الرئيسية / مصر / مصر هروب من المديونية إليها

مصر هروب من المديونية إليها

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 11-02-2002
  • 131
مصر هروب من المديونية إليها
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

أعلنت وسائل الإعلام المختلفة في 6-2-2002م عن حصول مصر على نحو 10.3 مليارات دولار على مدار السنوات الأربع القادمة. منها 2.1 مليار دولار على وجه السرعة؛ لتغطية العجز في ميزان المدفوعات عن العام المالي 2001-2002م؛ نتيجة لتأثر الاقتصاد المصري بأحداث 11 سبتمبر...

وللـ"مديونية" التي تعاني منها مصر من تلك "القروض" تاريخ بلغ ذروته في نهاية الثمانينيات، حيث كانت تلك المشكلة على قمة الأجندة الاقتصادية، واستطاعت مصر بعد جهد كبير أن تعقد ما سُمِّي "خطاب النوايا" في عام 1991م؛ لتعيد جدولة ديونها الخارجية في "نادي باريس" وتخفضها بنحو 50%، ذلك بعد الموافقة على تطبيق "روشتة الصندوق والبنك الدوليين" التي سمّيت "برنامج الإصلاح الاقتصادي".

وقد دعت مصر نحو 35 دولة في فبراير 2002م تحت رعاية البنك الدولي؛ للحصول على نحو 2.5 مليار دولار فيما أطلق عليه "مؤتمر المانحين" الذي عقد بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة 5 - 6 فبراير 2002م.

منحة.. قرض.. ثم؟!

النجاح الحقيقي في مؤتمر شرم الشيخ لا يتمثل في حصول مصر على المنح والقروض، بقدر ما يتمثل في الخروج بالاقتصاد المصري من أزمته التي امتدت على مدار ثلاث سنوات ماضية، نتيجة لاختلالات هيكلية وسياسات اقتصادية وصفت من قبل العديد من الخبراء بأنها متخبطة.

ومشكلات الاقتصاد المصري متفاقمة قبل وقوع أحداث سبتمبر، إلا أن الأحداث عمقت من حجمها.. وسنركِّز هنا على أهم ثلاث مشكلات:

1 - وجود نقص في موارد مصر من النقد الأجنبي.

2 - الاتجاه للاقتراض من الخارج.

3 - تزايد مشكلة تمويل الموازنة العامة للدولة.

مصادر.. ولكن!

توجد أربعة مصادر رئيسية في مصر للحصول على النقد الأجنبي، وذلك منذ أكثر من عشرين عامًا، وهي:

1 - عوائد قناة السويس.

2 - عوائد البترول.

3 - عوائد السياحة.

4 - تحويلات العاملين بالخارج.

تُعَدّ السياحة خلال السنوات الأربع الماضية من أكثر المصادر جلبًا للنقد الأجنبي حتى وصل البعض للرهان عليها؛ لتكون قاطرة التنمية في مصر خلال الفترة القادمة، إلا أن المؤثرات الخارجية بدءاً من أحداث العنف التي اجتاحت مصر خلال عقد التسعينيات -مرورًا بأحداث المنطقة والممارسات الصهيونية وانتهاء بوقوع أحداث 11 سبتمبر 2001م- أثّرت على هذا القطاع بشكل كبير، وهو ما دعا الحكومة المصرية للتوقع بأن الانخفاض في إيراداته قد تصل إلى 50%.

وبالنظر إلى موارد قناة السويس خلال نفس الفترة نجد أنها في تناقص مستمر، ويرجع هذا الانخفاض إلى وجود منافسة شديدة لقناة السويس من قبل الطرق البديلة التي تسمح بمرور ناقلات البترول العملاقة، ولا شك أن الظروف الدولية الحالية التي تشهد حالة من الركود ستؤدي إلى المزيد من الانخفاض مع نهاية العام الحالي 2001-2002م.

صادرات مصر من البترول وإن كانت تُعَدّ صغيرة بالمقارنة بوضع دول الخليج مثلاً، إلا أنها تشكل مصدرًا هامًّا لمصر من النقد الأجنبي، حيث يُعَدّ قطاع البترول من حيث الترتيب في المركز الثاني بعد السياحة، غير أن تذبذب الأسعار العالمية للبترول خلال السنوات الماضية جعل عائدات قطاع البترول في مصر غير مستقرة.

