في إطار سعي مصر لتطوير علاقاتها الاقتصادية الخارجية، ستشهد مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمرًا يضم ثلاثة تكتلات اقتصادية أفريقية في الفترة من 7 إلى 10 يونيو/حزيران القادم.
ويتوقع أن يسفر المؤتمر عن توقيع اتفاقية منطقة تجارة حرة للتكتلات الثلاثة التي قدّر المسؤولون المصريون عدد دولها بنحو 26 دولة.
انكفاء مصر على نفسها
تراجع العلاقات التجارية
حاجة الطرفين للاستثمارات الخارجية
فقدان مصر لقوتها الناعمة
وتمتد علاقات مصر المتعددة مع دول القارة الأفريقية لفترة طويلة مضت، إلا أنها تقلصت على مدار العقود الثلاثة الماضية بسبب انكفاء القاهرة على نفسها تأثرًا بمشكلاتها الاقتصادية، وتراجع دورها سياسيًا وثقافيًا في القارة السمراء، ليحل مكانها شركاء جدد.
وتمثل استعادة مصر لمكانتها المفقودة في أفريقيا تحديًا كبيرًا بسبب توجه دول ذات ثقل اقتصادي عالمي نحو أفريقيا، مثل الصين والولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي. وتقيم تلك الدول علاقات إستراتيجية مع القارة الأفريقية، تتطور بشكل ملحوظ على صعيد التجارة والاستثمار، من خلال عقد مؤتمرات دورية.
وقد أتت الدعوة المصرية للتكتلات الأفريقية الثلاثة (كوميسا، وساداك، وتجمع شرق أفريقيا)، لتقتصر على أقل من 50% من إجمالي دول قارة أفريقيا التي تضم 56 دولة. كما أن تجمع الكوميسا الذي يضم 20 دولة أفريقية، يمثل عصب هذه التكتلات الثلاثة، فكل أعضاء الساداك أعضاء في الكوميسا باستثناء تنزانيا وموزمبيق.
ومن حق أي دولة أن تكون لها طموحاتها في إطار علاقاتها الخارجية الاقتصادية، وفي غيرها من المجالات. إلا أن مصر في ضوء تجاربها الماضية، وفي ضوء إمكانياتها الحالية، تظل علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا مجرد أمنيات لا ترقى إلى طموحات يمكن ترجمتها إلى واقع معيش. ويُستدل على هذه النتيجة من خلال الشواهد الآتية:
تشير بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي المصري لعام 2013/2014 إلى أن حجم التبادل التجاري لمصر مع الدول الأفريقية غير العربية، لا يتجاوز المليار دولار. فقد زادت الصادرات السلعية المصرية لهذه الدول بنسبة 8.1% خلال العام، لتصل إلى 500 مليون دولار، استحوذت منها كينيا على 22.7%، وإثيوبيا على 19.3%، وجنوب أفريقيا على 11.2%.
"
تمثل استعادة مصر لمكانتها المفقودة في أفريقيا تحديًا كبيرًا بسبب توجه دول ذات ثقل اقتصادي عالمي نحو أفريقيا، مثل الصين والولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي
"
أما الواردات السلعية المصرية من هذه الدول فتراجعت في العام نفسه بنحو 15.2% لتصل إلى 500 مليون دولار، استحوذت كينيا منها على 42.2%، وجنوب أفريقيا على 12%، وزامبيا على 5.8%.
ولعل تعاملات مصر في إطار تجمع الكوميسا تساعد على زيادة حجم تعاملاتها التجارية مع أفريقيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري لمصر مع الكوميسا عام 2013 -وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر- نحو 3.5 مليارات دولار، تحقق القاهرة منها فائضًا تجاريًا يصل إلى 2.5 مليار دولار.
لكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن رفع قيمة تجارة مصر مع الكوميسا يرجع بالأساس إلى ارتفاع حجم تجارتها مع دولتين عربيتين بالكوميسا وهما ليبيا والسودان، حيث تمثل تجارتهما 64% من حجم تجارة مصر مع الكوميسا، وبما يعادل 2.2 مليار دولار في العام نفسه.
وحسب تصريح وزير التجارة والصناعة المصري منير فخري عبد النور، فإن تجارة مصر مع أفريقيا -بما فيها الدول العربية الأفريقية- لا يزيد عن 4.5 مليارات دولار، وبما يمثل نحو 5.2% من إجمالي تجارة مصر الخارجية البالغة 85 مليار دولار.
ولا تمثل الصادرات والواردات بين مصر وأفريقيا حالة من التكامل، لكن يلاحظ أن منتجات الطرفين متنافسة، بمعنى أن كليهما ينتج نفس المنتجات من مواد أولية وصناعات تقليدية. فمثلا صادرات مصر لأفريقيا هي: الألومنيوم، ومنتجات البترول، والسجاد والموكيت، والسيراميك، والأثاث، والأسمدة، والمبيدات الحشرية، والإسمنت، وحديد التسليح، والأرز، والمنسوجات. أما وارداتها من القارة السمراء فتنحصر في: الشاي، والبن، والكاكاو، والبقول، والتبغ، والسمسم، والجلد الخام، ومواد الدباغة، والخلاصات النباتية والعطرية، والإبل الحية.
