الرئيسية / مصر / مصر تقع فى شراك القروض الخارجية

مصر تقع فى شراك القروض الخارجية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 16-04-2013
  • 109
مصر تقع فى شراك القروض الخارجية
  • المصدر: موقع الأناضول

في نهاية الثمانينيات كانت مصر تمر بأزمة حادة بمديونيتها الخارجية، وكانت أزمة الخليج الثانية طوق النجاة لمصر، إذ شاركت مصر في تحرير الكويت مع القوات الغربية الأمريكية، فكان المقابل توقيع اتفاق مع البنك والصندوق الدوليين تم بمقتضاها اسقاط حزمة من الديون الخارجية لمصر.

ومن بين الديون التى تم اسقاطها على مصر نحو 6.7 مليار دولار ديون عسكرية لأمريكا، ونحو 4.5 مليار ديون مستحقة لدول خليجية، ونحو 50% من ديون مصر في إطار اتفاق نادي باريس، والنتيجة هي وصول الدين الخارجي لمصر مع نهاية تنفيذ المرحلة الثالثة من برنامج صندوق النقد الدولي عام 1997 إلى نحو 28 مليار دولار فقط.

إلا أنه بعد ثورة 25 يناير لوحظ أن مصر تتجه نحو التوسع في الاقتراض من الخارج، وكان أخر ما أعلن من اتفاقيات للاقتراض من الخارج، الاتفاق المبرم مع قطر لشرائها سندات مصرية بنحو 3 مليار دولار، وكذلك القرض الحسن من ليبيا لمصر بنحو 2 مليار دولار.

ويعد القرض الليبي منحى جديدًا في الاقتراض الدولي، فهو يتيح لمصر الفرصة بشكل جيد لتعيد ترتيب أوراقها، وتنظم عملية سداد التزاماتها الخارجية دون إرباك للأوضاع الاقتصادية في الداخل، فالقرض الليبي يعطي مصر فترة سماح 3 سنوات، ويسدد على 5 سنوات، فضلًا عن هذا فهو قرض بدون فائدة.

وهو أداء جديد في إقراض الدول لبعضها بعضًا، فعادة ما تكون هناك فترات سماح، وقد تكون فترات السداد طويلة، ولكن لابد من سعر فائدة، ولو 0.25% سنويًا، وفي مثل هذه الحالات ذات سعر الفائدة المنخفض تسمى هذه المعاملات منحًا، لأنها ابتعدت عن سعر الإقراض التجاري.

تطور الدين الخارجي لمصر

حسب البيانات الخاصة بالدين الخارجي لمصر عن الفترة من 2008 وحتى 2012، نجد أن الدين الخارجي تراوح ما بين 31.5 مليار دولار، و34.3 مليار دولار، وذلك في نهاية يونيو/ حزيران 2012، إلا أن بيانات ديسمبر/ كانون الأول 2012 تبين وجود قفزة في حجم الدين الخارجي لمصر، إذ وصل إلى 38.8 مليار دولار، أي وجود زيادة قدرها نحو 4.5 مليار دولار خلال النصف الثاني من عام 2012.

وهذه الزيادة مرتبطة بحالة الإرباك في احتياطيات النقد الأجنبي الذي انخفض من 36 مليار دولار في ديسمبر/ كاونون الأول 2010 إلى ما يقارب 15 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران 2012. إلا أن التوجه الجديد للحصول على القرضين الليبي والقطري يزيد من قيمة الدين الخارجي لمصر ليصل إلى نحو 44 مليار دولار.

وقد تنجح مصر في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وهو ما يعني زيادة جديدة في قيمة الدين الخارجي المصري ليقترب من 50 مليار دولار.

تطور الدين الخارجي المصري خلال العام المالى 2007 -2008 الى العام  2012-2013 

السنة | إجمالي الدين الخارجي  | خدمة الدين الخارجي  | نسبة الدين الخارجي
القيمة بالمليار دولار | القيمة بالمليار جنيه | للناتج المحلي الإجمالي |  
2008 | 33.8 | 7.5 | 20.10%
2009 | 31.5 | 11.5 | 16.90%
2010 | 33.6 | 11.2 | 15.90%
2011 | 34.9 | 12.6 | 15.20%
2012 | 34.3 | 18.5 | 13.50%
2013 | 38.8 | 7.7 | 13.80%

المصدر: وزارة المالية، التقرير الشهري، مارس 2013.

ومن خلال بيانات الجدول عاليه، نجد أن خدمة الدين الخارجي لمصر لازالت في الحدود المقبولة، فهي في أعلى تقديراتها لم تتجاوز 19 مليار جنيه مصري سنويًا، وكذلك نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي لازالت في الحدود الآمنة، فهي لم تتجاوز 20 % حسب تقديرات نهاية يونيو/ حزيران 2008.

والملاحظ أيضًا أنه في ظل تزايد قيمة الدين الخارجي لمصر من 31.5 مليار دولار في يونيو/ حزيران 2008 ليصل إلى 38.8 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2012، إلا أن نسبته للناتج المحلي الإجمالي في تناقص بسبب الارتفاع المستمر في قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

ففي عام 2008 كانت نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي 20.1 %، وكانت قيمة الدين الخارجي 33.8 مليار دولار، بينما في ديسمبر/ كانون الأول 2012 كانت قيمة الدين الخارجي 38.8 مليار دولار، بينما نسبته للناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 14%.

وإذا ما نظرنا إلى مؤشر خدمة الدين كنسبة من الصادرات السلعية، فإن خدمة الدين بحدود 3 مليار دولار في أقصى تقديراتها، بينما الصادرات السلعية بحدود 27 مليار دولار، أي أن نسبة خدمة الدين إلى إجمالي الصادرات السلعية، بحدود 11%. وهي نسبة مقبولة ولا تعبر عن وضع حرج في مجال الدين الخارجي لمصر.

