أبرزت التقارير حول أداء الاقتصاد المصري ما قبل الثورة تحقق فائض في ميزان المدفوعات، وهو ما كان يعد أحد الإيجابيات التي تحققها مصر، بغض النظر عن مصدر هذا الفائض.
ولكن بعد ثورة 25 يناير أصبح مؤشر العجز في ميزان المدفوعات أحد السلبيات التي تؤثر على العديد من المتغيرات الاقتصادية الأخرى في البلاد، فضلا عن التداعيات السلبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
وحسب أحدث بيانات للبنك المركزي المصري، فقد وصل عجز ميزان المدفوعات خلال الفترة من يوليو/تموز 2011 إلى مارس/آذار 2012 إلى مستوى 11.2 مليار دولار، مقارنة بعجز قدره 5.5 مليارات دولار للفترة المناظرة من العام السابق.
ويرى الخبراء ضرورة أن تركز الحكومة على معالجة هذا العجز، في حين لا يمانع البعض من اللجوء لقروض من صندوق النقد الدولي كأحد الحلول في الأجل القصير.
وقلل أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القاهرة أحمد غنيم من خطورة العجز في ميزان المدفوعات المصري، معتبرا أنه ليس هيكليا، بدليل أنه قبل الثورة كان يحقق فائضا محدودا في حدود ما بين ثلاث إلى أربعة مليارات دولار فقط.
وبعد الثورة شهد ميزان المدفوعات المصري عجزا وصل إلى 11.2 مليار دولار، ليدلّ على هشاشة الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل أساسي على موارد خارجية وريعية مثل السياحة وقناة السويس وعوائد العاملين بالخارج وصادرات النفط.
وأضاف غنيم بأن الوضع الحالي يوضح مدى ضرورة لجوء مصر لقرض صندوق النقد الدولي، حيث أثر عجز ميزان المدفوعات على احتياطيات النقد الأجنبي ووصلت الاحتياطيات لمعدلات متدنية، وما لم تتم معالجة عجز ميزان المدفوعات فمن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى خفض قيمة الجنيه المصري، وهو ما يترتب عليه ارتفاع معدلات التضخم وزيادة البطالة.
وحذر أستاذ الاقتصاد من أن كل هذه المظاهر السلبية سينتج عنها مزيد من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر، ويطالب الحكومة بسرعة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني حتى تعود السياحة والاستثمارات الأجنبية في أقرب وقت لوقف العجز في ميزان المدفوعات، مع الأخذ في الاعتبار التوجه لزيادة الأنشطة الإنتاجية وزيادة الصادرات حتى يمكن تقوية الاعتماد على مصادر لا تتأثر كثيرا بالأحداث الداخلية أو الخارجية.
وأبدى غنيم تخوفه من تراجع الصادرات خلال المرحلة المقبلة، لأن ذلك حسب رأيه سوف يضاف إلى عوامل زيادة عجز ميزان المدفوعات، وبخاصة أنه لا توجد أية ضوابط على الواردات المصرية.
واتفق الخبير الاقتصادي أحمد آدم مع غنيم في التداعيات السلبية لعجز ميزان المدفوعات، ولكنه لا يرى أهمية للجوء مصر لقرض من صندوق النقد الدولي كنوع من العلاج في الأجل القصير لعلاج عجز ميزان المدفوعات، ويؤكد آدم على أن قرض الصندوق طويل الأجل ويصرف على شرائح صغيرة لا تؤثر على أوضاع ميزان المدفوعات بصورة إيجابية كما يرى البعض.
ويطالب آدم بتبني مصر إستراتيجية لإصلاح الاقتصاد المصري ككل وعدم التركيز على الموارد الخارجية التي تتأثر بسرعة بالعوامل الخارجية أو الداخلية مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، ويرى أن السياحة والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة كانتا السبب الرئيسي للتأثير السلبي على ميزان المدفوعات المصري بعد الثورة، وإن كانت السياحة المصرية بدأت بالتعافي ولكنها لم تعد إلى معدلاتها الطبيعية.
ويؤكد على أن العجز بالميزان التجاري وزيادة الواردات كان لها دور سلبي أيضا في عجز ميزان المدفوعات، موضحا أنه كان على البنك المركزي أن يرشد من هذه الواردات وبخاصة أن مصر لا تعيش ظروفا طبيعة بعد الثورة.
وأضاف آدم أن من حق مصر أن تتصرف على أنها تمر بأزمة تقتضي وجود إجراءات استثنائية. فليست كل الواردات التي تأتي إلى مصر تمثل احتياجا حقيقيا، فمنها نحو 25% واردات استهلاكية، ولو تمت مواجهتها وترشيدها فلن تؤثر بشكل كبير على مجريات الحياة الاقتصادية في مصر، بل العكس قد تنشط حركة التصنيع المحلية.