افتتحت مصر مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، مشروع توسعة مجرى قناة السويس، بتكلفة مالية زادت عن 8 مليارات دولار، وتبع هذا الافتتاح قرار جمهوري بإنشاء منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة لمنطقة القناة، على مساحة 460 كيلومتراً مربعاً.
وجاء هذا القرار وفقاً لقواعد القانون رقم 83 لسنة 2002، المنظم لشؤون عمل المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وتضمن أن تُلحق بمنطقة قناة السويس 6 موانئ أخرى هي شرق بور سعيد، وغرب بور سعيد، والأدبية، والعين السخنة، والعريش، والطور.
ولمصر تجارب ممتدة مع إنشاء المناطق الحرة منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، وخاضت تجربة المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة مطلع الألفية الثالثة عام 2002.
وبدأت القوانين المنظمة للمناطق الحرة في مصر منذ عام 1971، حيث صدر القانون رقم 65 بشأن استثمار المال العربي والمناطق الحرة، ثم تبعه القانون رقم 43 لسنة 1974 بشأن الاستثمار العربي والأجنبي والمناطق الحرة، ثم القانون رقم 8 لسنة 1997 بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار.
إلا أن تخصيص منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة لم يدخل بيئة الاقتصاد المصري إلا بعد إصدار القانون رقم 83 لسنة 2002.
والملاحظ أن كافة التشريعات المصرية المعنية بنشاط المناطق الحرة، ركزت بشكل رئيس على المزايا الممنوحة لهذه المناطق من حيث الأعباء الضريبية، أو حرية دخول وخروج أرباح الشركات المنشأة داخل هذه المناطق، وكذلك إعطاءها استثناءات فيما يتعلق بالتراخيص والإجراءات الإدارية الأخرى المتعلقة بالمؤسسات الحكومية.
"بعض الدول الخليجية تصوب سهام أنشطتها إلى منطقة القناة لتكون بمثابة منطقة خدمات لوجستية وترانزيت، "
غير أن المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، حصلت على مزايا أفضل من وضع المناطق الحرة، وبخاصة الإعفاءات الضريبية التي وصلت إلى نحو 10% فقط، في حين كان معدل الضرائب بمصر يصل إلى 35%، وإن كان قانون الضرائب الموحد للدخل رقم 91 لعام 2005، قد وحد سعر الضريبة بنسبة 20%، وذلك بعد أن تنتهي مدد الإعفاءات التي حصلت عليها المشروعات من قبل.
وقد حظيت المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، بتيسيرات أخرى تتعلق ببعض الاستثناءات الخاصة بحقوق العمال، من فصل وتعيين، وغياب العمل النقابي، أو التمثيل في مجالس إدارات الشركات، والاكتفاء فقط بحق العمل بالحصول على نسبة من أرباح الشركات التي تنشأ وفق قانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة.
لا شك أن مصر في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، وبخاصة بعد حرب أكتوبر/تشرين 1973، كانت لديها رغبة عالية في الخروج من مشكلاتها الاقتصادية، ورأت حكومتها آنذاك أن المخرج في التوجه نحو اقتصاديات السوق، والتخلي عن الدور الكبير للدولة في المقدرات الاقتصادية للبلاد.
وكانت التطلعات تتجه للاستفادة من الطفرة النفطية التي حققتها الدول العربية النفطية، وكذلك من بعض الدول الغربية، إلا أن تلك التطلعات لم تكن في محلها، حيث كانت هناك أمور سلبية أخرى لابد من إزالتها، حتى يكون المناخ الاقتصادي المصري مغرياً للمستثمرين العرب والأجانب.
أما تجربة المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، فقد كان الدافع خلفها، محاولة الحكومة المصرية في ذلك التوقيت اللحاق بقطار العولمة الاقتصادية، التي أغرت العديد من الدول النامية بحلم الثراء والتقدم الاقتصادي، وما ساعد على توجه مصر نحو هذا النوع من المناطق، هي حالة النجاح من وجهة نظر البعض لتجربة جبل علي، في دبي بدولة الإمارات، وكذلك التجربة السنغافورية.
كما ذكرنا عاليه من أن مصر بدأت منذ ما يزيد عن أربعة عقود تجاربها في المناطق الحرة، ونحو عقد ونصف على المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، إلا أنها لم تجن الثمار المرجوة من هذه الأنشطة.
