قواعد طباعة النقود
ضعف أداء السياسة النقدية
فقدان الثقة بالجنيه المصري
زيادة الدين المحلي
طباعة النقود من قبل البنك المركزي عملية فنية معقدة اقتصاديًا. فكل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، أو سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في المجتمع، حتى تكون النقود المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق مطبوعة.
وفي حالات الدول النامية عادة ما يتم تجاوز هذه القواعد، ويتم طباعة نقود بمعدلات تفوق المسموح به، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. وإذا تمادت الحكومات في طباعة النقود، فالأفراد يميلون إلى تخزين ثرواتهم في شكل أصول عينية أو ذهب، أو يتجهون للاحتفاظ بالعملات الأجنبية.
"
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن طباعة النقود تشهد تصاعدًا لا يتناسب مع أداء معدلات النمو الاقتصادي، أو تدفقات النقد الأجنبي لمصر، أو زيادة في الرصيد الذهبي بالبنك المركزي"
ووفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن طباعة النقود تشهد تصاعدًا لا يتناسب مع أداء معدلات النمو الاقتصادي، أو تدفقات النقد الأجنبي لمصر، أو زيادة في الرصيد الذهبي بالبنك المركزي.
ففي عام 2010 وصل حجم النقد المطبوع إلى 18 مليار جنيه مصري، وارتفع في عام 2011 إلى 35 مليار جنيه، وانخفض إلى 26 مليارا في عام 2012، إلا أن حجم النقد المطبوع في عام 2013 وصل إلى أعلى المعدلات, لنحو 56 مليار جنيه.
وعلى ما يبدو أن الأمور ستشهد خلال عام 2014 تزايدًا في معدلات طباعة النقود من قبل البنك المركزي المصري.
فوفق بيانات النشرة الاقتصادية للبنك المركزي المصري عن سبتمبر/أيلول 2014، قفز حجم النقد المطبوع فقط في يوليو/تموز 2014 لنحو 15.2 مليار جنيه، بينما كانت معدلات طباعة النقود الشهرية خلال الفترة (يناير/كانون الثاني – يونيو/حزيران) 2014 ما بين ملياري جنيه إلى عشرة مليارات، وبما يعادل في المتوسط الشهري خلال الفترة نحو خمسة مليارات جنيه.
فالنقود المطبوعة خلال يوليو/تموز 2014 فقط تقل عما تمت طباعته من نقود في عام 2010 بالكامل بنحو 2.8 مليار جنيه فقط. ولذلك نلاحظ استمرار ارتفاع معدلات التضخم على مدار الشهور الماضية، إضافة إلى أسباب أخرى تصاحب عملية طبع النقود.
والعلاقة غير المفهومة والتي تحتاج إلى مزيد من الإيضاح من البنك المركزي المصري، أن الإقبال على طباعة النقود، يقابله أداء سلبي للاقتصاد المصري، منها على سبيل المثال تراجع معدلات النمو لتكون بحدود 2.2%، واحتياطي النقد الأجنبي يشهد حالة من الثبات والتراجع في بعض الشهور، وأن مكونه الرئيس لا يعتمد على موارد ذاتية مصرية، بل ودائع لدول عربية وتركيا. كما أن سعر الذهب في السوق الدولية يشهد هبوطًا ملحوظًا.
ويزيد على ذلك استمرار الحكومة المصرية في الاقتراض المحلي والخارجي على مدار الشهور الماضية، وهو ما كان يدعوها للتريث في طباعة النقود، وبخاصة هذه المعدلات العالية، التي تعكس ضعف أداء الاقتصاد المصري.
فالدين العام المحلي حسب بيانات البنك المركزي المصري تجاوز حاجز 1.8 تريليون جنيه في يونيو/حزيران 2014. وحاليًا بعد مرور نحو أربعة أشهر فقط يقترب من 1.9 تريليون جنيه، في ظل استمرار عمل الحكومة بأذون وسندات الخزانة التي تصدر بشكل أسبوعي.
ثمة مجموعة من التداعيات السلبية التي تفرضها عملية طباعة النقود من قبل البنك المركزي المصري، في ظل الظروف الاقتصادية غير الملائمة التي تمر بها مصر، ونتناول فيما يلي بعضًا من هذه التداعيات.
تعمل السياسة النقدية على ضبط مجموعة من المؤشرات التي تعكس حالة من التوازن الاقتصادي، ومن هذه الآليات، سعر الصرف، وسعر الفائدة، ومعدل التضخم، والسوق المفتوحة.
"
الدين العام المحلي بحسب بيانات البنك المركزي المصري تجاوز حاجز 1.8 تريليون جنيه في يونيو/حزيران 2014. وحاليًا بعد مرور نحو أربعة أشهر فقط يقترب من 1.9 تريليون جنيه"
ولا شك أن الإسراف في طباعة النقود يجعل يد إدارة السياسة النقدية مغلولة في ضبط إيقاع هذه المؤشرات من أجل تحقيق حالة التوازن، مما يجعلها تتخذ قرارات متضاربة، وهو الأمر الواقع والذي يبرهن عليه حال السياسة النقدية في مصر.
