الرئيسية / مصر / سياسات مصر الاقتصادية تغذي التضخم

سياسات مصر الاقتصادية تغذي التضخم

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 19-08-2017
  • 104
سياسات مصر الاقتصادية تغذي التضخم
  • المصدر: الجزيرة

أسباب التضخم في جانب الطلب
أسباب التضخم في جانب العرض
بانتظار التضخم الجامح

ربما مثل وصول التضخم في مصر إلى معدل 34.2% صدمة للبعض، ولكن الصدمة الكبرى التي يجب أن يعيها الجميع أن وصول التضخم لهذه المعدلات المرتفعة إنما هو نتيجة السياسات الاقتصادية التي تغذيه ولا تسعى لبناء قاعدة إنتاج تمثل صمام أمان في الأجل الطويل.

 

لم تكتف الحكومة بخفض سعر الجنيه المصري مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وما تبع ذلك من موجات تضخم، ولكنها استقبلت العام المالي الجديد 2017-2018 بمجموعة من القرارات التي من شأنها أن تشعل معدلات التضخم في الفترة القادمة، حيث قررت زيادة أسعار الوقود بنحو 50% في المتوسط مع أول يوليو/تموز 2017، وزيادة أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي بنسبة 33%، والاستهلاك التجاري بـ 22-46% في التاريخ نفسه، وأسطوانات الغاز بنسبة 100%. وفي مطلع أغسطس/آب الجاري اتخذت الحكومة قرارا بزيادة أسعار المياه.

 

واللافت أنه مع هذه الزيادات المتتابعة في أسعار الخدمات الرئيسية وانخفاض القيمة الحقيقية للدخول والثروة لدى الأفراد، لم تتجاوز الزيادة في الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة 7%، وذلك وفق ما جاء في البيان المالي لموازنة العام المالي 2017-2018، حيث بلغت مخصصات الأجور 239 مليار جنيه (13.4 مليار دولار)، بزيادة قدرها نحو 16 مليار جنيه (900 مليون دولار) عما هو متوقع بنهاية عام 2016-2017 والمقدر بـ222 مليار جنيه (12.5 مليار دولار).


وإذا كان المواطن يعاني من تبعات سلبية بسبب ارتفاع معدلات التضخم، فإن القادم ليس بأفضل مما هو واقع الآن، بل ستكون هناك معاناة أكبر بسبب حالة الركود التي ستزداد مع السياسات الاقتصادية المطبقة، من حيث تقييد الاستيراد، وزيادة أعباء الإنتاج بالداخل نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل والوقود والنقل وغير ذلك.

وثمة كتابات وتحليلات اقتصادية تتناول أمر ارتفاع معدلات التضخم بمصر بنظرة أحادية، كأن يجري الحديث عن انخفاض معدل التضخم في المرحلة المقبلة بسبب استيعاب صدمة انخفاض قيمة الجنيه المصري. والحقيقة أن التضخم في مصر تغذيه سياسات اقتصادية فاشلة على جانبي العرض والطلب، وهو ما ستتناوله السطور التالية:

أولا: أسباب التضخم في جانب الطلب

ساعد جانب الطلب على زيادة معدلات التضخم بمصر في الفترة الماضية، ولا نتوقع أن تنخفض معدلات التضخم في الفترة القادمة بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة، ومنها:

– خفض سعر الصرف:

يظن البعض أن معدل التضخم سوف ينخفض في المرحلة المقبلة بسبب انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه بحوالي 40 قرشا مؤخرا، ولكن الحقيقة أن هذا الخفض ليس طبيعيا، ولذلك لا ينتظر أن تكون له جوانب إيجابية. (سعر الدولار في الوقت الراهن حوالي 17.8 جنيها مصريا).


فانخفاض الدولار أمام الجنيه مرجعه عدة أمور، منها: ما حصلت عليه الحكومة من استثمارات أجنبية في الدين العام (أذون وسندات حكومية) بنحو 13 مليار دولار، وهي أموال ساخنة من شأنها أن تهرب في أقرب أزمة يتعرض لها الاقتصاد المصري، فضلا عن تكلفتها المرتفعة التي وصلت إلى 22% سنويا.

والسبب الثاني هو القرارات الإدارية التي قيدت الاستيراد وأدت إلى إحداث حالة من الركود ظهرت ملامحها السلبية في تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي حسب التقديرات الحكومية من 4.4% في 2015-2016 إلى 4.2% في 2016-2017. وبذلك يمكننا القول إنه إذا حدث تراجع في معدل التضخم فسيكون نتيجة ما يعرف بالتضخم المكبوت، وهو ما يتحقق نتيجة قرارات إدارية وليس آليات العرض والطلب الطبيعية.

ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أن الأسواق قد تكون شهدت زيادة في المعروض من العملات الصعبة بسبب الإجازات السنوية للعاملين بالخارج. وبعد انتهاء أغسطس/آب سينتهي أثر ذلك، وسوف تعود أسعار صرف الدولار لتتجاوز سقف 18 جنيها للدولار.