لم نجد مثلاً منطقة تجارة حرة، أو منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة، استطاعت أن تغير من محيطها الجغرافي، بتحقيق ازدهار اقتصادي، أو خلق روابط خلفية وأمامية للأنشطة الاقتصادية المحلية المجاورة لهذه المناطق.
وترصد الدراسات التي قوّمت تجربة المناطق الحرة، أو المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، أنها تحولت إلى مجرد أعمال التخزين، دون الدخول في أنشطة صناعية، تحقق قيمة مضافة على الأراضي المصرية، وكذلك الاستفادة من الإعفاءات الضريبة التي منحتها القوانين المنظمة لعمل هذه المناطق، حيث اتجهت العديد من الشركات القائمة في داخل باقي مدن المحافظات المصرية، بتغيير شكلها القانوني لتكون إحدى شركات هذه المناطق، وأن باقي مؤسساتها خارج المنطقة مجرد فروع لها، لكي تحصل على المزايا الممنوحة ضرائبياً وإدارياً، وبالتالي فاتت الفرصة على مصر من تحقيق هدف هذه المناطق.
كما لم تتجه هذه التجارب للمناطق الحرة، والمناطق ذات الطبيعة الخاصة، إلى زيادة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر، فالثابت من خلال الإحصاءات الحكومية المصرية أن أكثر من 75% من الاستثمارات الأجنبية تأتي في إطار نشاط استخراج النفط، وكذلك في إطار برنامج الخصخصة، الذي نشط بشكل كبير خلال الفترة 1995 – 2005.
"حظيت المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، بتيسيرات أخرى تتعلق ببعض الاستثناءات الخاصة بحقوق العمال، من فصل وتعيين "
وحسب دراسة أُجريت من قبل مركز بحوث البنك الأهلي المصري في عام 2004، وُجد أن رؤوس أموال الشركات المصرية داخل المناطق الحرة تفوق رؤوس الأموال العربية والأجنبية، وأنها في بعض السنوات تصل إلى 75%.
وبالنظر إلى حجم الصادرات المصرية، نجد أنه يدور ما بين 24 – 28 مليار دولار، في أحسن الأحوال، وهو رقم شديد التواضع مقارنة بدول أخرى، وحسب تصريحات وزير الاستثمار المصري، أشرف سالمان، فإن المناطق الحرة تساهم بنسبة 25% من حجم الصادرات المصرية.
وحتى يكون التقويم لدور المناطق الاقتصادية في التجارة الخارجية لمصر، يلاحظ أن وجود هذه المناطق سواء الحرة أو ذات الطبيعة الخاصة، لم يعمل على تقليل حجم الواردات المصرية على مدار السنوات الماضية، مما يعني أن دور هذه المنطقة الحرة، محدود الأثر.
لا زالت مشكلة الاقتصاد المصري الرئيسة تتمثل في قلة الإنتاج، وزيادة معدلات الاستهلاك، وقد لوحظ على مدار الفترة الماضية أن معظم المساهمات الأجنبية في مجال الاستثمارات الأجنبية تركز على الأنشطة الريعية أو الاستخراجية، أو الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة الضعيفة، والدليل على ذلك تصرح وزير الاستثمار المصري مؤخراً، فإن 75% من صادرات الملابس الجاهزة في مصر تخرج من المناطق الحرة.
وبالتالي لابد من التركيز على تلافي سلبيات التجارب السابقة، بحيث لا تعتمد مشروعات الأجانب بهذه المناطق على التمويل المحلي، وأن تستجلب كامل رؤوس أموالها واستثماراتها من الخارج، وأن تتجه للأنشطة الإنتاجية، وأن تعتمد على توفير الجزء الأكبر من مستلزمات إنتاجها من السوق المصرية، وأن تعمل عل توطين تكنولوجيا جديدة داخل مصر.
إن بعض الدول الخليجية تصوب سهام أنشطتها إلى منطقة القناة لتكون بمثابة منطقة خدمات لوجستية وترانزيت، وهي أنشطة مطلوبة ولكنها لا تستوعب العدد الكافي من قوة العمل المصرية التي تتزايد بمعدلات مخيفة على مدار الفترة الماضية، ومن المفيد لمصر أن تمتلك أجندة وطنية لمشروع التنمية، وأن تحسن توظيف أنشطة المناطق الحرة، والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة.