بميزانياتها، أي تساوي الإيرادات مع النفقات، وعدم وجود عجز أو فائض. وإن كان هذا المستوى المقبول من أسعار النفط قد تحقق بعد مضي الثلث الأول من 2018، إلا أن استمرار الأسعار على ما هي عليه، أو وجود تحسن طفيف من شأنه أن يسفر عن تجاوز العجز المالي الحالي في جّل ميزانيات الخليج.

والجدير بالذكر أن منظمة أوبك كانت قد توقعت أن تتجاوز أسواق النفط محنتها بحلول عام 2020، ولعل السوق حاليًا بأدائه المشاهد نحو صعود أسعار النفط، قد يهيئ الاقتصاد العالمي لعودة الأسعار عند سقف 100 دولار للبرميل، ويلاحظ أن أوبك وحلفائها الخارجيين استطاعوا أن ينجحوا في تنفيذ قرار تخفيض سقف الإنتاج على الرغم من البيانات النفطية الأمريكية المربكة لأوبك.  

وبلا شك أن قرار أوبك بتخفيض سقف الإنتاج، حافظ على عدم انهيار أسعار، ولكن ارتفاع الأسعار لتتجاوز سقف الـ 70 دولار للبرميل، يرجع لعوامل أخرى، منها مخاوف استمرار الإمدادات في ظل حالة التوتر بمنطقة الشرق الأوسط، وتنفيذ الضربة الثلاثية على سورية، وكذلك قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

وعلى أية حال، فإن التحسن في أداء سوق النفط، وانعكاساته على الوضع المالي لدول الخليج، يجعلنا مطالبين بالإجابة على مجموعة من الأسئلة المهمة، بشأن إمكانية تحقيق السيناريوهات الآتية:

أولاً: سيناريو تراجع العجز المالي بموازنات الخليج

ثانياً: سيناريو إرجاء دول الخليج لبرامج التقشف

ثالثاً: سيناريو توقف دول الخليج برامج الاقتراض من الخارج

ملامح السيناريو الأول، تحققت بالفعل في حالة الإمارات، بعد أن تجاوزت الأسعار حاجز الـ 60 دولار، ولذلك ميزانية الإمارات 2018 بلا عجز أو فائض، إلا أن كل من قطر والكويت اختلف لديهما الوضع، على الرغم من تجاوز أسعار النفط نقاط التعادل بميزانياتهما، وذلك نتيجة التداعيات السلبية لأزمة الخليج بحصار دولة قطر، وما ترتب عليها من إنفاق استثنائي لشراء الأسلحة، وإبرام اتفاقيات استثماراية وتجارية في إطار الاسترضاء الإقليمي والدولي.

أما عن الوضع في السعودية، فلن يؤدي تحسن أوضاع النفط إلى تراجع العجز المالي، وذلك لطبيعة التوسع الاقتصادي الخارجي للسعودية بمشروعات كبرى، واتفاقيات على مشروعات مشتركة، فضلًا عن النزاع في اليمن، الذي أصبح يستنزف الاقتصاد السعودي بمعدلات لم تكن في الحسبان، فثمة مواقع استراتيجية أصبحت تحت تهديد صواريخ الحوثيين، مما يجعل السعودية مستمرة في زيادة الإنفاق العسكري بمعدلات أكبر مما هي عليه، ولعل برنامج الإصدار السادس من الصكوك والسندات السعودية المحلية والخارجية يفسر ذلك.  

وثمة تهديد مستمر من قبل ترامب تجاه دول الخليج بدفع فاتورة حمايتها، حيث أعاد ترامب نفس المطلب أثناء مؤتمره الصحفي خلال زيارة الرئيس الفرنسي لأمريكا مؤخرًا، بتصريحه بأن بلاده أنفقت 7 تريليونات دولار لحماية بلدان ثرية في الشرق الأوسط، وعلى هذه البلدان أن تتكفل بما أنفق على حمايتها.

