يبدو أن من شروط اتفاقية كامب ديفيد المشئومة أن تقوم مصر بدعم الاقتصاد الصهيوني, مرة ببيع الغاز المصري للكيان الصهيوني بسعر بخس مع الارتباط بعقود بيع طويلة الأمد بالسعر الرخيص, ومرة أخرى بشراء الغاز المغتصب من حقوق الفلسطينيين بسعر أعلى من السعر العالمي!
فعلى الرغم من أن دول العالم تشتري الغاز بأقل من 3 دولارات للمليون وحدة حرارية فإن مصر قد تشتري الغاز الاسرائيلي عبر شركات خاصة بسعر من المتوقع أن يصل إلى 8 دولارات, بحسب المعلومات المسربة.
وتشير تحليلات إلى أن السعر قد ينخفض قليلا في حال العقود طويلة الأجل مما يؤكد صحة المعلومات المسربة والمقدرة لقيمة الصفقة بعشرين مليار دولار لمدة 15 عاما مما يعتبره مراقبون بأنها صفقة مغرية للكيان الغاصب.
وبعد أن كانت مصر تصدر الغاز الطبيعي لإسرائيل منذ منتصف التسعينيات، ستصبح مصر هي من تستورد الغاز في عام 2019/2020، بواقع 4 مليارات مكعب من الغاز سنوياً، ولفترة تمتد من 10 – 15 سنة، ما يمهد لتبعات اقتصادية شديدة السلبية تقوم الحكومة المصرية حاليا بتهيئة الأرضية لها، إذ سيتم بموجبها السماح للقطاع الخاص استيراد الغاز الطبيعي لنفسه، أو تسويقه للغير، وأن ترتفع تكاليف الإنتاج بشكل كبير ، لتضيف عقبة جديدة أمام الصناعة والاستثمار في مصر.
خبراء الطاقة المصريون سبق وحذروا في مطلع الألفية الثالثة حكومتهم آنذاك من مغبة الاستمرار في استرتيجية تصدير النفط والغاز الطبيعي، لأسباب مرتبطة بقرب تعرض ثروة مصر النفطية للنضوب، إضافة إلى متطلبات التنمية التي كانت الحكومات المصرية تعلن عنها، بهدف تحقيق معدلات نمو اقتصادي لا تقل عن 7%.
لكن الحكومات المتعاقبة، استمرت في تصدير النفط والغاز الطبيعي، دون اعتبار لمتطلبات المستقبل، الأمر الذي يمكن اعتباره إهدارًا للثروة الطبيعية، وبيع بأسعار تقل عن متوسط سعر البيع العالمي وتهديدا للأمن القومي المصري.
ونشرت وسائل إعلام أن الحكومة المصرية ليست طرفًا في الصفقة المتوقعة، وأنها لا تمانع في استيراد الغاز من أية دولة بالعالم، بما فيها إسرائيل، اتساقا مع ماوصلت إليه مصر منذ عام 2008، إذ أصبحت مستورداً صافياً للطاقة، وخرج النفط من حزمة الموارد الرئيسة للنقد الأجنبي، وحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تشهد وضعاً مأزوماً في توفير الطاقة بشكل عام، وفي الغاز الطبيعي بشكل خاص، رافقه انخفاض في معدلات الإنتاج.
وتبين معلومات جهاز الإحصاء أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي في سبتمبر 2014 بلغ 3.011 مليون طن، وتراجع في سبتمبر 2015 إلى 2.686 مليون طن، أي أن قيمة التراجع بلغت 325 ألف طن خلال فترة المقارنة، وبنسبة تراجع بلغت 10.7%.
أما عن وضع الاستهلاك في مصر من الغاز الطبيعي، فتشير نفس النشرة أيضاً أنه كان في سبتمبر 2014 نحو 2.962 مليون طن وارتفع في سبتمبر 2015 إلى 3.071 مليون طن، أي أن الاستهلاك زاد بنحو 109 ألف طن، وبنسبة زيادة تصل إلى 3.6%.
القراءة الأولية للفارق بين كميات الإنتاج والاستهلاك للغاز الطبيعي بمصر، قد لا توحي بوجود مشكلة كبيرة، ولكن الحقيقة التي تظهر حجم المشكلة أن هذه الكميات المنتجة من الغاز الطبيعي بمصر، تواجه تحديين:
الأول هي حصة الشريك الأجنبي التي تصل إلى نحو 40%،
وثانياً التزامات مصر السابقة بعقود تصدير لعقود طويلة الأجل، وهذان الأمران يمنعان مصر بشكل كبير من التمتع بحصتها من إنتاج الغاز، على الرغم من ضآلة حجم الإنتاج, مما يجبرها على استيراد الغاز الطبيعي، للوفاء بمتطلبات الصناعة، واحتياجات المنازل والاستخدامات غير الصناعية الأخرى.
تقديرات الخبراء منذ نحو عشر سنوات، تشير إلى أن استهلاك مصر من الطاقة يتزايد بنسبة 3% سنويا، ولكن المعدلات الحالية في ظل تراجع الإنتاج وزيادة الاستهلاك، ترشح هذه التقديرات للزيادة، في ظل أزمة تمويلية، يتوقع لها أن تستمر على الأقل في الأجل المتوسط بحسب الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، لافتا إلى أن الصفقة تعبير مصري صارخ على غياب استراتيجية قومية فعلية، في مجال الطاقة، كما تم خلال العقود الماضية، فنجدها تعالج قضية الطاقة في إطار وقتي، مثل إتاحة تمويل الهئية العامة للبترول لسداد مديونيتها للشركات الأجنبية، أو التوجه للاستيراد من خلال تسهيلات ائتمانية من الحلفاء الخليجيين، أو من خلال التوسع في الدين الخارجي، وتناست الحكومة متعمدة ما ساقته قبل سنوات من اكتشافها لحقل غاز ضخم على سواحل البحر المتوسط من خلال شركة ايطالية قبل فضيحة ريجيني .
ويضيف الصاوي: مهمة الحكومة المصرية ليست الحصول على تعريفة استخدام القطاع الخاص لخط الغاز الطبيعي، أو مراكب تسييل الغاز التي تم استئجارها مؤخراً، فالحكومة ليست مجرد جابٍ، ولكنها مسؤولة عن تخطيط التنمية، لانتشال الفقراء من حالتهم المتردية، وتحسين أسواق العمل، وتحقيق معدلات نمو حقيقية، تعمل على تحسين الناتج المحلي الإجمالي، وتسعى لتوزيع عادل للثروة.
وينص الدستور المصري، على عرض الاتفاقيات الدولية قبل بدء العمل بها، على البرلمان ليوافق عليها، ولكن يبدو أن حكومة “شيحا” ستخرج من هذه الإشكالية, بأن تحيل العلاقة في شأن استيراد الغاز إلى شركة قطاع خاص, في الغالب ستكون تابعة للمخابرات المصرية أو ستارًا لها.
وعلى الرغم من شراكة الحكومة المصرية في تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرئيل في التسعينيات، عبر شركة البحر المتوسط المملوكة لحسين سالم، فإن هذه العقود ظلت بعيدة عن البرلمان المصري، ولم يمارس بحقها دوره الرقابي، رغم إصرار المعارضة قبل ثورة 25 ينار على منع هذه الاتفاقية لاعتبارات قومية واقتصادية.
وثمة إشكالية قانونية أخرى ستكون عقبة أمام صفقة تصدير الغاز من إسرائيل لمصر، وهي الخاصة بموقع الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، حيث تم توقيع اتفاقية بهذا الشأن بين مصر وقبرص وإسرائيل، رسمت حدود مصر خارج منطقة حقل الغاز.
وتبقى هذه الاتفاقية دون تفعيل، حتى يصادق عليها البرلمان، ولكن في ضوء طبيعة البرلمان القائم، يمكن تمرير الاتفاقية، حتى لو كانت تحمل بين طياتها خسائر اقتصادية وأمنية كبيرة لمصر.
وكما فعلت مصر في التسعينيات بتصدير الغاز الطبيعي عبر شركة البحر المتوسط، لرجل الأعمال حسين سالم، يحدث هذه المرة نفس الفعل، حيث تصدر شركة دولفتيوس القابضة المصرية، المملوكة لمجموعة من رجال الأعمال، على رأسهم علاء عرفة، وهو رجل أعمال يعمل في مجال النسيج وأحد المستفيدين من اتفاقية الكويز التي تعمل على توثيق العلاقة مع إسرائيل.
وكانت «ديليك» الإسرائيلية للتنقيب أحد شركاء مجموعة «تمار» الإسرائيلية للغاز البحري قالت في نوفمبر2014 إن المجموعة ستمد خط أنابيب تحت المياه إلى مصنع تصدير في مصر تديره «يونيون فينوسا جاس» الأسبانية.
ومصنع «يونيون فينوسا جاس» في دمياط متوقف عن العمل منذ 2012 حينما دفع نقص الغاز الحكومة المصرية إلى تحويل الإمدادات لسد الطلب المحلي المتنامي.
ويشكّل تغلغل الإمدادات الإسرائيلية أخطارا على الأسواق العربية بحسب وليد خدوري الكاتب العراقي المختص في شؤون الطاقة تتمثل في:
أولا: توفير أسواق قريبة للكيان الصهيوني تمتدّ إليها الأنابيب الإسرائيلية بتكاليف قليلة، مقارنة بتشييد أنابيب طويلة الى أوروبا.
ثانيا: تؤمّن الاتفاقات المنعقدة مع أسواقٍ عربية ضماناتٍ للشركات الدولية وشركائها من الشركات الإسرائيلية، وفرصة للاقتراض من المصارف وتوفير السيولة المالية اللازمة لتطوير حقول الغاز الإسرائيلية.
ثالثا: يؤمّن توريد إسرائيل الغاز لأسواق عربية مهمة، دورا مهما لها في تقرير أسعاره، وبالتالي أسعار الكهرباء في هذه الدول، ما يعني أن تغلغلها هذا سيفتح لها المجال للعب دور مهم في اقتصادات هذه الدول وصناعاتها.
رابعا: وأخيرا سيعرقل وجود شركات إسرائيلية في قطاع الغاز في الأسواق العربية، إمكان دخول شركات عربية الأسواق ذاتها في المستقبل.