تشير الأرقام الرسمية في مصر إلى أن المجتمع يضم 25.1 مليون أسرة، تقطن غالبيتها في الريف بنسبة 55.4%، بينما تستقر في الحضر 46.6% من الأسر. وأعلنت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي في فبراير 2021 بأن هناك نحو 8.5 ملايين أسرة مصرية تحت خط الفقر.
وقد تسببت العديد من السياسات الاقتصادية التقشفية، التي اتبعتها الحكومة منذ عام 2014، في زيادة رقعة الفقر، خاصة تلك السياسات التي تم تطبيقها بعد اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2016.
وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام تتعلق بطبيعة الإجراءات التي طبقتها الحكومة، وهي أنها مرتبطة بشكل كبير، بما تم من توقيع اتفاق جديد بين صندوق النقد وحكومة مصر، في منتصف عام 2020، بعد حصول مصر على قرضين بإجمالي 8.5 مليارات دولار، منها ما يتعلق بشركات قطاع الأعمال العام، مثل تصفية شركة الحديد والصلب في حلوان، وغيرها.
والسيسي من خلال تصريحات يوم 3 أغسطس 2021 يوضح أنه قاب قوسين أو أدنى من تقليص دعم رغيف الخبز، ليصل إلى المرحلة النهائية، ليكون دعم الخبز صفراً، كما حدث مع دعم البنزين والسولار والغاز والكهرباء والماء.
وفق البيان المالي لموازنة عام 2021 /2022، فإن إجمالي الدعم السلعي يبلغ 108.7 مليارات جنيه، منها 87.2 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، التي تضم دعم رغيف الخبز ودقيق المستودعات، وكذلك دعم بطاقات التموين.
أما عن دعم رغيف الخبز، فقدّرته موازنة 2021 /2022 بنحو 44.8 مليار جنيه، وهناك 2.5 مليار جنيه لدعم دقيق المستودعات. والمفترض أن يستفيد من دعم الخبز ودقيق المستودعات 71 مليون فرد، منهم 66 مليون فرد يستفيدون من دعم رغيف الخبز، ونحو 4.3 ملايين فرد من دعم دقيق المستودعات، وكما هو مقرر، أن يحصل كل مواطن ممن يحصلون على الخبز المدعوم على 5 أرغفة يومياً.
وتعد منظومة دعم رغيف الخبز أحد أكبر أبواب الفساد، بسبب ما يتم في عمليات استيراد القمح من الخارج، أو توريد القمح من السوق المحلي، وكذلك عمليات التخزين، والنقل، والإنتاج، حيث تمر كل حلقة من هذه الحلقات بعمليات سرقة ورشاوى.
حاول السيسي أن يبرر إصراره على رفع الدعم عن رغيف الخبز بأنه سيوجه جزءاً مما يقلصه في دعم الخبز لكي يدعم منظومة الوجبات المدرسية، والحقيقة أن هذه الشماعة استخدمها السيسي منذ عام 2014، عندما بدأ بتقليص دعم الوقود والكهرباء والماء، مدعياً أن ما سيستقطع من دعم هذه البنود سيوجه لدعم التعليم والصحة، ولكن لم يظهر ذلك على أرض الواقع، ولم يشعر به المواطن.
الأمر الآخر هو أن السيسي يعرض البديل وكأن القائمين على أمر الوجبات المدرسية ملائكة أطهار، لا يعرفون الفساد، والواقع أن بوابة الوجبات المدرسية من أوسع منافذ الفساد، وقد رصدت أكثر من مرة مخالفة هذه الوجبات للشروط الصحية، بل وتسببت في حالات تسمم بالمدارس.كما أن بوابة التوريدات الحكومية تعاني كذلك من فساد بمعدلات عالية، فضلاً عن احتكار الضباط السابقين بالجيش والشرطة لهذا النشاط
وحقيقة الأمر أن السيسي ملزم بتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، وقد حصلت مصر على قروض بقيمة 8.5 مليارات دولار في منتصف عام 2020، وعليه أن يوفي بالإجراءات التي التزم بها، وعلى ما نعتقد أن تقليص دعم الرغيف يأتي ضمن التزامات الحكومة تجاه صندوق النقد.