وبلا شك، هذا التصريح لن يكون في الفراغ، بل سيفعل في ضوء ما حققه ترامب من مكاسب مالية واقتصادية مع الدول الأبرز للأزمة الخليجية (السعودية وقطر)، وفي ضوء هذه النتيجة ستدفع دول الخليج فاتورة حمايتها بشكل مباشر أو غير مباشر لأمريكا، مما يجعلها في حالة عجز مستمر بميزانياتها.

لا تراجع عن التقشف

دخول دول الخليج في برامج الاستدانة الخارجية، والتعاون مع صندوق النقد الدولي، الذي لا تراعي برامجه خصوصية الوضع الخليجي، ستجبر دول الخليج على الاستمرار في تحرير السلع والخدمات، والدخول في تفعيل منظومة الضرائب بشكل أكبر، بحجة تنوع مصادر الدخل للدولة، وتقليص أعداد العاملين بالقطاع الحكومي، وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص.

وما سيتم توفيره من برامج التقشف، وكذلك التدفقات الجديدة لتحسين أسعار النفط، سوف تبتلعها المشروعات الكبيرة التي تبنتها دولة مثل السعودية، والتي تمثل أكبر اقتصاد من بين دول الخليج، وكذلك المشروعات في باقي دول الخليج. كما يتم الاعداد لمشروعات الخصخصة بشكل متسارع في كل من السعودية والكويت، والتي ستفتح بابًا جديدًا لزيادة التدفقات المالية لخارج دول الخليج كعوائد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة بهذه البلدان، لتصبح مكونًا إضافيًا في أعباء ميزان المدفوعات بجوار تحويلات العاملين الأجانب.

وهذه الملامح تجعلنا نستبعد سيناريو إرجاء برامج التقشف، بل قد تشهد السنوات القادمة، المزيد من تفعيل هذه البرامج.

استمرار برامج الاقتراض

لقد تغيرات طبيعة الوضع المالي في دول الخليج، عما كانت عليه إبان بدء أزمة انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014، فلم تكن هناك حرب اليمن، ولم تكن هناك أزمة الحصار على دولة قطر، وكانت الحسابات الإقليمية في وضع أفضل مما هي عليه الأن من صراع مفتوح لا تعرف له نهاية.

والجديد هذه المرة، أن السياسيات المالية لدول الخليج، اعتمدت الديون كأحد أدواتها لإدارة الميزانيات، وبخاصة ان معظم أدوات الدين الخارجي طويلة الأجل، وبأسعار فائدة مقبولة، مما قد يساعد صانع السياسة المالية على استمرار الاستدانة، أو على الأقل المحافظة على الوضع الحالي من الديون، باعتبارها لا زالت في إطار الحدود الآمنة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، باستثناء البحرين، التي يعتبر وضعها المالي يتجه نحو الاوضاع الأكثر سلبية بسرعة، ففي عام 2019، ستكون الديون الخارجي للبحرين قد تجاوزت نسبة 90% من ناتجها المحلي الإجمالي.

تبقى هذه السيناريوهات أسيرة تحسن سعر النفط، وعدم تدهور الاوضاع الإقليمية، وكذلك زوال السُحب القاتمة بمناخ الاقتصاد العالمي، والمتمثلة في ثلاثة قضايا كما وصفتها لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي، وهي الحمائية التجارية، وزيادة أسعار الفائدة، وزيادة الديون الخارجية للدول النامية، فزوال هذه الغيوم القاتمة، سوف يساعد بلا شك على زيادة الطلب العالمي على النفط، وبالتالي استمرار ظاهرة تحسن الأسعار.

أما إذا حدث عكس ذلك على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فاقتصاد دول الخليج ينتظر المزيد من التراجع المالي والاقتصادي، وسيبقى التحدي الرئيس لدول الخليج نجاحها في تنفيذ مشروع تنموي حقيقي يمكنها من تجاوز عقدة النفط.