على الرغم من ثقة المصريين في أن القادم أفضل، سياسيا واقتصاديا، فإن هناك حالة من الترقب والقلق لدى الكثيرين بخصوص مستقبل الوضع الاقتصادي للبلاد، وذلك بسبب حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي لدى حكومة تسيير الأعمال برئاسة عصام شرف.
ولم تأت هذه الهواجس من فراغ، ولكنها وليدة مشكلات حقيقية، منها ما يرتبط بسلبيات اقتصادية قديمة، ومنها ما هو وليد أحداث ثورة 25 يناير/كانون الأول الماضي.
نص الإعلان الدستوري الذي وضع على أساس نتائج استفتاء 19 مارس/آذار الماضي على أن "الاقتصاد يقوم في جمهورية مصر على تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ على حقوق العمال".
ويفهم من هذا النص أن النشاط الاقتصادي متروك للقطاعين العام والخاص، مع احترام الملكية الخاصة وحقوق العمال، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.
ولكن هناك مخاوف تجاه الدور الاقتصادي للدولة خلال المرحلة القادمة، حيث تم تعيين نحو 450 ألف عامل جديد بالجهاز الحكومي الذي يعاني بطالة مقنعة، ليصل عدد العاملين إلى نحو مليونين ونصف.
ومن الملفات المطروحة أيضا استمرار سياسة الدعم دون إجراء لترشيده، سواء الموجه للغذاء أو الطاقة، حيث بلغ الدعم في مشروع الموازنة الحالية 22 مليار دولار مقابل 20 مليار دولار العام الماضي.
اتجهت حكومة الثورة إلى وضع حد أدنى للأجور لموظفي الدولة يبلغ 117 دولارا شهريًّا، على أن يصل الحد الأدنى للراتب 201 دولار شهريًا في غضون خمس سنوات. ولكن العقبة هنا أن القطاع الخاص لا يزال بعيدًا عن الانخراط في هذه الخطوة بدعوى أنها ستزيد من تكاليف الإنتاج.
ويُخشى أن يؤدي إلزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور المذكور، إلى وقوع عمليات تسريح للعمال لتعويض هذه الزيادة في الأجور، أو إحجام هذا القطاع عن إيجاد وظائف جديدة.
ويفضل أن يتم التوصل إلى هذا الحد الأدنى عبر التفاوض بين العمال وأرباب العمل والحكومة، وأن يقبل العمال مؤشر ربط الأجر بالإنتاجية.
تضمن مشروع الموازنة الحالية خطوات لتحقيق ما يسمى العدالة الضريبية، بحيث يخضع من يحقق أرباحًا تزيد عن 1.6 مليون دولار لضريبة نسبتها 25% بدل 20%.
ويعترض بعض المختصين على فرض ضرائب جديدة في هذا التوقيت بسبب ضررها على مناخ الاستثمار، وإن كانوا يوافقون على مبدأ الضرائب التصاعدية، ويدعو آخرون إلى تحصيل المتأخرات الضريبية المقدرة بنحو 3.3 مليارات دولار.
وفي الوقت نفسه تتم محاربة التهرب الضريبي، حيث تشير بيانات وزارة المالية إلى أن نحو 50% من ضرائب الدخل تأتي من هيئتي قناة السويس والبترول، ولا يساهم النشاط التجاري والصناعي في العائدات الضريبية إلا بـ0.7 مليار دولار، أي ما دون 50% مما يدفعه الموظفون.
"
من الخطوات الإيجابية لتقليص حجم الديون التراجع عن قروض أجنبية غير أن الموازنة العامة خلت من أي إشارة إلى كيفية سداد الدين العام
"
وصل الدين العام وفق تقديرات الموازنة العامة نحو 201 مليار دولار وهو ما يمثل 81% من الناتج المحلي الإجمالي، المقدر له أن يصل في مرحلة 2011/2012 زهاء 251 مليار دولار، وبهذا الشكل فإن نسبة الدين مرتفعة عن المعدل المسموح به وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي في الحد الأقصى.
ومن الخطوات الإيجابية التي اتخذت لتحجيم الدين العام التراجع عن توقيع اتفاقيات اقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بما مجموعه 10 مليارات دولار سنويًّا. ومع ذلك فإن الموازنة الجديدة خلت من الإشارة إلى تبني برنامج لسداد الدين العام، لاسيما الديون المحلية.
ويرى مختصون أن تعتمد الحكومة سندات الإيراد آلية لتمويل بعض المشروعات الحكومية، وهي –أي سندات الإيراد- صكوك يتم تمويلها من الأفراد والمؤسسات لصالح إنشاء بعض المشروعات التي تحقق إيرادات بعد تشغيلها، على أن يكون سداد هذه القروض والعائد عليها من خلال عائدات المشروعات.