تحسّن أداء الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول العربية في عام 2018 ليصل إلى 2.6 تريليون دولار بالأسعار الجارية، مقارنة بنحو 2.4 تريليون دولار في عام 2017، وفق بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2019، الصادر مؤخرًا، وإن كانت هذه الزيادة مرتبطة بشكل كبير بالنفط، الذي شهد تحسنًا ملحوظًا في أسعاره مقارنة بأسعار 2016 و2017.
ومع ذلك، لوحظ أن قيمة المعونات العربية الإنمائية تراجعت من حيث القيمة في 2018 إلى 13.9 مليار دولار، مقابل 19.6 مليار دولار في 2017، بنسبة تراجع 29% بين عامي 2017 و2018.
وتأتي أهمية هذه المعونات للدول المستفيدة منها، من حالة التشاؤم التي سادت الاقتصاد العالمي في 2018، ومخاوف تتعلق بحرب تجارية ناتجة عن صراع أميركا مع اقتصاديات كبرى على رأسها الصين، وكذلك حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تسود أغلب الدول المستفيدة من المعونات العربية، وكذلك الحال بالنسبة للدول العربية المانحة.
ومن جانب آخر، فإن الأوضاع الاقتصادية في دول الخليج ما زالت تعاني من أزمة مالية، وحالة من الركود، انعكست على معدلات أدائها في النمو الاقتصادي، لعدة أسباب، منها: تذبذب أسعار النفط في السوق الدولية، وعدم تحسّنها بالصورة التي تخرج موازنات دول الخليج من أزمتها المالية، حيث لجأت غالبية دول الخليج إلى إصدار سندات دولية لتمويل عجز الموازنة.
من جانب آخر، فإن تورط السعودية والإمارات في ملفات إقليمية، خاصة في الحروب المفتوحة في اليمن وليبيا، يفتح بابًا كبيرًا لاستنزاف الثروات بهما، ويؤثر على مواردهما المالية، سواء للوفاء بالتزاماتهما الداخلية، أو استمرارهما في تقديم المعونات الإنمائية لباقي دول العالم.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد، فإن الدول العربية المانحة للمعونات باتت تقتصر على دول الخليج، باستثناء البحرين، حيث إنها تعد واحدة من الدول المتلقية للمعونات، خاصة بعد أزمة انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014.
كما فقدت المعونات العربية واحدة من أهم سماتها، مع تصاعد الدور السياسي الخارجي للدول المانحة، وتوظيف المال الخليجي في إطار الأجندات الخارجية لبعض دوله، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، التي تفجرت بنهاية عام 2010.
وكانت المعونات العربية قبل ذلك غير مشروطة إلى حد ما، ولم يكن لها أهداف ترتبط بمشروعات سياسية.
وتذهب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن المعونات العربية التراكمية على مستوى العالم، بلغت 218 مليار دولار، وهي موزعة على عدة مناطق في العالم، على رأسها المنطقة العربية التي استحوذت على 115.3 مليار دولار من المعونات، وبنسبة 52.8%، تليها الدول الآسيوية التي حصلت على 56.3 مليار دولار من المعونات العربية وبنسبة 25.8%، ثم الدول الأفريقية غير العربية التي حصلت على 37.2 مليار دولار وبنسبة 17%.
وفي المرتبة الأخيرة تأتي مجموعة دول أميركا اللاتينية التي حصلت على 4.3 مليارات دولار، وبنسبة 2% من مجموعة المعونات العربية الإنمائية المتراكمة، من عام 1990 - 2018.
يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2019، إلى أن مصر استحوذت على 2.1 مليار دولار في عام 2018، من إجمالي المعونات العربية الإنمائية، ما يعادل نسبة 15.1% من إجمالي المعونات العربية حول العالم، بينما بلغت حصة مصر من إجمالي ما حصلت عليه مجموعة الدول العربية من هذه المعونات نسبة 28.7%.