والشعب المصري يدفع هنا ثمن غياب الشفافية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي اتبعها السيسي، فلا أحد اطلع على مجموعة الإجراءات التي قدمتها الحكومة، للحصول على القروض من صندوق النقد الدولي، لا الأجهزة الرقابية علمت بهذه الإجراءات، وبخاصة البرلمان، ولا المجتمع المدني، ولا الإعلام.
ويعد صندوق النقد الدولي مساهماً في جريمة الضبابية التي تمارسها الحكومة بشأن التكتم على الإجراءات التي تنفذ ولها تداعياتها السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في مصر. ومن هنا نعلم أن ما اتخذه السيسي من قرارات بشأن تحسين الحد الأدنى للأجور، إلى نحو 2400 جنيه مصري، في بداية العام المالي الحالي، لم يكن من باب الشفقة على المواطنين، ولكن كان تمهيداً لمجموعة من الإجراءات التقشفية، التي سيتم تطبيقها، والتي يأتي في إطارها رفع الدعم عن الخبز. والله أعلم بما تخفيه جعبة السيسي من إجراءات سيكون لها تأثير سلبي على الطبقتين المتوسطة والفقيرة في مصر.
الخطوة التي يعتزم السيسي اتخاذها بتقليصه دعم رغيف الخبز ستكون لها آثار كبيرة في اتساع رقعة الفقر في المجتمع المصري، فإذا علمنا أن هناك 8.5 ملايين أسرة فقيرة في مصر، وهم بلا شك من مستخدمي الرغيف المدعم، فنحن أمام مشكلة كبيرة، لأن هذه الأسر الفقيرة لا تحصل كلها على الدعم الحكومي، ولكن 3.6 ملايين أسرة فقط هي التي تحصل على دعم يصل في حده الأعلى إلى نحو 450 جنيهاً شهرياً من الضمان الاجتماعي. فما بالنا بباقي الأسر التي لا تحصل على الدعم من الحكومة؟
الأمر سيكون أن هذه الأسر ستتعرض لمزيد من الفقر، كما أن جزءاً من الطبقة المتوسطة سوف يسقط تحت خط الفقر، وبخاصة الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة. إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخذها حكومة السيسي لا تعبأ بالتبعات السلبية التي يتضرر منها الناس، فعند اتخاذ قرار تحسين الحد الأدنى للأجور، فإنه يستفيد منه العاملون بالحكومة والقطاع العام، وقد ينال كل القطاع الخاص المنظم، ولكن ماذا عن القطاع الخاص غير المنظم والذي يمثل أكثر من 50% من قوة العمل في مصر.
بطبيعة الحال عندما ترتفع تكلفة الخبز على الفقراء في مصر، سيؤثر ذلك على مستوى التغذية الذي يحصلون عليه، وبالتالي، يتوقع أن تزيد معدلات الإصابة بالأنيميا، وسواء التغذية، وبخاصة الأطفال الذين تعاني نسبة منهم من التقزم خلال السنوات الأخيرة.
شماعة أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه هي كاشفة لانصراف الحكومة عن ممارسة أهم وظائفها، وهي مكافحة الفساد داخل منظومتها الإدارية، وأروقة مؤسساتها، كما أن الحكومة في عهد السيسي لا تمكن المجتمع المدني من مكافحة الفساد في المجتمع. والواجب هو إصلاح منظومة الدعم، وتخليصها من الفساد، في حالة إصرار الحكومة على العمل بمنظومة الدعم السلعي، ويمكن التخلص من هذه المنظومة والانتقال إلى الدعم النقدي، للعمل على إنقاذ الفقراء من براثن الفقر. والدعم ليس منة من السيسي وحكومته، على الفقراء في مصر، بل حق للفقراء، وواجب على الحكومة، التي تفننت في رفع الضرائب، وكافة الرسوم، وألغت العديد من أنواع الدعم.
كما أن الدعم ليس بدعة تتم مارستها في مصر، بل هي موجودة في أكثر الدول تقدماً، فأميركا تقدم دعماً للفقراء، والاتحاد الأوروبي يقدم دعماً للفقراء، ومن هنا نعلم أن السيسي وحكومته يساعدان على إفقار الناس في مصر، لا إغنائهم كما ادعى عندما قدم نفسه للترشح لرئاسة الجمهورية عام 2014، ولكن على ما يبدو فإن مبادرة "حياة كريمة" التي تحدث عنها السيسي مؤخراً يكون لها وجه آخر أكثر تعاسة.