الرئيسية / مصر / مصر وإيطاليا.. ماذا فعلت أزمة ريجيني بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين

مصر وإيطاليا.. ماذا فعلت أزمة ريجيني بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 24-12-2020
  • 105
مصر وإيطاليا.. ماذا فعلت أزمة ريجيني بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين
  • المصدر: الجزيرة

شهدت الأيام القليلة الماضية حالة من التصعيد من إيطاليا بشأن ملف مقتل مواطنها جوليو ريجيني في مصر؛ بل نجحت إيطاليا في تصعيد الأزمة على مستوى الاتحاد الأوروبي؛ مما أدى إلى صدور قرار من البرلمان الأوروبي لمطالبة مصر بالتعاون الكامل مع السلطات القضائية في إيطاليا، بالإضافة إلى مطالبة مصر بالإفراج عن بعض المواطنين المصريين المعتقلين على ذمة قضايا سياسية، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها بشكل عام.

ولم تجد مصر لمواجهة موجة التصعيد الإيطالية والأوروبية، سوى فتح ملف لدبلوماسي إيطالي سابق متهم بتهريب آثار مصرية، بينما كان المتوقع أن تهدد مصر باستخدام المصالح الاقتصادية المشتركة مع إيطاليا، وعلى رأسها ملفات استثمارات الغاز الطبيعي لشركة "إيني" (ENI) في مصر.

فلماذا لم تلجأ مصر لاستخدام هذه الورقة؟ وما هو مستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية الإيطالية في ظل حالة التصعيد لملف مقتل ريجيني؟

العلاقات الاقتصادية

تمثل مصر الجانب الأضعف في العلاقات الاقتصادية مع إيطاليا، سواء فيما يتعلق بالتبادل التجاري، أو تلقي الاستثمارات، أو التعاون من خلال برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية.

فحسب البيانات المتعلقة بالتبادل التجاري بين البلدين، بلغت قيمة هذا التبادل 7.2 مليارات دولار نهاية 2018. وكون مصر من الدول النامية، التي يعاني ميزانها التجاري من عجز مزمن، فالتبادل التجاري بين البلدين يبقى لصالح إيطاليا.

فقد بلغت الصادرات المصرية في ذلك العام نحو إيطاليا 1.3 مليار دولار، بينما وصلت واردات مصر من إيطاليا 5.9 مليارات دولار.

أما في النصف الأول من عام 2020، فقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين 1.8 مليار دولار، منها 1.19 مليار دولار واردات لمصر من إيطاليا، في حين بلغت الصادرات المصرية نحو إيطاليا 636 مليون دولار.

أما فيما يتعلق بالاستثمارات، فتحتل إيطاليا المرتبة 11 من بين الدول المستثمرة في مصر، ويوجد نحو 1204 شركات إيطالية هناك، باستثمارات تبلغ نحو 4 مليارات دولار، باستثناء استثمارات حقل ظهر.

وتعمل الشركات الإيطالية في مجالات متعددة منها الخدمات المالية ومواد البناء، والبتروكيماويات. كما تعد إيطاليا من الدول المهمة التي يتوافد أفرادها للسياحة في مصر، بنحو مليون سائح سنويا.

وتستفيد مصر من برنامج مساعدات إيطالي، في إطار مبادلة الديون من أجل التنمية، والذي يشمل 3 اتفاقيات بين البلدين، بقيمة 350 مليون يورو، حيث تحول فوائد الديون المطلوب سدادها من مصر لإيطاليا إلى مشروعات تخدم التنمية في مصر.

وبالفعل تم الشروع في تنفيذ مجموعة من المشروعات وفق هذه الاتفاقيات، منها إدارة المخلفات الصلبة في محافظة المنيا، وإنشاء 10 صوامع لتخزين الغلال، فضلا عن مشروعات أخرى تخص قطاعات التعليم والنقل.

استبعاد ورقة الغاز

لم تلجأ الحكومة المصرية للتلويح بورقة ملف الغاز الطبيعي لشركة إيني الإيطالية، والتي توجد في أكثر من استثمار، مثل حقل ظهر، وهو أشهر هذه الاستثمارات، بالإضافة إلى وجودها في أكبر معمل لتسييل الغاز الطبيعي في دمياط.

ومن المستبعد أن تلوح مصر بورقة استثمارات شركة إيني الإيطالية في مجال الغاز الطبيعي بمصر، كورقة ضغط على إيطاليا لإغلاق ملف مقتل ريجيني، أو إماتته -بمعنى أن يظل مفتوحا على الأجل الطويل بدون الوصول لنتيجة حاسمة- وإلا ستجد مصر نفسها في مواجهة شركاء كُثر، أو تعطل مشروعات هي في حاجة شديدة لها. كما أن مصر لا تملك الموارد المالية، التي تجعلها تسعى لغلق أو تعطيل المشروعات الإيطالية لديها.

وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بمعمل تسييل الغاز الطبيعي في دمياط، والذي تمتلك فيه شركة إيني 40% من رأس مال المشروع، هناك شركاء آخرون مثل إسبانيا التي تمتلك نسبة 40% أيضا من رأس مال هذا المشروع.

وفيما يتعلق بحقل ظهر -الذي تمتلك فيه شركة إيني 40%- فإنها على ما يبدو تجهزت لهذا اليوم، فقد باعت نسبة 30% من ملكيتها بالحقل لشركة "روس نفط" (Rosneft) الروسية، ونسبة 10% للشركة البريطانية للغاز.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل باعت الشركة الروسية نسبة 10% من حصتها لدولة قطر، و10% أخرى للإمارات.

وبالتالي فثمة أطراف كثر أصبحوا شركاء في ملكية حقل ظهر مع مصر، وأي محاولة للتأثير على إيطاليا وحدها بدون باقي الشركاء ستكون ضعيفة، أو بمعنى أدق غير واردة؛ لضعف الموقف المصري، خاصة أن مصر تعتبر حقل ظهر من الموارد المهمة لدعم احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنقد الأجنبي على حد سواء.

ولا تعد شركة إيني وحدها المعنية بالمشاركة المهمة لمصر في مجال الغاز الطبيعي، فقد وقعت مصر عقدا مهما مع شركة "تكنيب" (TECHNIP) الإيطالية لرفع القدرة التكريرية لمعمل "ميدور" بالإسكندرية بتكلفة بلغت 1.5 مليار دولار، ومن الصعب أن تحاول مصر الخروج من مثل هذه العقود الملزمة، والتي عادة ما تتضمن شروطا جزائية، لا يمكن أن تتحملها مصر في ظل ظروفها المالية الصعبة.

والقاعدة المعلومة في العقود الدولية هي "أن العقود تصاغ لصالح الأقوى"، وثمة ملاحظة مهمة في أداء مصر في الاتفاقيات التجارية والاقتصادية أنها عادة ما يكون موقفها ضعيفا، وهو ما لمسناه في عقود خصخصة شركات قطاع الأعمال العام في عهد مبارك.

هذه العقود جلبت على مصر تهديدات مالية كبيرة، في ضوء قضايا التحكيم، التي رُفعت على الحكومة المصرية بالخارج لطلب تعويضات، بعد إصدار أحكام قضائية مصرية ببطلان عقود الخصخصة، وكذلك فعل الكيان الصهيوني بطلب تعويضات، فيما يتعلق بإيقاف توريد الغاز المصري له بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

استشراف المستقبل

يأتي التصعيد في ملف مقتل المواطن الإيطالي ريجيني، في ظل أجواء اقتصادية غير مواتية على الصعيد العالمي بسبب جائحة كورونا.

كما أن الأوضاع الاقتصادية في مصر لن تساعد القاهرة على التصعيد للتقليل أو الحد من علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إيطاليا.

فمصر لا تمتلك موقفا قويا على صعيد التبادل التجاري مع إيطاليا. كما أنها لا تملك أن تتبنى موقفا سلبيا تجاه الاستثمارات الإيطالية بمصر، فهي تسعى بشكل كبير لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ لتساعدها في موقفها المالي والتنموي المتأزم.

أما على صعيد التبادل التجاري بين البلدين فهو لصالح إيطاليا. وقد يذهب البعض بأن مصر لديها واردات بقيمة 5.9 مليارات دولار مع إيطاليا، ويمكنها الضغط عبر هذا المسار على إيطاليا؛ لكن الجانب الآخر للمعادلة، هو أن مصر لديها صادرات بنحو 1.3 مليار دولار لإيطاليا، ولا يمكنها أن تستغني عن هذه الحصة، خاصة أن صادراتها الإجمالية نحو العالم ضعيفة، ولا تتعدى 28 مليار دولار، بما فيها الصادرات النفطية.

إن أي خطوة تتخذها مصر تجاه الاستثمارات الإيطالية في البلاد، سيكون لها مردود سلبي على الاستثمارات الأجنبية في البلاد، خاصة أن إيطاليا غيرت من طبيعة أزمتها مع مصر، وجعلت الاتحاد الأوروبي هو الطرف المواجه للقاهرة. والمعلوم أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري والاقتصادي الأول لمصر، وأي تصعيد لن تكون عواقبه سليمة على البلاد، في ظل استمرار استخدام آلية اتخاذ القرار الجماعي عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمة مع مصر