وتشير بيانات وزارة التجارة الخارجية المبدئية إلى أن تحويلات العاملين بالخارج سوف تشهد انخفاضًا كبيرًا يصل إلى نحو 21% عن عام 1999م. وقد يعود هذا الانخفاض إلى التذبذب في أسعار صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، حيث فقد الجنيه حوالي 40% من قيمته على مدار العامين الماضيين، وهو ما يجعل المصريين المقيمين بالخارج يحجمون عن التحويل، هذا فضلاً عن التحدي الذي تعانيه العمالة المصرية في منطقة الخليج؛ لتوجه بلاده إلى توطين الوظائف بها أو التوجه إلى العمالة الآسيوية الأرخص ثمنًا والتي تتميز بالكفاءة أيضًا.

المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في مصر

خلال الفترة (96-1997 - 99-2000م) القيمة بالمليون دولار

99-2000 | 98-1999 | 97-1998 | 96-1997 | بيان
4314 | 3235 | 2941 | 3646 | السياحة
2273 | 1000 | 1729 | 2578 | البترول
1781 | 1771 | 1776 | 1849 | قناة السويس
3747 | 3772 | 3718 | 3256 | صافي التحويلات الخاصة

ما بين الخارج والداخل

بعد أن وصلت مصر إلى معدلات مرضية في حجم الدين الخارجي ليصل إلى 26.5 مليار دولار في نهاية العام المالي 2000-2001م، نجد أنها اتجهت مرة أخرى نحو الاقتراض من الخارج خلال النصف الثاني من عام 2001م، حيث حصلت على نحو 1.5 مليار دولار من خلال إصدار سندات دولية بأسواق المال العالمية رافضة المساس باحتياطي النقد الأجنبي لديها، والذي انخفض إلى نحو 14 مليار دولار بعد أن كان نحو 20 مليار دولار أو ما يزيد عن ذلك بقليل.

واليوم تتجه مصر إلى الخارج للحصول على نحو 2.5 مليار دولار من خلال المنح والقروض في مؤتمر المانحين في ظلّ أسعار فائدة متدنية بالخارج وصلت في السوق الأمريكية إلى نحو 1.5%.

ولإجابة تساؤل: لماذا لم تتجه مصر إلى الداخل نوضّح أرقام الدين العام المحلي - والذي وصل إلى معدلات مرتفعة بلغت 164 مليار جنيه مصري في عام 99-2000م -هذا مع استبعاد ديون الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي-، فضلاً عن حالة الركود والكساد التي يعاني منها الاقتصاد المصري ومشكلات أخرى تتعلق بجوانب الاستثمار والبنوك وأداء القطاع الخاص.

البنك والصندوق مرة أخرى

قبل انعقاد المؤتمر بأيام قليلة كانت الحكومة المصرية قد أعلنت عن بدء مفاوضات مع كل من الصندوق والبنك الدوليين؛ للحصول على نحو 2 مليار دولار لسدِّ الفجوة واحتياجات الاقتصاد المصري من الدولار.

وكانت الحكومة المصرية قد رفضت مطالب صندوق النقد الدولي طوال الفترة من 1992م وحتى 1998م بتخفيض قيمة الجنيه المصري، متعلِّلة في ذلك بأن هذا الأمر سوف يكون له انعكاساته الاجتماعية التي لم تقبلها مصر في ذلك الوقت، كما أن أي تخفيض في قيمة العملة لا بد له من مرونة في زيادة الصادرات، وأفادت أنها غير واثقة من الجزء الثاني من المعادلة، وهو الأمر الذي عكس الواقع فيه صحة وجهة نظرها، لكن الحكومة لم تكمل الحلقة من حيث ترشيد الواردات التي تزايدت بمعدلات كبيرة خلال الثلاث سنوات الماضية.

والأمر كما يصوره بعض الخبراء -منهم الدكتور أحمد الغندور عضو مجلس إدارة البنك المركزي سابقًا- من خلال كتاباته على صفحات جريدة الوفد المعارضة أن الحكومة المصرية رفضت التخفيض المحمود وقبلت التخفيض المذموم، فعلى مدار ثلاث سنوات والسعر السائد لا يعبِّر عن آليات العرض والطلب، وكان بإمكان الحكومة المصرية أن تخفض قيمة الجنيه في عام 1998م، وتحافظ على رصيدها من النقد الأجنبي.

وقبل ذلك كانت الحكومة المصرية ترفض عرض الصندوق، ولديها ما ترتكن إليه من احتياطي من النقد الأجنبي تجاوز 20 مليار دولار، وشبه إجماع على نجاح برنامج الإصلاح المالي والنقدي، وتقدم في برنامج الخصخصة، وأيضًا تحسن في الكثير من مؤشرات الاقتصاد الكلي، بينما اليوم مصر تكاد تكون على النقيض من هذه الإيجابيات، حيث انخفض الاحتياطي النقدي إلى نحو 14 مليار دولار، وهناك ارتباك في السياسة النقدية من حيث وضعها ومن المسؤول عنها.

