ظل البنك المركزي المصري يقوم بكافة أعمال الحكومة المتعلقة بالعمليات المالية، من إتاحة النقد الأجنبي، أو إصدار الأذون والسندات، وكذلك تنظيم إصدار السندات الدولية، وحتى قرض تمويل توسعة قناة السويس تم بإشراف البنك المركزي.
غير أن الفترة الماضية شهدت توسعا لدور أكبر لبنوك قطاع الأعمال العام في تنظيم قروض لصالح هيئات ومؤسسات حكومية، وبخاصة تلك المتعلقة بالنقد الأجنبي، حيث قام بذلك كل من البنك الأهلي وبنك مصر بمساعدة بنوك مصرية وإقليمية.
الجديد هذه المرة هو لجوء بنك مصر إلى الاقتراض من الخارج لتدبير 250 مليون دولار لزيادة حصيلته من النقد الأجنبي، وأنه سيحصل على هذا القرض بسعر فائدة 3.5%. علما بأن بنك مصر كان قد أعلن مؤخرًا أنه بصدد تنظيم قرض بالعملة الأجنبية لصالح الشركة القابضة للكهرباء، وكذلك الهيئة العامة للبترول، وهيئة قناة السويس.
ويرى الخبراء أن الحكومة توظف بنوك القطاع العام في إطار الاقتراض الخارجي، ليبقى الدين الخارجي في حجم معين، وأن هذا المسلك يعد هروبًا من تحمل المسؤولية ومواجهة مشكلة تراجع الموارد من الدولار.
ويخشى الخبير الاقتصادي، أشرف دوابة، من توسع بنوك القطاع العام في هذا المسلك "لأنه يعرض ودائع العملاء بالنقد الأجنبي لمخاطر كبيرة" وبخاصة في ظل ارتفاع مديونية الحكومة.
وأشار دوابة -في حديث للجزيرة نت- إلى توسع بنوك قطاع الأعمال العام في مجال تنظيم قروض بالنقد الأجنبي لصالح هيئات ومؤسسات عامة، تتغول على دور البنك المركزي ووزارة المالية، ولعل الحكومة لجأت لهذه "الحيلة" للهروب من إظهار الدين الخارجي بحجمه الحقيقي، فأرادت أن توزع هذا الدين، بحيث يكون مستحقا على تلك البنوك أو المؤسسات العامة.
ويرجع دوابة هذا التخبط الحكومي لفشل السياسات الاقتصادية التي تبنتها حكومات ما بعد الانقلاب العسكري، وإفراطها في مشروعات ليس لها عائد اقتصادي مثل توسعة قناة السويس، حيث اعتمد المشروع بشكل كبير على شراء خدمات خارجية تم تمويلها بالعملة الصعبة.
ولفت الخبير الاقتصادي محمود عبد الله إلى أن الدولار أحكم قبضته على عنق الاقتصاد المصري، ويدلل على ذلك بما تناولته وسائل الإعلام مؤخرا من نتائج لدراسة لأحد البنوك العاملة بمصر، حيث أظهرت أن ديون المركزي المصري بالنقد الأجنبي فاقت أصوله، وأن هذا العجز بلغ نحو نصف مليار دولار.
وتوقع -في حديث للجزيرة نت- أن تتفاقم الأزمة خلال 2016، حيث تزيد التزامات مصر من النقد الأجنبي بنحو 2.6 مليار دولار مستحقة لـ صندوق النقد الدولي ودولة قطر، وبالتالي تشهد مصر خطوات أخرى، من قبل الحكومة أو البنوك الحكومية للاقتراض من الخارج.
وعن الإجراءات المعلنة من قبل الحكومة بتحجيم الواردات، وإمكانية أن يحد ذلك من الطلب على الدولار، قال عبد الله إن هذا الإجراء أُعلن عنه أكثر من مرة، ولم يطبق نظرا لأن المستوردين نافذون ولديهم القدرة على إجبار الحكومة على التراجع عن قراراتها.
ويتخوف الخبير الاقتصادي من أن تزداد حدة أزمة النقد الأجنبي بمصر أكثر مما هي عليه، في ظل اتجاه بنوك القطاع العام للاقتراض لصالح مؤسسات عامة، لا تدر أنشطتها عوائد بالنقد الأجنبي، باستثناء قناة السويس، فالشركة القابضة للكهرباء تقدم خدماتها في إطار محلي وعوائدها بالعملة المحلية، والهيئة العامة للبترول، لديها عجز كبير في الميزان البترولي، بعد تحول مصر لمستورد صافٍ للبترول منذ عام 2008.