أقر مجلس النواب (البرلمان) في مصر مؤخرا تشريعا يقضي بتعديل أحد مواد قانون الري بما يسمح بتحميل المزارعين أعباء جديدة، ليجد المزارع المصري نفسه محاطا بمجموعة من التحديات، لا تراعي طبيعة الأوضاع الاقتصادية، خاصة أن العائد على النشاط الزراعي هو الأقل مقارنة بباقي الأنشطة الاقتصادية الأخرى، مثل الصناعة والتجارة، أو باقي الخدمات.
وتشمل الأعباء الجديدة أنه في حال إنشاء شبكات صرف عامة مغطاة أو مكشوفة، يضاف إلى التكاليف 10% مصاريف إدارية، ويحمل كل فدان يستفيد من هذه الشبكات نصيبه منها.
ولا يعد هذا هو الأمر الوحيد في قانون الري الجديد، من حيث تحميل المزارعين تكاليف إضافية، ففي فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة الري المصرية أن تعديل المادة 38 من قانون الري، يسمح بفرض رسوم مقدارها 5 آلاف جنيه (319 دولارا) كل 5 أعوام على ماكينات الري الموضوعة على الترع العامة.
والجدير بالذكر أن قطاع الزراعة، كان من أول القطاعات الاقتصادية التي نالتها السياسات التحررية، بعد أن وقعت مصر برنامجها الاقتصادي الأول مع صندوق النقد الدولي عام 1991، حيث تم تحرير أسعار السلع الزراعية، وتم رفع الدعم الحكومي عن السماد والبذور، كما تم تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعي.
ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الحكومة المصرية ملزمة باستلام المحاصيل الزراعية من المزارعين؛ لكن الأمر يخضع للعرض والطلب.
يمثل قطاع الزراعة في مصر أهمية كبيرة، نظرا لدوره الأساسي في تحقيق الأمن الغذائي، الذي تعتمد فيه مصر على الخارج بنسبة كبيرة.
ففي الوقت الذي يحتوي فيه قطاع الزراعة 21.1% من قوة العمل البالغة 28.3 مليون عامل، نجد أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بحدود 12% فقط.
ويعد قطاع الزراعة الأكثر استيعابا للعمالة بين مختلف القطاعات الاقتصادية، ويأتي بعده قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 13.8%، وإن كانت طبيعة العمالة الزراعية في مصر، تتسم بالموسمية، وتفتقد إلى كثير من قواعد الحماية الاجتماعية.
وفي الوقت الذي بلغت فيه الاستثمارات الكلية 922 مليار جنيه (59 مليار دولار) في عام 2018-2019، فإن نصيب قطاع الزراعة منها كان بحدود 49 مليار جنيه (3.13 مليارات دولار)، وبنسبة تصل إلى 5.3% فقط.
وثمة ملاحظة مهمة تكشف عنها بيانات الكتاب الإحصائي السنوي -الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2020- وهي أن هناك تراجعا في مساحة الأراضي المنزرعة (المزروعة) خلال الفترة 2016-2019، على الرغم من الإجراءات الصارمة، التي تنفذها الحكومة المصرية، ضد من يقوم بالاعتداء على الأراضي الزراعية.
فالأرقام تشير إلى أن مساحة الأراضي المنزرعة كانت عام 2016، نحو 9 ملايين فدان، منها 6.15 ملايين فدان أراض قديمة، و2.9 مليون فدان أراض جديدة؛ ولكن في عام 2019 تراجع إجمالي الأراضي المنزرعة إلى 8.68 ملايين فدان، منها 5.98 ملايين فدان أراض قديمة، ونحو 2.7 مليون فدان أراض جديدة.
وهناك مجموعة من المشكلات المزمنة التي يعاني منها قطاع الزراعة، على رأسها تخلي الدولة عن دعم القطاع بشكل شبه كامل منذ 4 عقود، والاعتداء على الأراضي الزراعية، وتدمير أجزاء مهمة من شبكة الري والصرف في الأراضي الزراعية، والاعتماد على المياه الجوفية للري، وتراجع حصة مصر من مياه نهر النيل خلال السنوات القليلة الماضية.
أضف إلى ذلك التهديدات القائمة بشأن حصة مصر من مياه نهر النيل، بسبب الخطوات المتسارعة بتنفيذ إثيوبيا لسد النهضة، وتفتيت الحيازات الزراعية، وغياب دور التعاونيات الزراعية، وعدم وجود تجمعات أو تكتلات زراعية تدافع عن مصالح المزارعين، فضلا عن تحويل بنك التنمية والائتمان الزراعي إلى بنك تجاري، لا يعتمد أي سياسات مصرفية لدعم المزارعين.
وعلى صعيد المحاصيل الإستراتيجية، يلاحظ وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن الاكتفاء الذاتي لمحصول القمح تراجع إلى 40.3% في 2019، بعد أن كان 47.7% عام 2016، وكذلك اللحوم الحمراء حيث بلغ الاكتفاء الذاتي منها عام 2019 نحو 55%، بعد أن كان 64.6% عام 2016، ويلاحظ أن هذا التراجع حدث بعد تطبيق الإجراءات الاقتصادية الخاصة ببرنامج صندوق النقد الدولي، الذي وقعته الحكومة مع الصندوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
والجدير بالذكر أن الحكومة لجأت مؤخرا إلى تبني مشروع لتبطين الترع، والذي يغطي مساحة تبلغ نحو 7 آلاف كيلومتر من الترع، للعمل على توفير مياه الري، من خلال الحفاظ على المياه المتسربة للتربة الطينية. كما يستهدف المشروع تسهيل الانتقال من الري التقليدي إلى الري الحديث، وتبلغ تكلفة هذا المشروع نحو 18 مليار جنيه (1.15 مليار دولار)، ومن المقرر الانتهاء منه عام 2022.
تظهر القدرة التنافسية الضعيفة لقطاع الزراعة في مصر، على الصعيد الدولي، من خلال بيانات البنك المركزي المصري لعام 2019/2018، عن الصادرات والواردات الزراعية.
فبالنسبة للميزان السلعي للحبوب ومنتجات المطاحن للعام نفسه؛ يوضح التقرير أن صادرات مصر هزيلة من حيث الحبوب ومنتجات المطاحن، عند 318 مليون دولار فقط، وبما يمثل نسبة 1.1% من إجمالي الصادرات السلعية لمصر.
بينما تصل الواردات من الحبوب ومنتجات المطاحن إلى 5 مليارات دولار، وبما يمثل 7.5% من إجمالي الواردات السلعية.
وبنظرة سريعة على هذه الأرقام نجد أن العجز يصل إلى 4.7 مليارات دولار تقريبا، ومن هنا يتبين لماذا تدرج مصر كأكبر مستورد للقمح في العالم.
أما الميزان السلعي للمواد الغذائية بدون الحبوب، فنجد أن الصادرات منها للعام نفسه تبلغ 3.4 مليارات دولار، وبما يعادل نسبة 11.8% من إجمالي الصادرات السلعية، بينما الواردات تبلغ 6.3 مليارات دولار، وبما يمثل 9.5% من إجمالي السلع الزراعية. كما نجد أن هذا الميزان السلعي يفضي إلى عجز قدره نحو 2.9 مليار دولار.
أي إن العجز الإجمالي في تجارة الغذاء لمصر يصل لنحو 7.6 مليارات دولار في العام المالي 2019/2018، وهو مرشح للزيادة خلال الفترة القادمة، بسبب عدم وجود إستراتيجية لتشجيع زيادة نسب الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، وخاصة الغذائية منها