الرئيسية / مصر / مصر بين برنامجين للإصلاح الاقتصادي

مصر بين برنامجين للإصلاح الاقتصادي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 09-11-2016
  • 116
مصر بين برنامجين للإصلاح الاقتصادي
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

تسعه وعشرون عامًا مرت على البرنامج الأول للاصطلاح الاقتصادي بمصر، حيث وقعت مصر على اتفاق مع الصندوق والبنك الدوليين في عام 1991/1992، دخلت مصر بموجبه في حزمة من السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية، أطلق عليها “برنامج الإصلاح الاقتصادي”، فتم تحرير سعر الصرف وسعر الفائدة واتخاذ خطوات في مجال الضرائب والجمارك، وخصخصة نحو250 شركة قطاع عام، كما تم دخول القطاع الخاص في مساحات كبيرة من رقعة الاقتصاد المصري، امتدت إلى إنشاء الطرق والمطارات وإدارة الموانئ، في إطار قانون حق الامتياز.

وفي أغسطس 2016 وقعت مصر اتفاق مبادئ مع صندوق النقد الدولي بالقاهرة وينتظر خلال أيام أن يتم التصديق عليه من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، حيث صرحت كريستين لايجارد رئيس صندوق النقد الدولي، بعد اتخاذ مصر قرارها بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود، بأن أمام مصر خطوات قليلة للحصول على قرض الصندوق.

الاتفاق هذه المرة يركز أيضًا على نفس السياسات الخاصة بالأوضاع النقدية والمالية، فتم تخفيض سعر الصرف بما يزيد عن 65%، وتخفيض دعم الوقود بنسبة تقترب من 50%، وتتبنى حكومة الانقلاب العسكري برنامجًا للاستثمار أعلن عن مضمونه من خلال وزارة الاستثمار ببيع حصص في شركات قطاع الأعمال العام بالبورصة.

فما هو وجه الشبه والاختلاف بين البرنامجين؟ فبلا شك أن الفترة الزمنية التي تمتد إلى ما يزيد عن ربع قرن، تفرض متغيرات جديدة، وتبين تحديات مختلفة، ومن الضروري أن نقف على هذه المتغيرات ومعرفة التحديات، حتى يكون لدينا رؤية لما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر.

 

أولاً: حصاد سلبي

مع توقيع مصر اتفاقها مع الصندوق في عام 1990/1992 تخيل البعض أن الاقتصاد المصري وضع أقدامه على سلم التقدم الاقتصادي، حيث شهدت المؤشرات النقدية والمالية تحسنًا ملحوظًا تمثل في انخفاض عجز الموازنة لحدود 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض الدين العام الخارجي لأقل من 50% لما كان عليه قبل توقيع الاتفاق، وذلك بفضل إسقاط 50% من الديون الخارجية المستحقة على مصر في إطار نادي باريس، فضلًا عن إسقاط جانب مهم من ديون مستحقة على مصر لصالح أمريكا والدول العربية.

وكان يتوقع تدفقًا كبيرًا للاستثمارات الأجنبية لمصر بعد ما أجريت العديد من التعديلات التشريعية الخاصة بالبيئة الاقتصادية، مثل السماح للقطاع الخاص بدخول وخروج رؤوس الأموال دون أي قيود، والسماح للمستثمر الأجنبي بتملك كامل رأس المال في الشركات المصري، أو السماح للقطاع الخاص بالمساهمة في إنشاء مشروعات البنية الأساسية، وفق نظام البناء والتشغيل والتمليك ( B O T )، وعلى أثر ذلك شهدت مصر في أكتوبر 1996 انعقاد منتدى دافوس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن ماذا كانت نتيجة كل هذه الإجراءات؟ النتيجة هي أن مصر توقفت عند الإجراءات والسياسات الخاصة بالجوانب النقدية والمالية وتطبيق برنامج الخصخصة، دون الدخول في إصلاح تتعلق بالجوانب الإنتاجية، لإصلاح شركات قطاع الأعمال العام، وتحفيز المشروعات الإنتاجية، للعمل على بناء قاعدة إنتاجية قوية، تعمل على تغير هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وتكون قادرة على استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، وكذلك تخفيف حدة البطالة التراكمية، التي تعد من مشكلات مصر الاقتصادية المزمنة.

وزاد من مشكلة مصر الاقتصادية أن معظم الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية اتجهت للمضاربة على العقارات أو الدخول في الأنشطة السياحية، كما أن برنامج الخصخصة جعل مساهمة الاستثمارات الأجنبية لا تزيد عن مزاحمة الصناعات المحلية، والسعي لاحتكار السوق المصري، كما تم في مجال الأغذية وصناعة المنظفات والأسمنت.