– استمرار طباعة النقود:

لم تتوقف مطبعة البنك المركزي المصري عن طباعة النقود مع خفض سعر صرف الجنيه في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث بلغت قيمة النقود المطبوعة في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى أبريل/نيسان 2017 نحو 22 مليار جنيه، وذلك حسب بيانات النشرة الشهرية للبنك المركزي المصري عن يونيو/حزيران 2017، إذ بلغت قيمة النقد المصدر في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016 نحو 397 مليار جنيه، وقفزت في نهاية أبريل/نيسان 2017 إلى نحو 419 مليار جنيه.

"
يظن البعض أن ما شهدته مصر في نهاية يوليو/تموز 2017 هو السقف الأعلى لمعدلات التضخم، ولكن الأدبيات الاقتصادية تنبئنا بأن الإجراءات التي اتخذت على صعيد رفع أسعار الخدمات الأساسية سيظهر أثرها بوضوح بعد ستة أشهر
"

ثانيا: أسباب التضخم في جانب العرض

يعد أكبر أسباب التضخم على جانب العرض ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهي قضية شديدة الحساسية للاقتصاد المصري في ظل فشل السياسات الاقتصادية في الفترة الماضية في زيادة المساحات الخاصة بمساهمة قطاعات الإنتاج في هيكل الناتج المحلي. ومن أهم مظاهر ارتفاع تكاليف الإنتاج بمصر ما يلي:

– ارتفاع تكلفة التمويل:

يفتقد الاقتصاد المصري إلى وجود سوق مال قوية تدعم تمويل المشروعات الاقتصادية بمستوياتها المختلفة، فالأصل في سوق المال المصرية هو المضاربة وليس الاستثمار، كما أن التمويل الذاتي شحيح، ولا يتناسب مع احتياجات المشروعات من تمويل، لذلك يلجأ أصحاب المشروعات بمصر إلى البنوك. ولكن الجهاز المصرفي، من أجل الحفاظ على ودائع القطاع العائلي من الهرب في ظل ارتفاع معدلات التضخم، رفع سعر الفائدة إلى 22%. وهذه سياسة ميؤوس منها مع ارتفاع معدلات التضخم، ووجود فجوة بين معدل التضخم وسعر الفائدة تصل إلى 12.2%.

ويجعل ذلك صانع السياسة الاقتصادية في حيرة من أمره، فهو يريد أن يرفع سعر الفائدة ليحافظ على ودائع القطاع العائلي، المصدر الأكبر للودائع، ولكن ذلك سيضر بالمنتجين من جهة ويضر بالحكومة من جهة أخرى بسبب فاتورة الدين العام المرتفعة، والتي تتأذى من زيادة سعر الفائدة، خاصة أنها لا تستطيع أن توقف يدها عن الاستدانة.

ويؤدي ارتفاع سعر الفائدة إلى عدم الكفاية الحدية لرأس المال، بمعنى أن العائد من الأرباح للنشاط الاقتصادي أقل من التكلفة، وهي المرحلة التي لا يقدم فيها المنتجون على اتخاذ قرارات الإنتاج أو الاستثمار، بل يوقفون أنشطتهم الإنتاجية ويتحولون لأنشطة أخرى مثل التجارة.

– ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية:

كما ذكرنا من قبل، فقد أقبلت الحكومة على رفع سعر العديد من الخدمات الأساسية دفعة واحدة، بلا مراعاة لتداعياتها السلبية على مستوى المستهلكين أو المنتجين، فعلى مستوى المستهلكين تعد هذه الزيادة خصما من قدرتهم على الاستهلاك، في ظل دخولهم شبه الثابتة، وبالتالي سيحدث انكماش في الطلب. وعلى مستوى المنتجين، فقد وجدوا أنفسهم أمام موجة من ارتفاع تكاليف الإنتاج في الوقود والكهرباء والمياه، فماذا بقي لهم؟ المواد الخام المستوردة أم العدد والآلات؟ والتي يعانون من ارتفاع أسعارها مع تخفيض قيمة الجنيه.

بانتظار التضخم الجامح

يظن البعض أن ما شهدته مصر في نهاية يوليو/تموز 2017 هو السقف الأعلى لمعدلات التضخم، ولكن الأدبيات الاقتصادية تنبئنا بأن الإجراءات التي اتخذت على صعيد رفع أسعار الخدمات الأساسية سيظهر أثرها بوضوح بعد ستة أشهر. ولذلك ستستمر معدلات التضخم في الارتفاع على الأقل حتى نهاية 2017.

وما لم تتغير السياسات الاقتصادية بمصر لتدعم قطاعات الإنتاج وتسهم بالفعل في إنتاج السلع والخدمات الحقيقية والبعد عن الأنشطة الريعية والمضاربات، فلن يتوقف سعار التضخم. وستعيش مصر ما يعرف بالتضخم الجامح الذي قد يتجاوز المعدلات الحالية بشكل كبير. فلم تتعلم الحكومة من أن سياساتها الاقتصادية منذ الانقلاب العسكري في 2013 وحتى الآن، تسببت في رفع معدل التضخم من 7% بنهاية يونيو/حزيران 2013 إلى 34.2% في نهاية يوليو/تموز 2017، أي أن التضخم بلغ خمسة أضعاف خلال أربع سنوات