مرّ عام على تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، بعد انقلاب عسكري أطاح بأول رئيس مدني منتخب، واتضح أن الوعود التي قدمها السيسي للشعب المصري على الصعيد الاقتصادي، كانت بعيدة عن الواقع المعيش، حيث يعاني غالبية المصريين من ارتفاع تكاليف المعيشة، وسوء الخدمات المقدمة، فضلا عن تفشي الفساد بصورة غير مسبوقة.
وقد كانت إجابات السيسي أثناء حملته الانتخابية عن أسئلة تعلق بقضايا ومشكلات اقتصادية ضخمة، محل سخرية وانتقاد من قبل المتابعين للشأن المصري. فقضية البطالة تحل -من وجهة نظره- بتجهيز ألف سيارة لبيع الخضروات، وأزمة الطاقة تحل باستيراد مصابيح موفرة.
وفيما يلي بعض مظاهر التأثير السلبي على الاقتصاد المصري، في ظل تولي السيسي للرئاسة.
عانت الصناعة المصرية على مدار العام الماضي من عدة مشكلات، على رأسها نقص الطاقة، وعدم تدبير العملات الأجنبية لتوفير مستلزمات الإنتاج. فاتحاد الصناعات المصرية أعلن مؤخرًا اعتراضه على سياسة البنك المركزي تجاه سعر الصرف، وفشل المركزي في توفير العملة بالكميات المطلوبة وفي الأوقات المناسبة، مما نتج عنه حدوث ارتباك في ميزان المدفوعات بشكل عام، وفي الميزان التجاري بشكل خاص.
عانت الصناعة المصرية على مدار العام الماضي من عدة مشكلات، على رأسها نقص الطاقة، وعدم تدبير العملات الأجنبية لتوفير مستلزمات الإنتاج
"
فبيانات البنك المركزي توضح ارتفاع العجز بميزان المدفوعات خلال الشهور التسعة الأولى من عام السيسي، ليصل إلى 8.4 مليارات دولار، مقابل 543 مليون دولار لنفس الفترة من العام السابق.
كما أن العجز بالميزان التجاري ارتفع بنفس الفترة ليصل إلى 29.6 مليار دولار مقابل 24.1 مليار دولار، أي إن نسبة الزيادة في العجز التجاري بلغت 22%.
ويلاحظ أن الإحصاءات الحكومية تبين تراجع الصادرات السلعية غير النفطية بشكل كبير. ففي خلال الربع الأول من عام 2015 تراجعت هذه الصادرات بنسبة 21%، مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة عام 2014، ولا يقتصر تراجع الصادرات على هذه الفترة الزمنية، لكن على مدار فترة الانقلاب العسكري بمصر منذ يوليو/تموز 2013.
كما شكت غرفة الصناعة المعدنية غير مرة من عدم توفير الغاز اللازم للعملية الإنتاجية، مما أدى لوقف الإنتاج لمدة تصل إلى شهر في مطلع عام 2015، كما طالب اتحاد الصناعات من الحكومة زيادة دعم الصادرات ليصل إلى خمسة مليارات جنيه مصري، بدلا من أربعة مليارات جنيه، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، سواء بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، أو ارتفاع أسعار الطاقة.
منذ أيام خرج البنك المركزي المصري ليعلن عن انخفاض الدين العام الخارجي ليصل إلى 39.1 مليار دولار في نهاية مارس/آذار 2015، مقابل 46.1 مليار دولار في يونيو/حزيران 2014.
وحقيقة الأمر أن هذا الانخفاض في سداد المديونية، أتى نتيجة سداد التزامات مصر للسندات القطرية التي كانت تشكل جزءًا من احتياطي النقد الأجنبي. وبالتالي لم يكن للحكومة المصرية خيار في سداد هذه المديونية، ولم تكن مبادرة ذاتية.
الأمر الثاني أن هذا الدين تضاعف في صور أخرى، فما تم من سداد مديونية شركات النفط الأجنبية، بنحو 4.5 مليارات دولار، تم من خلال الاقتراض من البنوك المحلية، وبالتالي ما تم فقط هو تدوير الدين، بدلا من الشركات الأجنبية، حلت مكانها البنوك المحلية المصرية، كدائنة للهيئة العامة للبترول.
ثم إن ما تم سداده من مديونية السندات القطرية، والتزامات مصر تجاه مديونية نادي باريس، تم إحلاله بدين جديد في شكل ودائع خليجية بلغت نحو 6.8 مليارات دولار، وإن سُمي مغالطة بـ"الودائع"، فالمتعارف عليه أن البنوك لا تدرج الودائع في أصولها المالية، ولكنها تسجلها كالتزامات، لأنها ملك لأصحابها. لكن ما يتم من قبل البنك المركزي المصري، بالتصرف الكامل في هذه الودائع نظير نسبة فائدة تقدر بـ2.5%، أظهر دليل على أن ما تم سداده، حل كدين في صورة أخرى.
في يونيو/حزيران 2014، بلغ احتياطي النقد الأجنبي 16.6 مليار دولار، نتيجة الحصول على ودائع خليجية بعد الانقلاب العسكري، ولكن هذا الاحتياطي بلغ في مارس/آذار 2015 نحو 15.2 مليار دولار، مما استدعى الاعتماد على الدعم الخليجي مرة أخرى، ليتم ضخ 6.8 مليارات دولار في شكل ودائع بالبنك المركزي المصري بواقع سعر فائدة 2.5%، وفترات سماح في السداد أقل مما قدم عقب الانقلاب العسكري في 2013.
وخلال الأيام الماضية، أعلن أن الاحتياطي الذي بلغ 20.5 مليار دولار في أبريل/نيسان 2015، انخفض في نهاية مايو/أيار الماضي ليصل إلى 19.5 مليار دولار، بمتوسط مليار دولار خلال شهر واحد.
"
لا زالت العوائد الدولارية الذاتية لمصر عاجزة عن المساهمة في سداد ديون مصر أو تكوين احتياطي ذاتي
"
ويتوقع أن يشهد الاحتياطي مزيدا من الانهيار الشهر القادم، بسبب سداد القسط نصف السنوي لخدمة دين نادي باريس المقدر بنحو 650 مليون دولار، فضلا عن سداد التزامات الواردات، وهو ما سيرشح الاحتياطي لأن يصل إلى نحو 18 مليار دولار.
تبقى القضية في شأن الاحتياطي، كونه عبارة عن ديون خارجية، بأسماء مختلفة، ولا يعتد فيه بأية قيمة تحت اسم أصول للبنك المركزي، ولا زالت العوائد الدولارية الذاتية لمصر عاجزة عن المساهمة في سداد ديون مصر أو تكوين احتياطي ذاتي.
بحسب بيانات البنك المركزي، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت 5.7 مليارات دولار في الفترة من يوليو/تموز 2014 إلى مارس/آذار 2015، وهي في مجملها في قطاع البترول، ولم ترصد الإحصاءات أية أثر لما أعلن في مؤتمر شرم الشيخ من استثمارات قدرت بنحو 38 مليار دولار، وهو ما يعني أن تلك الاستثمارات لا زالت في إطار الوعود.
ولا يقدم الرقم المعلن عن الاستثمارات الأجنبية في قطاع البترول أي جديد، حيث إن قطاع البترول هو محط الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدار عقود مضت، ولا تساهم هذه الاستثمارات في خلق قيمة مضافة، حيث إنها في مجال الصناعات الاستخراجية، كما أن فرص العمل التي تتيحها محدودة، نظرًا لكون هذه الاستثمارات كثيفة رأس المال.
راهن وزراء المالية بعد الانقلاب العسكري بمصر على خفض عجز الموازنة ليصل إلى 10%، بينما الواقع يتجاوز هذا المعدل بنحو 2.5%، وفي العام المالي الحالي الذي يقدر له الانتهاء بنهاية يونيو/حزيران الحالي، يلاحظ استمرار عجز الموازنة ليظل على ما هو عليه فوق معدل الـ12%، وذلك بسبب محاربة الحكومة للأغنياء، وإلغاء ضريبة البورصة، واعتماد تجاوزات واستثناءات في مجال الحد الأقصى للأجور.
ومن الأمور التي تمثل مخالفة صريحة للدستور المعتمد من قبل الانقلاب العسكري، أن الحكومة لم تتقدم بعد بموازنة العام المالي 2015/2016، والذي سيبدأ العمل بموازنته الجديدة في مطلع يوليو/تموز المقبل.
وينص دستور الانقلاب العسكري في المادة 125 على أن تتقدم الحكومة بالموازنة العامة للعام المالية قبل بدايته بثلاثة أشهر، أي في مطلع أبريل/نيسان من كل عام، وهو ما لم يحدث، واكتفت وزارة المالية بما يسمى بالبيان التمهيدي.
استطاع السيسي أن يمرر مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تزيد من أعباء المعيشة، قبل توليه السلطة بشكل رسمي، فتم خفض دعم الطاقة بنحو 25%، كم تم خفض بنود أخرى في مجال الدعم الذي يستفيد منه الفقراء، كما تم رفع الرسوم مقابل خدمات الغاز الطبيعي بالمنازل والشركات، وكذلك مياه الشرب.
"
إن الاقتصاد سيظل تحديًا أمام السيسي خلال الفترة القادمة، إذا قدر له البقاء، نظرًا لافتقاد الإدارة الاقتصادية في عهده للرؤية الاقتصادية التي تناسب الأوضاع بمصر، وحرصه ومن حوله على استرضاء المؤسسات الدولية، وتطبيق نفس السياسات الرأسمالية التي أدت إلى انفجار الشارع المصري في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011
"
وفرضت حزمة من الضرائب الجديدة، مثل ضريبة العقارات، وتم وضع شريحة جديدة على ضريبة الدخل، وفرض ضرائب المبيعات والدمغة على الدخان وسلع أخرى.
وقد ساهمت هذه السياسات في ارتفاع تكليف المعيشة بشكل كبير، أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر، وبخاصة في الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة. ويلاحظ أن هناك فارقا كبيرا بين معدلات التضخم المعلنة من قبل الحكومة والتي عادة ما ترصد الزيادة بنحو 10% أو 11% على الأكثر كمتوسط سنوي، بينما الواقع زيادة هذه المعدلات لتصل إلى 20%.
في الوقت الذي ينشر فيه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع البطالة إلى 12.9% بعد أن كانت 13.25%، نجد مظاهرات العاطلين لم تنقطع، سواء من حملة الماجستير والدكتوراه، أو من خريجي الجامعات والمؤهلات المتوسطة.
وتسود المسابقات الحكومية لاستقدام عمالة جديدة، حالة غير مسبوقة من الفساد، وخير دليل ما تم بشأن مسابقة تعيين ثلاثين ألف معلم، حيث شهدت عمليات التعيين العديد من المخالفات، والرشى، والمحسوبية.
في الختام نستطيع القول إن الاقتصاد سيظل تحديًا أمام السيسي خلال الفترة القادمة، إذا قدر له البقاء، نظرًا لافتقاد الإدارة الاقتصادية في عهده للرؤية الاقتصادية التي تناسب الأوضاع بمصر، وحرصه ومن حوله على استرضاء المؤسسات الدولية، وتطبيق نفس السياسات الرأسمالية التي أدت إلى انفجار الشارع المصري في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.