ومما يؤسف له أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 1991/1992 وحتى الآن تتعامل مع قضية اقتصاديات السوق على أنها مجرد أن ترفع الحكومة يدها عن مقدرات النشاط الاقتصادي، وهذا غير صحيح بالمرة، ولا تعرفه أعتى النظم الرأسمالية، فضلًا أن هذه الفترة شهدت ارتفاع كبير في الفساد، من خلال مجال خصخصة شركات قطاع الأعمال العام، وتخصيص الأراضي بالمدن والمشروعات الجديدة، وكذلك في الجمارك. وكانت نتيجة ذلك ارتفاع حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وخروج الناس في ثورة 25 يناير، لتطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وفي ظل الانقلاب العسكري، بعد 2013، زادت حدة الممارسات الاقتصادية الخاطئة، من تبديد مساعدات تزيد عن 40 مليار دولار، والإسراف في الديون المحلية والخارجية، ومزاحمة القطاع الخاص من قبل الجيش في الحياة الاقتصادية المدنية، وزيادة حدة الاعتماد على الخارج وبخاصة الدعم من الدول الخليجية، التي أظهرت مؤخرًا عدم استعدادها لتحمل فاتورة الدعم الكامل لبلد يزيد تعداد سكانه لأكثر من 95 مليون نسمة، وإن كان لانسحاب دول الخليج من تقديم الدعم لمصر مبررات سياسية.

 

ثانياً: مظاهر الاختلاف:

هناك مجموعة من الظروف تجعل من الاختلاف بين برنامجي الإصلاح الاقتصادي في مصر أمر حتمي، وتفرض نتائج مختلفة، ومن هذه الظروف ما يلي:

1ـ غياب الاستقرار السياسي والأمني: كانت مصر في مطلع التسعينيات من القرن العشرين تحظى بدرجة عالية من الاستقرار السياسي والأمني، في ضوء المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي ستسفر عنها الإجراءات المنفذة للإصلاح الاقتصادي، لكن كان الأمن يعم ربوع مصر.

أما الآن فالوضع مختلف، حيث تعيش شمال سيناء ما يمكن أن نسميه بالفعل حالة حرب، حيث يسقط رجال الجيش والشرطة بين قتيل وجريح بشكل شبه يومي، وإن كان ذلك يحدث بأعداد صغيرة لكنه مستمر، ويشكل تهديداً للأمن القوي في منطقة شديد الخطر. كما تشهد العديد من المدن المصرية تفجيرات هنا وهناك، ولذلك فغياب الاستقرار السياسي والأمني سوف يمثل تحدياً لنجاح برنامج حكومة شريف إسماعيل مع صندوق النقد الدولي.

2ـ حاليًا يعش المجتمع المصري ما يمكن أن نسميه حالة احتراب مجتمعي، فهناك حالة انقسام واضحة داخل المجتمع المصري، وعداء يتجاوز الحوار والاختلاف السياسي، فمصر أمام شعبين بالفعل، بينما كان الوضع في مصر إبان تطبيق برنامج 1991/1992 يشهد حالة من الاستقرار المجتمعي، وكان أقصى أمل الأحزاب السياسية أو المعنيين بالشأن العام، مزيد من الديمقراطية، وكانت المفاضلة بين أيهما أولى البدء بالإصلاح السياسي أم الإصلاح الاقتصادي؟

أما الآن فأمام حكومات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013، استحقاقات لدماء أسيلت بغير حق، ومطالبة بالقصاص، فضلًا عن وجود رغبة كبيرة لدى البعض بالخروج للهجرة الخارجية، أو على الأقل مغادرة النشاط الاقتصادي وخروج رؤوس الأموال.

3ـ في عام 1991/1992 حصلت مصر على دعم كبير من الخارج في شكل منح ومساعدات لا ترد، وحرصت على تقليص الدين الخارجي في حدود آمنة، ولم تشكل هذه المساعدات أي ضغوط مالية على الميزانية العامة للدولة، بينما برنامج 2016 الذي يتوقع له أن يدخل حيز التنفيذ خلال أيام، فتبعاته المالية بدأت قبل أن يتم التوقيع عليه، حيث ألزمت تعليمات صندوق النقد الدولي بحصول مصر على 6 مليارات كقروض في شكل اتفاقيات ثنائية، حتى تتم الموافقة بالحصول على حزمة تمويلية تصل إلى 21 مليار دولار، أي أن ديون مصر الخارجية سوف ترتفع مع بداية تطبيق البرنامج الاقتصادي لما يزيد عن 85 مليار دولار، وهو ما سيمثل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة الدولة، في ظل تخمة وإفراط في الدين المحلي، ولا يخفى على أحد أن خدمة الدين العام المتمثلة في الفوائد فقط تقترب من 50% من قيمة الإنفاق العام بالموازنة العامة.

4ـ في برنامج 1991/1992 كان لدى الحكومة ما تقدمه في إطار الحماية الاجتماعية، مثل إجراءات المعاش المبكر، وإنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية لحماية المتضررين من السلبيات الاجتماعية لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية، كما أن نسبة الفقر في المجتمع المصري لم تكن بأي حال من الأحوال تقترب من المعدلات الحالية التي زادت عن 28%، والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعًا أكبر من ذلك، خلال الفترة القادمة، بسبب الإجراءات التي يفرضها صندوق النقد الدولي على حكومة الانقلاب العسكري.

