تحول الاستثناء إلى قاعدة في ما يخص اعتماد الموازنة المصرية، فمنذ عام 2011 اعتمدت موازنات الدولة من قبل المجلس العسكري أو رئيس الجمهورية بسبب غياب البرلمان باستثناء العام المالي 2013/2014 الذي اعتمد موازنته مجلس الشورى المنتخب.
واعتماد الموازنة العامة للدولة من الأعمال الأصيلة للبرلمانات في كل دول العالم، ويذهب بعض علماء الاقتصاد إلى أن نشأة البرلمانات ارتبطت بالموازنة، ولكن مصر تعيش حالة استثنائية.
وبعد حكم المحكمة الدستورية بقبول الطعن على قانون الدوائر الانتخابية أصبح في حكم المؤكد أن موازنة العام المالي 2015/2016 سيتم اعتمادها بعيدا عن البرلمان، بسبب استحالة انعقاده قبل 30 يونيو/حزيران 2015.
وفي حين يرى بعض الخبراء أن اعتماد الموازنة في غياب البرلمان تترتب عليه سلبيات كثيرة يرى البعض الآخر أنه إجراء دستوري وحق لرئيس الجمهورية، وأن من حق البرلمان بعد تشكيله أن يناقش ما يراه مخالفا بالموازنة.
رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى سابقا محمد الفقي صرح للجزيرة نت بأن المهم في هذه القضية أن يكون في مصر برلمان حقيقي حتى يمكن الحديث عن السلبيات التي تتحقق لغيابه عند اعتماد الموازنة العامة للدولة.
وأضاف الفقي أنه حتى لو وجد البرلمان قبل نهاية يونيو/حزيران القادم فإن حضوره والعدم سواء في ما يتعلق باعتماد الموازنة، لأنه سيكون برلمانا معبرا عن الانقلاب وقيادته قبل أن يكون معبرا عن الشعب ومشكلاته التي تتفاقم يوما بعد يوم.
ويؤكد الفقي على أنه في ظل الأوضاع غير المقبولة بمصر بعد الانقلاب فإن غياب البرلمان عن اعتماد الموازنة يكرس العديد من السلبيات، منها غياب المشاركة المجتمعية، حيث لا تعقد جلسات استماع لمنظمات المجتمع المدني، ومجتمع الأعمال، وبالتالي لا يوجد من يعبر عن مشكلات المجتمع بشكل حقيقي.
ويبين الفقي أنه في ظل غياب البرلمان يتم تخصيص الإنفاق على رغبة الحكومة، ولا تتم محاسبتها بشكل صحيح عن توزيع عادل للإنفاق الذي يجب أن يركز على قضايا العدالة الاجتماعية التي كانت أحد أسباب ثورة 25 يناير.
وكشف الفقي أنه في غياب البرلمان سيتم تمرير كافة المخالفات الحكومية، وتجاوز عجز الموازنة في السنوات الماضية دون مناقشة أو حساب، أو معرفة مبررات تجاوز العجز المستهدف، كما سيتم اعتماد الحساب الختامي لموازنة العام المالي الحالي بنفس طريقة اعتماد الموازنة بعيدا عن البرلمان.
وأشار الفقي إلى أن الحكومة ستمرر مخصصات كافة الهيئات الاقتصادية العامة البالغ عددها 58 هيئة، وتحقق جميعها خسائر باستثناء قناة السويس، وتصل مديونياتها لنحو 68 مليار جنيه مصري.
ومن وجهة نظر الفقي تعد الهيئات الاقتصادية واحدة من أكبر بوابات إهدار الموارد الاقتصادية بمصر على الرغم من تضخم حجم استثماراتها.
أما الباحث الاقتصادي محمد رمضان فيرى أن اعتماد الموازنة من رئيس الجمهورية في حالة غياب البرلمان حق دستوري، ولا تشوبه أي مخالفة. وصرح رمضان للجزيرة نت بأن الموازنة المصرية فيها مشكلات هيكلية، وفي حالة وجود البرلمان لن يملك أمامها سوى المناقشة وإقرارها في النهاية للاعتبارات التمويلية.
وبسؤال رمضان عن مشكلة غياب المشاركة المجتمعية من جانب المجتمع المدني ومجتمع الأعمال لمناقشة الموازنة في جلسات البرلمان بالموازنة أجاب بأن هذا الأمر يتحقق على مدار السنوات الماضية في ظل غياب البرلمان من خلال دعوة مجلس الوزراء هذه الفئات في جلسات مختلفة قبل إقرار الموازنة واعتمادها.
ويؤكد رمضان على أن معالجة قضية الدعم من قبل الحكومة بالطريقة الحالية لا مفر منها، وإن كان لها مردود سلبي في الأجل القصير، ولكن سيؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيف العبء عن الموازنة خلال السنوات المقبلة، وبما يعطي الفرصة للحكومة لتوجيه أموال الدعم لصالح مخصصات تهتم بالفقراء في المؤسسات العامة في مجالات التعليم والصحة.
ويبين رمضان أن من حق البرلمان بعد تشكيله أن يناقش كل ما يراه مخالفا في الموازنة العامة للدولة من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة، وليس بالضرورة إعادة مناقشة الموازنة.