منذ نجاح ثورة 25 يناير المصرية والشأن الاقتصادي يعيش ظروفا استثنائية.
وفي هذا الإطار تظهر بيانات البنك المركزي المصري تطورا سلبيا بشأن بروز ظاهرة الدولرة للمدخرات المحلية.
فوفق بيانات النشرة الاقتصادية لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بلغ معدل نمو مدخرات المصريين بالعملة الأجنبية 12% في أغسطس/آب 2011، بينما بلغ معدل نمو المدخرات بالعملة الوطنية 4.2%.
وبذلك ارتفعت مدخرات المصريين من العملات الأجنبية بالجهاز المصرفي المصري إلى نحو 30 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي.
ومن شأن هذا السلوك أن يؤثر على سعر الصرف للجنيه المصري، لأنه يقلص المعروض من الدولار في السوق، ويزيد من الطلب عليه، ولذلك تخطى سعر الصرف حاجز 6 جنيهات مصرية مقابل الدولار الواحد.
الخبير المصرفي محمد جودة صرح للجزيرة نت بأن عددا كبيرا من العملاء الذين يعملون في مجال الاستيراد فضلوا تحويل ودائعهم المحلية إلى دولارية تخوفا من ارتفاعات متتالية لأسعار الدولار.
كما قام بعض المضاربين والمدخرين بالتحول إلى الدولار بغرض الاستفادة من ارتفاعات أسعار الدولار المتوقعة، التي توقعوا أن تزيد عن فروقات معدلات الفائدة الممنوحة على الودائع بالعملة المحلية مقارنة بالفوائد المدفوعة على ودائع العملات الأجنبية، خاصة في ظل مناخ عدم الاستقرار وعدم وضوح الرؤية .
وأكد جودة على أن عمليات الدولرة التي تمت في الفترة الماضية ، وهى سلوك طبيعي ومتوقع في ظل ثورة شعبية كبرى، لم تكن بالقدر الذى يمكن النظر إليه باعتباره ظاهرة عنيفة تهدد أسواق الصرف.
وعلل ذلك بأن الجزء الأكبر من الضغط على الطلب على العملة الأجنبية الذي أدى إلى انخفاض الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي -ليصل إلى حوالي 18 مليار دولار- كان بسبب سحب الاستثمارات الأجنبية سواء العاملة في البورصة أو أذون الخزانة أو بسبب سداد أقساط وفوائد القروض الأجنبية المستحقة وتسديد الواردات السلعية لهيئة السلع التموينية في ظل تراجع الدخل من الصادرات وقطاع السياحة.
ويعتقد جودة أنه مع استتباب الأمن والاستقرار السياسي ستعود السياحة إلى معدلاتها الطبيعية وسيزيد الإنتاج والصادرات في ظل نمو مستمر في تحويلات المصريين في الخارج، وعائدات قناة السويس مما يقضي على كل الأسباب الدافعة للدولرة، ومن ثم تحقيق استقرار لسعر الجنيه المصري وزيادة الودائع بالعملات المحلية والأجنبية على السواء، مما يوفر جزءا من التمويل اللازم لمتطلبات التنمية.
وذهبت الخبيرة المصرفية بسنت فهمي إلى أن ظاهرة الدولرة ترجع لسوء إدارة السياسة النقدية من قبل البنك المركزي، وذلك من خلال حالة التخويف المستمر من انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، أو الاستمرار في سياسة دعم سعر صرف الجنيه.
وتؤكد بسنت أن مؤشرات الاقتصاد المصري بشكل عام لازالت مبشرة باستثناء قطاع السياحة الذي يعاني من تراجع نشاطه عما كان عليه قبل الثورة.
ومن هنا فالحديث عن انخفاض احتياطي النقد الأجنبي من قبل البنك المركزي والجهاز الإعلامي أوجد حالة من عدم الاطمئنان لدى المواطنين، واهتزاز الثقة فيما لديهم من مدخرات محلية، وحرصهم على الاحتفاظ بما لديهم من عملات أجنبية.
وشددت بسنت على أن البنوك تساهم في هذه المشكلة بشكل كبير، لأنها تحصل على أسعار فائدة مرتفعة عن إقراض المستثمرين تصل إلى 12%، بينما تدفع معدلات فائدة أقل للمودعين لا تتجاوز 6% أو 7% في أحسن التقديرات، في حين يصل معدل التضخم إلى 12%، وبذلك يفضل الأفراد الاحتفاظ بمدخرات بالعملة الأجنبية بمعدلات فائدة أقل قد تصل لـ1% ولكنها بعيدة تماما عن تأثير التضخم.
وترجع بسنت هذا السلوك من قبل البنوك المصرية إلى رغبة القائمين عليها لتضخيم أرباحهم والحصول على مكافآت عالية في نهاية العام.