 

ثالثاً: تحديدات البرنامج المرتقب

راهنت حكومات ما بعد الانقلاب العسكري على استمرار الدعم الخارجي وبخاصة من دول الخليج التي دعمت الانقلاب بمصر، وكانت سببًا في الاستقرار النسبي له على مدار السنوات الماضية، وخرج أكثر من تصريح لوزراء ومسئولين مفادوها أن مصر لن تحتاج إلى قرض صندوق النقد الدولي في ظل حصولها على الدعم الخليجي، وهو ما كذبه الواقع، واتضح أن مصر كانت تجهز ملفها لاعتماده لدى صندوق النقد الدولي.

وإن كان الدعم الخليجي للانقلاب العسكري بمصر محل شك خلال الأيام القادمة، فإن هناك مجموعة أخرى من التحديات الاقتصادية والاجتماعية سوف تكون حاجزًا أمام تحقيق حالة نجاح لاتفاق صندوق النقد الدولي لإحداث إصلاح أو نقلة اقتصادية بمصر، وذلك للأسباب الآتية:

1ـ استمرار الجيش في السيطرة على مقدرات الحياة المدنية ومزاحمة القطاع الخاص، وهذه السيطرة تفقد النشاط الاقتصادي أهم مقوماته وهي المنافسة والحرية الاقتصادية، فالجيش تدخل في أنشطة فرعية، مثل إنشاء الصيدليات وبناء مدارس اللغات، أو تجارة التجزئة للمواد الغذائية.

بينما التخطيط الاقتصادي السليم أن تترك الفرصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لكي تنمو من خلال إتاحة الفرص وليس مزاحمتها بهذا الشكل من قبل الجيش، فضلًا عن سوء الإدارة الاقتصادية التي تمارسها الحكومة وتضارب الاختصاصات والتصريحات للمسئولين بها، وهو ما يتطلب عودة الجيش للثكنات، وإتاحة فرصة أكبر للقطاع الخاص بالفعل لممارسة الاستثمار والنشاط التجاري في ظل رقابة حكومية حقيقة، وأن يعود الجيش ليستثمر في مجالات التكنولوجية العسكرية، ولا مانع من إعادة توظيفها لأغراض تجارية ومدنية.

2ـ لا يزال صندوق النقد الدولي صاحب نظرية ثابتة لم تتغير، وهي تركيزه على الإصلاحات النقدية والمالية، دون الأخذ في الاعتبار حاجة مصر إلى إصلاح هيكليتها الإنتاجية، مما سيؤدي في النهاية لتعميق حالة الكساد والركود، وهو ما يظهر من خلال القرار الأخير للبنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه 65%، ورفع سعر الفائدة 3%، وهي إجراءات تؤدي إلى عرقلة الاستثمار، وارتفاع تكاليفه، مما سيؤدي إلى توقف العديد من الصناعات المحلية، لعدم قدرتها على المنافسة أو تحقيق أرباح في ظل ارتفاع تكاليف التمويل والإنتاج.

3ـ ليس لدى حكومة شريف إسماعيل ما تقدمه للفقراء من سبل للحماية الاجتماعية، مما يعني أن الفقراء سيعانون بشكل كبير، وبخاصة في ظل ارتفاعات كبير في التضخم، وكذلك تراجع دور المجتمع الأهلي في العمل الخيري الذي كان يتحمل جزء كبير من رعاية الفقراء وتوفير جزء لا بأس به من احتياجاتهم الأساسية.

4ـ هناك التزامات مالية ضخمة على الحكومة في ظل البرنامج الجديد، سيجعلها على مدار السنوات القادمة، لا تفكر إلا في سداد التزامات الديون، فالقرض الحسن الذي قدمته ليبيا لدعم احتياطي النقد الأجنبي في 2012، بدأت في الحصول عليه في شكل أقساط قدرها 250 مليون دولار، وكذلك بعض الودائع الخليجية سيبدأ الوفاء بها في أبريل 2017، كما أن بعض هذه الودائع له تكلفة مالية تصل إلى 2.5% سنويًا. وكذلك القروض الجديدة التي استجلبتها مصر بنحو 6 مليار ولا يعلم شروطها التمويلية وطريقة سدادها.

5ـ أصبح الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر عبء على الاقتصاد المصري، فبيانات ميزان المدفوعات لعام 2015/2016 تبين أن مدفوعات الاستثمار للخارج وصلت إلى قرابة 5 مليارات دولار، كما أن صافي الاستثمارات غير المباشرة كانت نتيجته سلبية بنحو 1.2 مليار دولار، مما يعني أن أزمة مصر الدولارية مستمرة وبشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة، مما يدلل على أن النتائج المرجوة من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بين صندوق النقد وحكومة شريف إسماعيل ستكون وطأتها شديدة السلبية (1)