برنامج المائة يوم
معوقات سياسية
معوقات اقتصادية واجتماعية
معوقات الجهاز الإداري
المعوقات السلوكية
برنامج المائة يوم والبرنامج الرئاسي ومشروع النهضة، مصطلحات باتت شديدة التداول على لسان رجل الشارع في مصر. وينتظر المصريون تفعيل هذه المشروعات حتى يخرجوا من ضنك المعيشة والمعدلات المرتفعة من البطالة والفقر.
ومنذ اليوم الأول لنجاح الرئيس محمد مرسي، أعلن أحد المواقع الشبابية عن ما سمي "مرسي ميتر" أي مؤشر أداء مرسي. كما أن الموقع الرسمي لأحد أكبر المؤسسات الصحفية المصرية يرصد المدى الزمني لبرنامج المائة يوم بيوم.
لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد المصري يشهد تحسنًا ملموسًا خلال الفترة الماضية والتي تسبق تولي مرسي رئاسة مصر، مثل وصول صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 650 مليون دولار خلال الشهور الستة الأولى من عام 2012، بعد أن وصل إلى صفر في فترات ماضية، وإلى 150 مليون دولار في أحسن الأحوال.
أيضًا توقف نزيف احتياطي النقد الأجنبي، وبدأ في الزيادة على مدار الشهور الثلاثة الماضية، وإن كانت معدلات الزيادة ضعيفة، كما تحسن أداء البورصة المصرية بشكل لافت للنظر منذ أداء مرسي اليمين الدستورية بتولية رئاسة الجمهورية.
"
الاقتصاد المصري شهد تحسنًا ملموسًا خلال الفترة الماضية والتي تسبق تولي مرسي رئاسة مصر، مثل وصول صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 650 مليون دولار خلال الشهور الستة الأولى من عام 2012
"
وتوجد حالة من التفاؤل لدى قطاعات المجتمع المصري بمستقبل الاقتصاد المصري. في نفس الوقت توجد هذه الروح التفاؤلية لدى المستثمرين في الخارج، ويراهنون على نظافة يد الحكومة المنتظرة في عهد مرسي.
إلا أن هناك ممارسات سلبية يأتي بعضها في ضوء ممارسات الدولة العميقة التي تحاول إعادة إنتاج النظام القديم. كما أن الثورة المضادة تجد في الممارسات الاقتصادية مجالا خصبًا لإعاقة انطلاق الاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة، مثل افتعال أزمات تمس الحياة اليومية لرجل الشارع، وعلى رأسها مواجهة أية إصلاحات في منظومة الخبز المدعم أو إسطوانات البوتغاز.
ويرصد هذا التحليل مظاهر المشكلات التي تمثل معوقات لانطلاق الاقتصاد المصري في عهد مرسي.
حالة السيولة السياسية وعدم حسم قضايا المؤسسات البرلمانية والدستور ساهم في وجود نوع من الضبابية بالمشهد السياسي الذي كان يراهن عليه البعض للاستقرار السياسي وبالتالي انطلاق الاقتصاد المصري. حتى إن المستثمرين الأجانب كانت حساباتهم بعد انتخاب البرلمان ورئيس الجمهورية أن مصر قد قطعت شوطًا مهمًا نحو الاستقرار. لكن أتت الأحكام الخاصة بحل البرلمان والسجال السياسي حول صلاحيات المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية، ليعيد المستثمرون حساباتهم ويعطل الدفع باستثمارات جديدة للسوق المصري.
كما أن الدولة العميقة تمثل أحد أكبر التحديات السياسية لانطلاق الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة بسبب أن القائمين على أمر المؤسسات الاقتصادية العامة إما أن ولاءهم لا يزال للنظام البائد ويسعون لإعادة إنتاجه، أو أنهم يرون أن مصالحهم مهددة، سواء كانت هذه المصالح مادية أو اجتماعية ومعنوية. فما كانوا يحصلون عليه من مكافآت وبدلات ومصادر مالية أخرى أصبحت مهددة في ظل الحديث عن حد أقصى للدخول.
وكذلك فإن وجودهم في المؤسسات التشريعية أو الرقابية التي كانوا يصلون إليها في إطار علاقاتهم مع نظام مبارك، من خلال قاعدة "الولاء مقابل العطاء"، أصبح غير وارد في ظل انتخابات حرة ونزيهة، ورغبة الشارع الجامحة في إزالة كل من كانت له علاقات واضحة بنظام مبارك.
وتجلى ذلك في رسوب العديد من الوزراء السابقين أو البرلمانيين من زمن مبارك في الانتخابات البرلمانية وكذلك انتخابات الرئاسة.
ومن شأن هذه المقدمات أن يعمل هؤلاء القادة في مؤسسات الدولة الاقتصادية على عرقلة المسيرة الاقتصادية أو ارتفاع تكلفة تحقيقها، وهو ما رصده البعض من تحريض هذه القيادات للعمال على الإضرابات والمظاهرات من أجل تصدير صورة سلبية للمواطن عن الثورة من جانب، وإنهاك الموازنة العامة للدولة من جانب آخر من خلال مطالبة العاملين بزيادات في الرواتب والحوافز والمكافآت.
اتخذ القطاع الخاص المصري موقفا هجوميا تجاه اختيار مرسي رئيسا لمصر. فالبعض انحاز بشكل واضح لمنافس مرسي في جولة الإعادة والبعض الآخر اختار أن يمسك العصا من المنتصف. إلا أنهم أجمعوا بعد فوز مرسي بالرئاسة على رفع سقف مطالبهم وتصدير مجموعة من المشكلات الخاصة بأنشطتهم الاقتصادية وقضايا العمال، وكأن الحكومة الجديدة تملك عصا سحرية لحل هذه المشكلات.
والواضح أن القطاع الخاص تعامل مع الوضع على أنه حقوق بلا واجبات، مستخدما عصا العمال وتسريحهم في وجه أية جهة تحاول فتح ملفاتهم أو الاقتراب من المزايا القانونية أو غير القانونية التي حصلوا عليهم في ظل عهد المخلوع حسني مبارك.
وثمة تصريحات سلبية لا تعكس الحقيقية يتم إطلاقها عبر قادة منظمات الأعمال مثل توقف التصدير أو الاستيراد إلى بلدان معينة بسبب الأحوال السياسية، على الرغم من أن بيانات الميزان التجاري لمصر تظهر عكس ذلك من وجود حركة تجارية متزايدة مع العالم الخارجي تصديرا واستيرادا، وهو ما يعني أن هدف هذه التصريحات الفت في عضد المجتمع وتوصيل رسالة مفادها أن الحياة الاقتصادية مهددة بالخطر في عهد مرسي.
ثمة مجموعة كبيرة من المؤسسات الحكومية اتجهت إلى تعيين موظفين كانوا يعملون بعقود مؤقتة كمستشارين، ولم يكونوا مؤهلين لهذه الوظائف، إلا لكونهم من رجال النظام السابق وبخاصة أولئك المحسوبين على لجنة السياسات التي كان يتزعمها جمال مبارك.
فتم تعيين هؤلاء في وظائف دائمة وترقيتهم إداريا حتى يكونوا حجر عثرة فيما بعد أمام أي مسؤول جديد، فيكون ملزما بهم، ولا توجد فرصة أمامه لتغييرهم والمجيء بمن يساعدونه على إنجاز مهامه. وقد ظلت هذه الوظائف لفترات طويلة أو منذ نشأتها قائمة على العقود المؤقتة حتى تكون هناك فسحة لمن يتولى المسؤولية لأن يأتي بفريق عمله.
