من الألغاز في حياة المصريين بعد الثورة ملف الصناديق الخاصة التي لا يُعلم عددها على وجه التحديد ولا المبالغ المتاحة فيها.
ومن هنا تتعلق بها كثير من الآمال حيث توجد رغبة كبيرة لدى المصريين بأن تضم أموال هذه الصناديق إلى الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز مزمن، في حين أن أموال الكثير من هذه الصناديق بعيدة عن رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومع مناقشة مجلس الشورى الأسبوع الماضي لملف الصناديق الخاصة، أشارت مندوبة الجهاز المركزي للمحاسبات إلى استخدام وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين أموال الصناديق الخاصة في توصيل خط مياه إلى فيلاته بمحافظة القليوبية بتكلفة 85 ألف جنيه مصري، وهو ما دعا مجلس الشورى إلى تحويل هذه الواقعة للنيابة للتحقيق واتخاذ الإجراء القانوني المناسب.
ويطالب الخبراء بضرورة مراجعة البرلمان لكامل تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن هذه الصناديق، وسوف يجد آلاف الحالات المشابهة لواقعة وزير الاستثمار السابق.
كما يرون أن الحل الأمثل هو ضم هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة وسد باب الفساد.
وقد أوصى تقرير مجلس الشورى في نهاية تقريره عن الصناديق الخاصة بضرورة حصر الصناديق والحسابات الخاصة المنشأة خارج الموازنة، التي تفتقر إلى السند القانوني المنشأ لها وتصفية حساباتها وترحيلها للموازنة العامة للدولة.
ويذهب عميد كلية تجارة قناة السويس إلى أن هذه الصناديق تمثل الباب الواسع للفساد في عهد مبارك، وأنها كانت تستخدم لشراء الذمم والولاء للنظام، ولذلك حرصوا على بقائها خارج نطاق الرقابة.
ويرى حامد مرسي أن دور هذه الصناديق خلال الفترة المقبلة سيكون بالدرجة الأولى تخفيف حدة العجز بالموازنة العامة للدولة، والذي يقدر بنحو 140 مليار جنيه، في حين أن إيرادات الصناديق الخاصة تقدر بنحو مائة مليار بالسنة.
ومع ترشيد بعض نفقات دعم الطاقة يمكن لمصر أن تقضي على العجز بالموازنة العامة.
ويضيف مرسي أن تخفيف العجز بالموازنة من شأنه أن يحسن من توظيف موارد الدولة لخدمة الفقراء في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
ويضرب مثالا بإمكانية تحسين رواتب المدرسين وتعيين مائة ألف مدرس جديد من خلال هذه الإيرادات الخاصة بالصناديق.
وبسؤاله عن إمكانية عمل هذه الصناديق بعيدًا عن الموازنة لتمكين نظام اللامركزية، أجاب بأن وجود هذه الصناديق مخالف لقواعد العمل بالموازنة العامة للدولة، وأن التجربة أثبتت أنها كانت أكبر باب للفساد بمصر، وإغلاقها يؤدي إلى منع وقوع الفساد، وتحسين الوضع المالي للموازنة العامة للدولة.
ويتفق الخبير الاقتصادي رضا عبسى مع مرسي في ضرورة ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة.
"
الإيرادات السنوية للصناديق الخاصة في مصر تصل إلى مائة مليار جنيه، أي ما يعادل نحو 20% من حجم الإنفاق العام في موازنة العام المالي 2011/2012
"
وصرح للجزيرة نت بأن ضم هذه الصناديق للموازنة لم يعد خيارًا بل هو إلزام، حيث إن قواعد الشفافية ومعاييرها الموضوعة من قبل صندوق النقد الدولي لا تسمح بالإنفاق خارج الموازنة إلا في حدود نسبة 2% من حجم الإنفاق العام، بينما الإيرادات السنوية للصناديق الخاصة تصل إلى مائة مليار جنيه، أي ما يعادل نحو 20% من حجم الإنفاق العام في موازنة العام المالي 2011/2012.
ويوضح عبسى بأن المخالفة في حالة مصر ليس فقط في وجود إنفاق خارج الموازنة، بل ووجود حجب لإيرادات عامة عن الموازنة، وهو ما يعد مخالفة لقاعدة عمومية الإيرادات والمصروفات للموازنة العامة للدولة.
ويرى أن الاقتصاد في حاجة ماسة لأموال هذه الصناديق، لكي يغلق باب الفساد في كافة أروقة الجهاز الإداري للدولة وماراثون المرتبات المليونية، وحتى يمكن تخفيف حدة العجز بالموازنة، والخروج من الدائرة المغلقة للعجز والدين وخدمة الدين. وأيضًا يُمكن صانع القرار من حسن توظيف موارد الموازنة العامة لتلبية متطلبات الخدمات العامة بالتعليم والصحة ودعم السلع الأساسية للفقراء.