والملاحظ اننا نجد أن مصر وعلى الرغم من مرورها بأزمة تمويلية خانقة بعد ثورة 25 يناير 2011، فأنها لم تتخلف عن أداء التزاماتها الخارجية، التي تؤديها في يونيو/ حزيران ويناير/ كانون الثاني من كل عام، وإن كانت التصنيفات الائتمانية لمصر تنحدر سلبيًا، إلا أن أسباب الانحدار بهذه التقييمات السلبية ترجع إلى الأوضاع السياسية وليس الأوضاع الاقتصادية.

مكمن الخطر

المتابع لملف إدارة الدين العام بشكل عام في مصر، بمكونيه المحلي والخارجي، يجد أن إدارة الدين العام في مصر اعتمدت بعد توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي في العام المالى 1991/1992 على استبدال الزيادة في الدين المحلي بالزيادة في الدين الخارجي.

ففي الوقت الذي شهد فيه الدين العام الخارجي تراجعًا ملحوظًا، اتجهت الحكومة المصرية للزيادة في الدين المحلي، فبعد أن كان الدين المحلي بحدود 97 مليار جنيه مصري في يونيو/ حزيران 1991، وصل إلى 1.1 تريليون جنيه مصري في يونيو/ حزيران 2012، وإلى 1.2 تريليون جنيه مصري في ديسمبر/ كانون الأول 2012.

واللافت للنظر أنه مع تفاقم حجم الدين المحلي لم تتبن الحكومات المصرية المتتالية منذ التسعينيات وحتى الآن أية برامج للحد من الدين المحلي، أو وضعه بالحدود المتعارف عليها عالميا ليكون الدين العام ككل دون نسبة الـ 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأدمنت الحكومات المصرية المتعاقبة العمل بآلية أذون وسندات الخزانة، فكانت تقوم باستهلاك السندات القديمة بسندات جديدة، دون البحث عن آليات جديدة لتمويل عجز الموازنة، أو ترشيد الإنفاق العام. 

وترتب على سلوك الحكومة المعيب في إدارة الدين العام المحلى، أن زادت كذلك أعباء خدمة الدين العام لتصل إلى نحو 25 % من حجم الإنفاق بالموازنة العامة للدولة، كما أنها شجعت البنوك على عدم تمويل المشروعات الإنتاجية والخدمية، واتجهت للاستثمار في الدين الحكومي، لارتفاع العائد عليه، او بسبب انخفاض أو انعدام المخاطرة، لأن الدين الحكومي مضمون بنسبة 100 %، فضلًا عن أن أبرز عيوب هذه السياسة أيضًا أن الحكومة أصبحت تنافس أو تزاحم القطاع الخاص في الائتمان من الجهاز المصرفي.

إدارة الأزمة

لا شك أن اعتماد أية دولة على الاقتراض الخارجي أو الداخلي لتمويل أنشطتها الاقتصادية، أو توفير احتياجات موازنتها السنوية، يعد من قبيل الخطر، وتحميل الأجيال القادمة بأعباء هم في غنى عنها، ومن هنا يجب على الحكومة المصرية، أن تجعل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي نهاية المطاف في مجال الاقتراض الخارجي، حيث سيصل حجم الدين الحارجي لنحو 50 مليار دولار، بعد حصول مصر على قرض الصندوق.

ولابد أن تتبنى مصر برامج حقيقية لمعالجة ملف الدين الداخلي، سواء بترشيد الإنفاق، أو بعمليات تمويل لمشروعاتها الاستثمارية بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة، وأن تعيد هيكلة الموازنة بشكل عام، وهيكلة الأجور والدعم بشكل خاص.

وإذا ما افترضنا أن الدين الخارجي سيكون بحدود 50 مليار دولار، فإنه سيمثل نسبة 17 % من الناتج المحلي الإجمالي، باعتبار الناتج المحلي الإجمالي بحدود 280 مليار دولار. ومن المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي هذه الحدود بكثير إذا ما استقرت الأوضاع السياسية والأمنية بمصر.

إن الهاجس الذي يدفع مصر للاقتراض من الخارج، هو انخفاض احتياطي النقد الأجنبي الذي وصل إلى نحو 13.4 مليار دولار نهاية مارس 2013، وكذلك الواردات البترولية التي تشهد تزايدًا مستمرًا منذ ثورة 25 يناير.

 إلا أن احتياطي النقد الأجنبي من المتوقع أن يشهد تحسنًا في ظل الأداء الإيجابي للعديد من المؤشرات الاقتصادية ومنها انخفاض العجز بميزان المدفوعات في النصف الأول من العام المالي 2012/2013 ليصل إلى نصف مليار دولار، مقارنة بـ 8 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام 2011/2012.

كما أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بدأت في التحسن لتتجاوز 2 مليار دولار في نهاية يونيو 2012 بعد أن كانت سالبة العام السابق عليه.

كما أن السياحة تتحسن مواردها الدولارية مع الوقت، ويتوقع أن تتجاوز أزمتها مع نهاية العام المالي 2012/2013.

ولكن كل ذلك لا يغني عن وجود برنامج لدى الحكومة لتحقيق الإصلاح الهيكلي بالاقتصاد المصري، لتتحرك القطاعات الإنتاجية، وتحقق معدلات نمو تتناسب مع الزيادة السكانية، ولتكون محضن خصب لتوليد فرص العمل الجديدة والمستقرة، وكذلك توفير قدر أكبر من السلع والخدمات لتخفيف العجز بميزان المدفوعات.