ولا تشمل التجارة بين الطرفين متطلبات كل منهما، وهو ما يجعلها بحاجة للجوء إلى الصين أو أوروبا وغيرهما لاستيراد هذه السلع.
وبذلك ستكون معدلات التجارة مستقبلا بين مصر وأفريقيا محدودة للغاية، ما لم يغير أحد الطرفين سياسته الإنتاجية. وبذلك فإن إنشاء منطقة تجارة حرة تضم التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة غير ذي جدوى، لتنافس المنتجات من جهة، ولأن ميزة منطقة التجارة الحرة توفره عضوية معظم دول هذه التكتلات بمنظمة التجارة العالمية من جهة أخرى.
من خلال مطالعة الدول الأعضاء المشاركة في التجمعات الاقتصادية الأفريقية المدعوة للمشاركة في مؤتمر شرم الشيخ، يلاحظ أنها جميعًا من الدول المتلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذات مساهمة قليلة تكاد لا تذكر في مجال تصدير الاستثمارات الأجنبية.
"
الأزمة التمويلية التي تمر بها مصر تجعلها عاجزة عن توطيد علاقاتها مع دول التكتلات الأفريقية عبر ضخ استثمارات في مشروعات التنمية
"
ولا يخفى على أحد الأزمة التمويلية التي تمر بها مصر، من عجز بالموازنة يصل إلى 32 مليار دولار سنويًا، وتفاقم الدين العام ليتجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن تراجع في الصادرات وزيادة في الواردات على مدار العامين الماضيين، مما يعمق من أزمة مصر التمويلية التي تجعلها عاجزة عن توطيد علاقاتها مع دول تلك التكتلات عبر ضخ استثمارات في مشروعات التنمية بدول أفريقيا.
وثمة وجود لمصر في مجالات الاستثمارات بأفريقيا بشكل عام، يتمثل في مجال الاتصالات والمقاولات، ولكنها استثمارات محدودة، ومملوكة في الغالب للقطاع الخاص المصري الذي يمكنه التخلي عن تلك الاستثمارات لصالح الأجانب في أي وقت يجد فيه عائدًا مغريًا، على غرار ما فعله داخل مصر خلال العقدين الماضيين.
كانت مصر تمتلك أدوات أخرى في أفريقيا بخلاف الجانب المادي الملموس، من خلال الأزهر والكنيسة، وإن كان دور الأزهر أكثر ملاءمة لاحتياجات الدول الأفريقية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، عبر تقديم المنح الدراسية لطلاب أفريقيا، وكان للأزهر النصيب الأكبر من هذه المنح.
كما دفع الأزهر عبر سنوات وحتى الآن، ببعثات تعليمية في الدول الأفريقية، لكن توجه هذه الدول التنموي حاليًا يجعلها تغض الطرف عن البعثات التعليمية في العلوم الإسلامية وتتجه نحو مجال العلوم التطبيقية التي تتميز فيها دول أخرى غير مصر. وحتى في مجال العلوم الإسلامية فقد شرعت السعودية والسودان في منافسة مصر أفريقيًا في هذا المجال.
وبعد تناول نقاط الضعف التي تواجه طموح مصر في تنمية علاقاتها مع أفريقيا خلال الأيام القادمة، نجد أن مؤتمر شرم الشيخ للتكتلات الاقتصادية الأفريقية لا يعدو أن يكون نوعا من التسويق السياسي للانقلاب العسكري بمصر، ولن يغير من خريطة التجارة أو الاستثمار بين مصر وباقي الدول المشاركةفي بالمؤتمر.
فالحديث عن هذا المؤتمر تلا مباشرة مؤتمر "مصر المستقبل" الذي عقد بمدينة شرم الشيخ في مارس/آذار الماضي، لتستكمل القاهرة تسويق نفسها دوليًا وإقليميًا على الصعيد السياسي عبر البوابة الاقتصادية.
وثمة شاهد مهم يدلل على عجز مصر الاقتصادي في إدارة ملفاتها مع أفريقيا، أن القاهرة -على مدار أكثر من عقد من الزمن- فشلت في تحجيم التدخل الخارجي في إدارة ملف مياه نهر النيل، وانتهى الأمر بتنفيذ إثيوبيا لسد النهضة.
ولم يكن في يد مصر خلال الفترة الماضية من الأوراق الاقتصادية ما يمكن من خلالها أن تضغط على دول حوض النيل باتجاه عدم إقامة هذا السد، الذي سيؤثر على حصتها من المياه مستقبلا، وما يتضمنه ذلك من آثار سلبية على التنمية في مصر.