محاولات النجاة

تمويل التنمية في مصر شأنه شأن العديد من الدول النامية، يُعَدّ مشكلة مؤرقة؛ لوجود فجوة بين الاستثمارات والمدخرات المحلية، حيث إن معدل النمو المستهدف الذي يقدر بنسبة 5% كان يتأرجح على مدار السنوات العشر السابقة بين 4 و 4.5%، إلا أنه مع تزايد مشكلات الاقتصاد المصري الداخلية والتداعيات الأخيرة، من المتوقع أن ينخفض هذا المعدل ليصل إلى 2.5%.

وكانت مصر تحاول على مدار السنوات الماضية تغطية الفجوة بين الاستثمار والمدخرات المحلية بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر عن طريق:

1 - إعطاء مزايا ضريبية.

2 - المرونة في تحويلات الأجانب وتملكهم للمشروعات.

3 - تسهيل إجراءات الإقامة.

إلا أن المؤشرات تشير إلى أن نصيب مصر من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كان في حدود 800 مليون دولار تصل إلى 1.2 مليار دولار تأتي معظمها في مجال الصناعة الاستخراجية، وتحديدًا في مجال البترول أو في مشروعات الخصخصة.

وتظهر مشكلة تمويل الموازنة العامة للدولة في مصر من خلال تزايد حجم الإنفاق العام على مدار السنوات الماضية وتقليص الاستثمارات العامة، وتعظيم دور القطاع الخاص في هذا المجال، بينما يتم التركيز على الدور الاجتماعي والذي تمثل في الإنفاق على مجال التعليم، والصحة، ودعم السلع الأساسية لمحدودي الدخل، وتمويل برامج التأمينات والمعاشات، حيث وصل حجم الإنفاق على الجانب الاجتماعي في موازنة عام 2001-2002م إلى نحو 41% من حجم الإنفاق العام، وأعباء خدمة الدين العام الداخلي والخارجي تبلغ نحو 27%، وبند الأجور والمرتبات بالجهاز الحكومي والعاملين بالدولة يصل إلى حوالي 25%، فمعنى هذا أن هذه البنود الثلاثة وكلها بنود استهلاكية، تستحوذ على 93% من حجم الإنفاق العام. فماذا بقي للاستثمار الذي يولد القيمة المضافة؟ والجدول التالي يوضح حجم هذا الإنفاق:

مخصصات البُعْد الاجتماعي بالموازنة العامة في مصر بالمليون جنيه  

السنة المالية | الاعتمادات المخصصة للبعد الاجتماعي | إجمالي الإنفاق العام | نسبة التخصيص %
موازنة 96-1997 | 27046 | 77450 | 34.9
موازنة 97-1998 | 31700 | 83520 | 37.9
موازنة 98-1999 | 34828 | 91526 | 38
موازنة 99-2000 | 38403 | 99453 | 38.6
موازنة 2000-2001 | 45307 | 112600 | 40
موازنة 2001-2002 | 51512 | 126900 | 41

ويظهر عبء تمويل الموازنة العامة منعكسًا في محاولات الحد منه مثل:

1 - توجه الدولة للجوء للقطاع الخاص في مجال الصحة والتعليم.

2 - إطلاق يد الجمعيات الخيرية في تمويل البرامج الصحية والتعليمية.

3- إستراتيجية وزارة التربية والتعليم لتحويل المدرسة المصرية إلى وحدة إنتاجية، والعمل على وجود نوع جديد من المدارس يسمَّى بالمدارس التعاونية (مدارس يتم تمويل العملية التعليمية بها ذاتيًّا عن طريق مساهمات أولياء الأمور على أن ترد لهم مساهماتهم بعد إنهاء مراحل التعليم لأبنائهم).

4 - التفكير جديًّا في توظيف الزكاة كأداة مالية من خلال مناقشة إمكانية إصدار قانون ينظم إيراداتها، بحيث تستفيد الموازنة من إيرادات الزكاة والتي تقدر بنحو 20 مليار جنيه مصري، وهو ما يعادل تقريبًا حجم العجز الكلي في موازنة العام المالي 2001-2002م.

هذا وبالرغم من مجهودات الحكومة السابقة، وأهمية القروض والمنح ليتم استغلالهما في إنعاش الاستثمار، يلزم أيضًا التركيز على عاملين هامين، وهما تقوية القاعدة الإنتاجية في مصر حتى تستطيع أن توفي بمتطلبات الاستهلاك المحلي بالإضافة إلى الحد من الواردات؛ وذلك للوصول إلى مستويات تنمية مرتفعة.