سيطرة الجيش على الكثير من مقومات النشاط الاقتصادي في مصر، على ما يبدو أنها غير كافية لإشباع رغباتهم، فيتم التوسع في مصادرة الأموال والتحفظ على الشركات والمؤسسات الاقتصادية، لكل من يشتم منه رائحة معارضة سياسية أو مخالفة في الرأي والتوجه.
وفي الوقت الذي تروج وسائل الإعلام المصرية لصدور قانون جديد للاستثمار ولائحته التنفيذية، وما يمنحه القانون من مزايا للمستثمرين الأجانب، تهرع لجنة إدارية دون وجود أحكام قضائية لتضع تحت تصرفها 19 شركة ومؤسسة اقتصادية، وحرمان أصحابها من حق التصرف في أموالهم وممتلكاتهم.
الرسالة التي يقرأها المستثمر الأجنبي، وشركات تقويم مناخ الاستثمار بمصر، أن مصر ليست دولة قانون، وأن الاستثمار معرض فيها في أي وقت لصدور قرارات إدارية بمصادرة حق التصرف في الأموال والممتلكات، وإذا كان المصريون محرمون من حقهم الذي كفله لهم الدستور والقانون من حرية التصرف في أموالهم فما بالنا بالمستثمرين الأجانب؟
لقد نص دستور الانقلاب الذي صدر في 2014، على حماية الدولة للملكية بأنواعها الثلاثة (العامة، والخاصة، والتعاونية) في المادة 33، ومنعت المادة 35 فرض الحراسة على الملكية الخاصة إلا في أحوال يحددها القانون، وبعد حكم قضائي، كما منعت المادة 40 من هذا الدستور المصادرة العامة والخاصة، إلا بحكم قضائي.
وما تقوم به لجنة إدارة الأموال، يخل بمضمون المواد الدستورية، التي تدعي حماية الملكية الخاصة، فالقائمون على أمر هذه اللجنة موظفون حكوميون، وليس لديهم خبرة لإدارة هذه الشركات والمؤسسات، فضلًا عن أنهم يفوضون موظفي الكيانات الحكومية لإدارة الشركات والمؤسسات التي تخضع للتحفظ من قبل هذه اللجنة، والجدير بالذكر أن من تسند إليهم إدارة مؤسسات وشركات للقطاع الخاص، هم فاشلون في إدارة المؤسسات العامة.
إن ما يتمتع به المستثمر المحلي من مزايا وضمانات للاستثمار، يمثل نقطة جذب للمستثمر الأجنبي، ولكن على ما يبدو أن حكومات العسكر حريصة على تصدير صور سلبية لمناخ الاستثمار في مصر، عبر فرض وصايتها على الملكية الخاصة، أو تصرف قائد الانقلاب في المال العام وكأنه ضيعة في إمارة أو مملكة، وليس مالا عامًّا، فما تم من منح أمير الكويت من أراض بمحافظة الشرقية، يكرس لصورة سلبية لإدارة الدولة، وبخاصة أن أبناء الوطن يعانون من عدم توفر الأرضي اللازمة للبناء أو الاستصلاح الزراعي أو المشروعات الصناعية، وتظهر المزادات التي تنظمها الحكومة في المجالات النختلفة مدى إقبال الناس على القليل الذي يطرح من قبلها.
إن دولة القانون، هي أكثر ما يطمئن المستثمر للوجود بسوق أو اقتصاد ما، حتى يثق في أن أي خلاف لمؤسسته أو اي شأن من شئون أعماله، سيكون الحكم فيه القانون، سواء كان هذا الخلاف مع أفراد دخل المجتمع أو مع الدولة نفسها.
ثم مجموعة من الرسائل السلبية التي تبعث بها الحكومة المصرية عبر تصرفها الأخير، تجاه إدراج قائمة بشركات ومؤسسات خاصة تحت التحفظ، وقد سبقتها قوائم عدة منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ومن هذه الرسائل السلبية ما يلي:
مناخ الاستثمار بمصر، لابد أن يحظى بمقومات مدنية، تسيطر عليها وتحكمها دولة القانون، وليس توجهات ورغبات العسكر، فمناخ الاستثمار هو لافتة مجتمع يريد أن ينهض بعد أن وصلت الأحوال الاقتصادية لتصنيف مصر ضمن أكثر شعوب العالم بؤسًا.