وطبيعي أن تتصدر مصر قائمة الدول العربية، بل وكل الدول المتلقية للمعونات العربية على مستوى العالم، بسبب التحالف السياسي الذي يجمعها مع السعودية والإمارات، فهم حلفاء في العديد من الملفات الإقليمية، سواء في العلاقات القوية مع دولة الكيان الصهيوني، أو في وحدة الرؤية فيما يتعلق بالأزمة في ليبيا واليمن وسورية والعراق، فضلًا عن مواجهة تيار الإسلام السياسي الذي قاد ثورات الربيع العربي.
من جانب آخر، فإن ما يمر به الاقتصاد المصري من أزمات، وتزايد عدد السكان وما يفرضه من ضرورة توفير العديد من السلع والخدمات، جعل من مصر، حالة غير قابلة للاعتماد على الذات، أو تدبير مصادر تمويل بعيدة عن القروض والمعونات، حيث يقفز الدين العام المصري (المحلي والخارجي) بمعدلات كبيرة، ليصل إلى 366.9 مليار دولار بنهاية العام 2018، وبما يعادل نسبة 146.7% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2019.
ومما يؤسف له أنه على الرغم مما حصلت عليه مصر من معونات وقروض خارجية، بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، والذي وقع بمساعدة السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى، لم تستطع أن تحسّن من هيكل اقتصادها، ليكون اقتصادًا إنتاجيًا، بل ظل على ما هو عليه من الاعتماد على المصادر الريعية الخارجية، وقلة مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي.
يمكن استشراف مستقبل أداء المعونات الإنمائية العربية خلال الفترة القادمة، خاصة في الأجلين القصير والمتوسط، بناء على التراجع الحادث في أداء هذه المعونات في 2018، حيث كانت النسبة عالية جدًا وتقترب من 30%.
ومن المتوقع أن تشهد هذه المعونات تراجعًا أكبر مما حدث في العام 2018، بسبب تراجع الأداء الاقتصادي في دول الخليج، خاصة في السعودية، التي تقدم الجزء الأكبر من المعونات، من خلال مؤسستي البنك الإسلامي للتنمية والصندوق السعودي للتنمية، حيث قدم البنك خلال الفترة من 2016 - 2018 نحو 48.2% من المساعدات الإنمائية العربية، بينما قدم الصندوق 17.5%.
ومازالت سوق النفط تعاني من عدم الاستقرار بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بالإمدادات، أو بأسعار النفط، فالدول المستهلكة الكبرى حريصة على ألا يتجاوز سعر البرميل 65 دولارا، وحتى في ظل الأزمات الكبرى التي توقع لها البعض أن تؤدي إلى رفع أسعار النفط، وجدنا أنها تعود إلى طبيعتها خلال يوم أو يومين على الأكثر، كما حدث عقب قيام أميركا باغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، وزيادة حالة التوتر بين إيران وأميركا.
فضلًا عن أن السعودية، وفي إطار مشروعاتها الكبيرة المدرجة في رؤية 2030، تحتاج إلى تمويل ضخم، وسيؤدي ذلك إلى تراجع حصتها في تمويل المعونات الإنمائية الخارجية.
كذلك الإمارات، حيث يعيش اقتصادها حالة من الركود، خاصة في إمارة دبي، حيث تتزايد هناك أزمة قطاع العقارات والخدمات المالية والسياحية، مما سيؤدي إلى تقليص قيمة المعونات الخارجية لصالح الاحتياجات المحلية داخل الدولة.
لكن مما يتوقع في إطار استشراف مستقبل المعونات العربية، أن مصر ستظل على قائمة الدول المستفيدة من هذه المعونات، بسبب وحدة الأجندة السياسية بين مصر والدول الرئيسية المانحة بشكل كبير في العديد من الملفات الإقليمية، فضلًا عن تعهّد السعودية والإمارات بدعم الانقلاب العسكري في مصر منذ وقوعه، ولأمد طويل، لأن ذلك يدعم أجندتها حول بقاء بلدان المنطقة بعيدة عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان.