خفّض البنك المركزي المصري احتياطي ودائع البنوك لديه مرتين خلال شهرين. الأولى في مارس/آذار الماضي حيث تم تخفيض نسبة الاحتياطي من 14% إلى 12%، ويوم الأحد الماضي تم تخفيض الاحتياطي من 12% إلى 10%.
لكن الخبراء يرون أن هذا التخفيض هو لمعالجة أزمة حادة بالسيولة في الجهاز المصرفي بسبب الإسراف في تمويل عجز الموازنة خلال السنوات الماضية، وأن هذا التخفيض سوف يتيح للبنوك نحو 20 مليار جنيه (نحو 3.3 مليارات دولار).
والمتوقع أن تستخدم البنوك هذه السيولة في شراء أذون الخزانة المصرية لارتفاع ربحيتها وانعدام المخاطرة بها. وأرجع الخبراء استمرار أزمة السيولة إلى سوء إدارة السياسة النقدية للبلاد.
ومن الواضح أن الجهاز المصرفي المصري يعاني من أزمة في نسبة السيولة المتاحة. ولذلك لجأت الحكومة لتخفيض نسبة الاحتياطي، وذلك بعد تعثر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليارات دولار.
وقالت مستشارة بنك البركة بالقاهرة والخبيرة المصرفية بسنت فهمي إن الخطورة في قرار تخفيض نسبة احتياطي ودائع البنوك بالبنك المركزي في توجيه الأموال الناتجة عن القرار للاستثمار في أذون الخزانة، الأمر الذي يزيد من مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على الائتمان، وبخاصة في ظل المعدلات المرتفعة التي تدفعها الحكومة كتكلفة للحصول على الأموال والتي بلغت 16.5% سنويًا، وهي بلا شك مرتفعة بالنسبة للقطاع الخاص.
وتتوقع بسنت أن يقدم المركزي على قرار مماثل قريبًا إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية في مصر على ما هي عليه من تراجع الأداء الاقتصادي وبقاء معدلات نمو الناتج المحلي في حدود 2% وزيادة معدلات عجز الموازنة والدين العام الحكومي. وتطالب بسنت بضرورة الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وغيره من حزمة القروض التي أعلنت عنها الحكومة، ولكن بشرط ترشيد الإنفاق بالموازنة العامة للدولة حتى لا تزيد أعباء خدمة الدين، وتصبح القروض الجديدة أعباء إضافية لا يمكن الوفاء بخدمتها مستقبلا.
وعارضت بسنت استمرار سياسة تمويل البنوك لعجز الموازنة، لأنه أدى إلى تخفيض الجدارة الائتمانية للبنوك المصرية الكبرى لأكثر من مرة على مدار السنوات الثلاث الماضية.
يتفق الخبير المصرفي أحمد آدم مع بسنت في خطورة أن توجه الأموال الناتجة عن قرار تخفيض احتياطي ودائع البنوك لدى المركزي إلى تمويل عجز الموازنة، لأن ذلك يؤدي إلى حرمان القطاع الخاص من الحصول على الائتمان لتمويل استثماراته.
ويرجع آدم سبب انخفاض السيولة بالبنوك المصرية إلى تراجع نسبة نمو الودائع من 8% سنويًا إلى نحو 5% سنويًا، في حين أن نسبة الزيادة في الدين الحكومي قد زادت مع نهاية عام 2008-2009 إلى 12% سنويًا، وارتفعت الآن إلى نحو 17%.
وينتقد آدم السياسة النقدية للبنك المركزي خلال السنوات الماضية لأنها هي التي أدت لأزمة السيولة الحالية، حيث ظل سعر الفائدة على الودائع أقل من معدلات التضخم مما دفع الأفراد إلى عدم الادخار.
ويضيف آدم إلى ذلك اعتماد مصر على مصادر للتمويل الخارجي غير المستقرة مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، التي من شأنها أن تخرج أو تمتنع عن الدخول لمصر لأية اعتبارات سياسية أو اقتصادية.
كما يشير إلى أن الوضع الحالي لأزمة السيولة وارتفاع معدلات التضخم من شأنه ألا يشجع دخول المستثمرين الأجانب إلى مصر. وبسؤاله عن الوديعة السعودية بمبلغ مليار دولار وكذلك شراء أذون وسندات خزانة بنحو 250 مليون دولار، قال آدم إن هذه الأموال لا يعتمد عليها لأنها تفتقد إلى عنصر الاستمرار، ففي أي وقت تستطيع السعودية سحب وديعتها لأنها ليست قرضا.