ففي ظل طباعة النقود وغيرها من الأسباب الأخرى، تجاوز معدل التضخم معدل الـ12% بالحسابات الرسمية، وإن كانت حسابات الواقع تذهب لبلوغ معدلات التضخم إلى نحو 20%. فلا يستطيع صانع السياسة النقدية في حال ارتفاع معدلات التضخم ضبط سعر الصرف، أو العمل بجد في مواجهة انخفاض قيمة الجنيه المصري.
وكذلك الأمر بالنسبة لسعر الفائدة، فليس أمام صانع السياسة النقدية إلا أن يرفع معدل سعر الفائدة للحد من التضخم وتشجيع الأفراد على الادخار، ولكنه في نفس الوقت، وحسب مقتضيات واقع الاقتصاد المصري يعمل على إعاقة الاستثمار بارتفاع تكلفة التمويل، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الفقر لنحو 25% من السكان في مصر، ووصول معدلات البطالة إلى 13.5% من قوة العمل.
لا يخفى على أحد حال السوق السوداء الخاصة بالعملات الأجنبية التي تعيشها مصر منذ بدايات عام 2011، وذلك بسبب رغبة الأفراد في الحفاظ على مدخراتهم وثرواتهم، فيذهبون لشراء الدولار، مما أدى إلى خلق طلب غير حقيقي في السوق المصري. ولم تعد عمليات التجارة والاستثمار مقومة بالجنيه، وإنما تتم معادلتها في الغالب بقيمة الدولار، لأنه عملة مستقرة في السوق المصري، ويمكن حساب القرارات الاقتصادية في ضوء قيمته.
وسوف يكون لهذا السلوك مردود سلبي على جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر، لأن من أهم المتغيرات التي يهتم بها المستثمر الأجنبي استقرار سعر الصرف، بينما طباعة النقود لا تساعد على تحقيق هذا الهدف للمستثمر الأجنبي، إذ سيظل سعر صرف الجنيه متحركًا، وبالتالي قيمة مستلزمات الإنتاج من السوق المحلية تتأثر بهذا التغير في قيمة العملة.
المتعارف عليه اقتصاديًا أنه في حالة لجوء الحكومة لطباعة نقود بلا مقابل، أن تصدر سندًا كدين عليها لصالح البنك المركزي، وفي الحالة المصرية وصل هذا الدين إلى 240.3 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2014، وهي عبارة عن سندات على الخزانة العامة للدولة، ومستحقة للبنك المركزي، أي إنها تمثل نسبة 13.3% من هيكل الدين العام المحلي.
ويحصل البنك المركزي نظير ذلك على فائدة تحمل على الدين العام المحلي بواقع 10% سنويًا، أي إن البنك المركزي المصري سيحصل على نحو 24 مليار جنيه فوائد على هذه السندات التي أصدرتها الحكومة على مدار السنوات الماضية نظير طباعة النقود.
وحسب البيان المنشور على موقع البنك المركزي المصري، والذي برر فيه أسباب طباعة النقود خلال عام 2013، فإن السندات على الخزانة العامة للدولة تمثل 64.4% من حجم الغطاء على النقد المطبوع، بينما مثل الغطاء الذهبي 6.5%، والغطاء من النقد الأجنبي 29.1%.
ونحن أمام معادلة غريبة وغير مفهومة. فالحكومة طبعت نقودا لتسبب بذلك خفض قيمة مدخرات الأفراد، ولتقوم عبثًا بسداد جزء من عجز الموازنة. وفي نفس الوقت ما عليها إلا أن تصدر سندًا للبنك المركزي، الذي لا يحصل على أي من هذه الديون ولكنه مجرد باب لاستجلاب فوائد وتكاليف مالية على الحكومة لم يدفع فيها البنك أصولا مالية حقيقية.
"
وصل دين البنك المركزي على الحكومة المصرية إلى 240.3 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2014، وهو عبارة عن سندات على الخزانة العامة للدولة ويمثل نسبة 13.3% من هيكل الدين العام المحلي"
وفي ظل استمرار طباعة النقود سيظل دين البنك المركزي على الحكومة المصرية مستمرًا إلى ما لا نهاية، ويضيف أعباء تراكمية على الدين المحلي، وهو الأمر الذي يدفع ثمنه المواطن مرات عديدة، في شكل ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة ثروته ومدخراته، ثم تحمله لفاتورة الدين العام المحلي، التي تستلزم حاليًا إلغاء الدعم، والتأثير السلبي على أداء المرافق والخدمات العامة في قطاعات مهمة مثل التعليم والصحة.
ويخشى من سلوك الإدارة الاقتصادية في مصر خلال المرحلة القامة، من التوسع في طباعة النقود لتغطية تكاليف المشروعات العامة التي اعتمدت على تمويلها من خلال إصدار سندات الاكتتاب العام والتي ستسدد قيمته وفوائدها من خلال الموازنة العامة للدولة، حيث أعلن عن تكوين حساب خاص يجنب فيه سنويًا جزء من الإيرادات العامة لسداد الفوائد، وقيمة السندات عند استحقاقها.
الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية، ومنها طباعة النقود، لمواجهة أزمات مثل سداد جزء من عجز الموازنة، ولكن يخشى من إطالة الوقت في الحالة المصرية، فيستمر العمل بطباعة النقود، وتتزايد المشكلات الاقتصادية الناتجة عنها، لتضاف مشكلة طباعة النقود لباقي حلقات المعضلة الاقتصادية المصرية.