منذ نجاح ثورة 25 يناير، ينتظر المصريون في مطلع كل شهر بيانا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، مفاده انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بمعدل ملياري دولار، حتى وصل هذا الاحتياطي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 22 مليار دولار، بعد أن كان 36 مليار دولار نهاية ديسمبر/كانون الأول 2010.
لكن المثير للقلق ما أعلنه مسؤول الشؤون المالية بالقوات المسلحة المصرية، محمد نصر مطلع الشهر الجاري أن الاحتياطي سوف يبلغ في أول الشهر القادم 15 مليار دولار، وأن هناك التزامات أخرى على مصر بنحو خمسة مليارات دولار، وهو ما يعني وصول الاحتياطي إلى عشرة مليارات دولار أي ما يغطي احتياجات مصر من الواردات لثلاثة أشهر فقط. والمتعارف عليه ألا يقل الاحتياطي عن تغطية قيمة الواردات لمدة ستة أشهر.
وأوضح نصر أن هذا الوضع سوف يزيد العجز بالموازنة العامة لمصر عن ما كان متوقعا، كما سيدفع هذا الوضع لإعادة النظر في الدعم الذي تقدمه الدولة للبنزين وإعانات أخرى.
الوضع يشوبه الكثير من الضبابية، لكن فيه جزءا من الحقيقة التي تتعلق بتراجع احتياطي النقد الأجنبي.
وكانت الشفافية تقتضي من وزراء ما بعد الثورة أن يعرضوا حقيقة الوضع الاقتصادي على المجتمع، وأن يوضحوا طريقة التعامل معه، هذه وجهة نظر الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، التي عبر عنها للجزيرة نت.
وأضاف أن الهدف من هذه الزوبعة بشأن انخفاض احتياطي النقد الأجنبي هو إلغاء الدعم.
ويصف عبد الخالق الحديث عن تراجع النقد الأجنبي بأنه خطاب تخويفي للشعب حتى يرضى عن أي أداء وتنتهي مطالبه الثورية بالوصول لحلول جذرية حتى تنهض مصر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
وبسؤاله عن طريقة مواجهة مشكلة انخفاض احتياطي النقد الأجنبي أجاب بأنه ينبغي أن تكون هناك حزمة من السياسات الاقتصادية التي تأخذ في الحسبان عدم تقديس السياسات الاقتصادية المرتبطة بآليات اقتصاد السوق ولو لفترة عبور الأزمة، كذلك إعادة النظر في السياسات المتعلقة بالتحالفات الاقتصادية بمجال التصدير مثل اتفاقية الكويز.
يضاف إلى ذلك ضرورة ترشيد الاستيراد لتخفيف ضغوط الطلب على النقد الأجنبي على أن تكون هناك سياسات قصيرة الأجل لإعادة النظر في التركيب المحصولي بقطاع الزراعة لتشجيع الزراعات الإستراتيجية لتحل محل السلع المستوردة التي يتطلب استيرادها تدبير عملات أجنبية، وتصحيح أوضاع السياسة المالية لوقف نزيف الإنفاق في بنود الموازنة وضرورة إعادة هيكلتها ووضع حد أقصى للأجور، ومن شأن ذلك أن يخفف من ضغوط العجز بالموازنة.
حلول سريعة لمواجهة أزمة الاحتياطي الأجنبي بمصر يشير إليها الخبير المصرفي أحمد آدم تتمثل في رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك الأجنبية بمصر من 500 مليون جنيه إلى ثلاثة مليارات جنيه، ومن شأن هذا المقترح أن يدر على مصر نحو 11 مليار دولار، كما يقترح آدم منع الأجانب من الاستثمار في أذون الخزانة القصيرة الأجل وأن تكون استثماراتهم في الأوراق الحكومية مقتصرة على السندات الطويلة الأجل. كما ينبغي أن تكون استثمارات الأجانب بالبورصة المصرية بعيدة عن أسهم المضاربة.
وحسب رأي آدم فإن السبب الرئيس لأزمة احتياطي النقد الأجنبي في مصر هو خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
ويوضح آدم أن مصر تستورد سلعا غذائية بنحو ستة مليارات دولار سنويا، وهو ما يمكن تعويضه من خلال تكامل زراعي مع السودان قائم على المشاركة، ويخرج مصر من معضلة تدبير العملات الصعبة، وبخاصة أن مصر لديها الخبرات الزراعية والغنية الكافية لنجاح هذا المشروع.
وبشأن مقترح التفكير في إلغاء الدعم بسبب أزمة الاحتياطي يطالب آدم بأن يقتصر هذا الإلغاء فقط على الدعم المقدم في مجال الطاقة للصناعات كثيفة استخدام الطاقة، وألا يتم الاقتراب من صور الدعم الأخرى لارتباطها بأبعاد اجتماعية ضرورية للمجتمع المصري في الوقت الحالي.
ويشير آدم إلى ضرورة مراجعة أوضاع الصناعات الأجنبية في مصر، التي تقوم بتحويل أرباحها بمعدلات عالية للخارج في ظل تمتعها بإعفاءات ضريبية وجمركية، وبلا شك فإن هذه التحويلات تمثل أحد عوامل الضغط على الاحتياطي من خلال زيادة الطلب على الدولار.