"
تأخر الرئيس مرسي في تكليف وزارة جديدة يساعد في حالة الارتباك التي يعيشها المجتمع المصري بشكل عام، والاقتصاد المصري بشكل خاص "
والأخطر في هذا الجانب أن هؤلاء هم من ستؤول إليهم مسؤولية تنفيذ برامج الرئيس المتعلقة بالجانب الاقتصادي، ولن تكون لديهم الرغبة أو الدافع لنجاح المشروع الاقتصادي للرئيس مرسي.
وفي إطار مفاهيم مغلوطة يتصور بعض العاملين في أجهزة الدولة أنه ينبغي عدم تغيير وضع مؤسساتهم الإداري. فإن كانوا وزارة أو هيئة فلا بد من أن يظلوا على ما هم عليه، ويرفضون الدمج مع كيانات أخرى لتصورهم أن ذلك سوف يؤدي إلى فقدانهم بعض المزايا المادية التي يحصلون عليها. ومن شأن هذا الأمر أن يعيق تنفيذ تصور إصلاح هيكل العمل الحكومي وضغط النفقات في بعض الجهات التي تخصص لها نفقات وبدلات وحوافز مادية دون وجه حق.
أيضا لوحظ وجود حالة من التباري بين الوزراء في حكومة الجنزوري في رفع معدلات الحوافز للعاملين بالدولة دون النظر إلى ما ستتكبده الموازنة العامة للدولة من جراء هذه التصرفات، على اعتبار توريط الحكومة القادمة في الوفاء بهذه الالتزامات.
وقد خلق هذا التصرف نوعا جديدا من الصراعات والإضرابات بين العاملين بمؤسسات الدولة، لشعور العاملين بأنه حان الوقت لإزالة كافة الفوارق بين العاملين بالدولة، حتى وإن كانت دخولهم مميزة فهم يتظاهرون أو يضربون لمجرد أن غيرهم حصل على حافز لم يحصلوا عليه.
من الملاحظ في الشارع وجود مبالغات في ممارسات البعض سواء في مخالفات تعليمات المرور أو التعامل مع الخدمات العامة، مثل الحصول على الكهرباء من قبل الباعة الجائلين بصورة غير قانونية، أو الوقوف في نهر الطريق، بل وصل الأمر في كثير من المناطق إلى التعامل مع الطريق الدائري كمكان لإلقاء مخلفات البناء. ويرجع هذا إلى تراخي الأجهزة الأمنية ومسؤولي الإدارة المحلية.
وتمثل بعض وسائل الإعلام أحد المظاهر السلبية السلوكية، فهي تتابع برنامج المائة يوم أو البرنامج الرئاسي على أنه تحد لا بد أن يرسب فيه الرئيس الجديد، بدلا من حفز المجتمع للتعاون في نجاح البرنامج، وهو ما أدى إلى غياب الحافز الذاتي لدى الأفراد بأن لديهم مهمة قومية عليهم أن يشاركوا فيها.
فمثلًا حينما ترتفع مؤشرات أداء البورصة لا تذكر وسائل الإعلام أو تحليلات المتخصصين الأثر الإيجابي للممارسات السياسية للرئيس مرسي سواء في الداخل أو الخارج، ويتم الحديث عن زيادة تعاملات المصريين أو الأجانب. أما في حالات هبوط مؤشرات البورصة، وإن كان سببها عمليات جني الأرباح، فإن أول التحليلات تكون أن قرارات مرسي هي السبب في هذا الهبوط. ولكن على الجانب الآخر توجد حملات ومبادرات شبابية من مختلف القوى السياسية تدعو للتفاعل الإيجابي لدفع عجلة الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة.
تبقى الإشارة إلى أن تأخر الرئيس مرسي في تكليف وزارة جديدة يساعد في حالة الارتباك التي يعيشها المجتمع المصري بشكل عام، والاقتصاد المصري بشكل خاص، ويتوقع أن يكون للحكومة الجديدة دور كبير في إزالة العديد من المشكلات المفتعلة لوقف انطلاق الاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة.