الرئيسية / مصر / عمالة مصر بإسرائيل مذلة الحاضر وخطر المستقبل

عمالة مصر بإسرائيل مذلة الحاضر وخطر المستقبل

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 29-03-2009
  • 222
عمالة مصر بإسرائيل مذلة الحاضر وخطر المستقبل
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

نحو 6 ملايين مصري يعملون خارج مصر، تتجاذبهم بلدان عدة، ولكن توجه البعض إلى دولة الكيان الصهيوني هو الأمر الذي دفعت إليه اتفاقية كامب ديفيد، حيث اعتبرت الاتفاقية إسرائيل دولة جوار، وأن العلاقات بين البلدين هي علاقة سلم، وإن كانت المؤسسات المصرية لا تسمح بالسفر بطريقة رسمية للعمال إلى إسرائيل.

معظم من يسافرون إلى دولة الكيان الصهيوني يسلكون طرقا غير شرعية أو غير قانونية، وبعضهم ممن يذهبون إلى هناك عبر العمل في المنظمات الدولية، سواء في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل بالكامل أو تلك الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وإن كان الغالب الأعم هو لمن ذهبوا للعمل في دولاب الاقتصاد الإسرائيلي بصورة فردية وبشكل غير شرعي.

ولا توجد إحصاءات رسمية يمكن الاعتماد عليها، ولكنها أرقام تقديرية تتراوح بين 20 و 30 ألف عامل، وفي تقديرات أخرى أنهم لا يتجاوزون 8 آلاف عامل، وتحاول معظم الأرقام الصادرة عن دولة الكيان الصهيوني زيادة العدد لعدة أسباب، منها الظهور أمام الرأي العام العالمي بأنها دولة محبة للسلام، وأنها تسمح للعرب والمصريين على وجه الخصوص بالعمل داخل أراضيها، ومن جهة أخرى إغراء مزيد من الشباب بالسفر إلى هناك من أجل توطيد مشروع التطبيع مع مصر والعرب، وإن كانت المصادر المصرية تحاول أن تقلل من هذه الأرقام.

حقوق مهدرة

وأيا كان حجم الأرقام فإن مجرد وجود عمالة مصرية في إسرائيل يطرح كثيرا من التساؤلات حول أبعاد هذه القضية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

فالأصل في هجرة العمالة أن تكون من خلال طرق شرعية وعقود موثقة تحفظ حق العامل المهاجر في حياة كريمة، ولكن كل من هاجروا إلى إسرائيل بغرض العمل سلكوا طرقا غير شرعية؛ وبالتالي فجميع حقوقهم معرضة للإهدار، من حيث الأجر وساعات العمل والتأمين الصحي والحق في أيام الإجازات العادية أو السنوية، وفيما تتناوله بعض الصحف الأجنبية عن أوضاع العمالة المصرية في إسرائيل خير دليل على إهدار حقوق هؤلاء العمال من حيث الآتي:

*مجالات العمل المتاحة في الغالب في قطاع البناء والتشييد، وهى المجالات التي تتطلب مجهودا عضليا، وتذكر بعض وسائل الإعلام أن معظم هؤلاء العاملين يقومون بالعمل في إقامة الجدار العازل والمستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة.

*لأجور التي يحصلون عليها متدنية مقارنة بما يحصل عليه أقرانهم من الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو الجنسيات الأخرى، فمتوسط الأجر الشهري لهم في حدود 1000 دولار.

*تعرض هؤلاء العمال لملاحقات الشرطة الإسرائيلية ومؤسسة الهجرة، مما يجعلهم يقومون بعملية تحويل لكل ما يحصلون عليه من أجر إلى خارج إسرائيل.

*تدني مستوى المعيشة لهؤلاء العمال، حيث يقيمون في أماكن غير مؤهلة للسكن الآدمي من أجل توفير المال، حيث إن أجورهم لا تسمح لهم بالإقامة في منازل تصلح للسكن.

*الفرصة البديلة لهؤلاء العمال بالهجرة إلى بلدان أخرى سواء كانت إلى بلدان عربية أو غيرها متاحة، وقد تكون بشكل أو آخر أفضل مما هم فيه الآن، فوجود نحو 6 ملايين مصري يعملون بالخارج تعني أن استيعاب عدد 10 آلاف أو أكثر – سواء كانوا 20 ألفا أو 30 ألفا - أمر ممكن، وبخاصة في الدول العربية التي تعج بوجود العمالة غير العربية وفي نفس مجالات العمل.

رسالة للحكومة

وتعتبر حالة تلك العمالة رسالة عالية الصوت للحكومة المصرية لإيجاد حلول جادة لمشكلة البطالة التي تعتبر أهم الأسباب التي دفعت بهؤلاء العمال للهجرة إلى إسرائيل، ولعلنا نذكر ما تسوقه وسائل الإعلام من القبض على بعض المصريين المتوجهين للسفارة الإسرائيلية للحصول على تأشيرات عمل، وهؤلاء وإن كان عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أنه يمكن قراءة تصرفهم على أنه نوع من الضغط على الحكومة المصرية من أجل إيجاد فرص عمل لهم في مصر أو غيرها.

وتشير التقديرات الحكومية المصرية إلى أن حجم العاطلين عن العمل يقدر بنحو 9 أو 10% من قوة العمل، ويصبح الأمر أكثر صعوبة في ظل أداء اقتصادي ضعيف، ووجود داخلين جدد لسوق العمل يقدر بنحو 750 ألف فرد سنويا.

وذكرت دراسة حديثة للدكتور نجلاء الأهواني، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن هناك اختلالات خمسة في هيكل البطالة في مصر، هي: معدل البطالة المرتفع (8.9% حسب إحصاءات عام 2007)، وبطالة الشباب في الفئة العمرية من 20 إلى 29 عاما والتي بلغت 73.3%، وارتفاع البطالة بالريف (7%)، بطالة الإناث (18.6% مقابل 5.6% للذكور)، وبطالة الفقراء (12% مقابل 7% للأغنياء)، ويزيد من مشكلة البطالة أنها تصل لأكثر من 90% بين خريجي المدارس الفنية.

ويفرض هذا الأمر على الحكومة المصرية الاعتناء بخريجي مؤسسات التعليم بشكل عام، وخريجي المدارس الفنية بشكل خاص، حتى يمكنهم الاندماج في سوق العمل في مصر أو خارجها بعيدا عن سوق العمل في إسرائيل التي يتعرضون فيها لهدر الحقوق، كما يجب على الحكومة أن يكون لديها أجندة حقيقية للاعتناء بظروف عمل المصريين في الخارج والمحافظة على حقوقهم، ومنعهم من الهجرة لأماكن عمل تحيط بها العديد من المخاطر الأمنية والاجتماعية كما هو الحال في إسرائيل.

الأمر جد خطير

ولا نحتاج لتأكيد أن التعامل مع هذه الرسالة لابد أن يأخذ منحى جديا، وأن يتم على وجه السرعة، فالأبعاد الاجتماعية والأمنية المستقبلية لهذه المشكلة تستحق الاهتمام، فمعظم المهاجرين للعمل إلى إسرائيل هم من الحاصلين على المؤهلات المتوسطة الذين تزداد معدلات البطالة بينهم، وهؤلاء في حالة توافر فرص عمل لهم في إسرائيل يشجعون غيرهم على الهجرة إلى هناك عبر الطرق غير الشرعية، وهو ما يجعل الفرصة متاحة أمام إسرائيل لتجنيد البعض منهم من أجل التجسس على مصر، ومحاولات إلحاق البعض الآخر بالعمل في الجيش الإسرائيلي؛ بغية الحصول على ما لديهم من معلومات عن الفترات التي قضوها في الخدمة العسكرية بمصر.

فعلى الرغم من مرور نحو 30 سنة على توقيع اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، فإن دولة الكيان الصهيوني لم تكف عن محاولات العبث بالأمن القومي المصري من خلال القيام بعمليات التجسس، فلا يمر عام إلا ويعلن عن وجود عملاء لإسرائيل يقومون بعمليات تخابر على مصر.

وكان المجال الاقتصادي هو المجال الأشهر الذي نفذت منه إسرائيل للتجسس على مصر، ولعل القضية الأشهر هي قضية الجاسوس عزام عزام الذي كان يعمل في مجال النسيج وفي وسط الشركات التي تعمل في قلب القاهرة.

وختاما.. فإن استيعاب إسرائيل للعمالة المصرية هو جزء من مشروعها الرامي إلى الفصل بين المسارين السياسي والاقتصادي، بحيث تستمر في احتلال فلسطين وتستفيد من العلاقات الاقتصادية مع البلدان العربية، ولكن يجب أن تعي الدول العربية هذا المخطط الذي يجلب لها المذلة في الحاضر والخطر في المستقبل.