الرئيسية / مصر / تداعيات الوضع الاقتصادي المصري على الأحوال المعيشية

تداعيات الوضع الاقتصادي المصري على الأحوال المعيشية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-05-2008
  • 106
تداعيات الوضع الاقتصادي المصري على الأحوال المعيشية
  • المصدر: الجزيرة

ثمة تساؤلات عديدة تجتاح المجتمع المصري بشأن تداعيات الوضع الاقتصادي وتأثيراته على أحواله المعيشية، خاصة في ظل الارتفاعات المتلاحقة في الأسعار، والتوجهات الحكومية بفرض ضرائب جديدة، وتبني سياسات اقتصادية يراها البعض تزيد من حدة المشكلات التي يعاني منها محدودو الدخل وتقلص الطبقة المتوسطة.

 

فرحة لم تكتمل

خلل هيكلي وبطء في الإصلاحات

خطوات مطلوبة

 فرحة لم تكتمل

 تشير الأرقام إلى وصول عدد الفقراء في مصر الذين يعيشون تحت خط الفقر بحجم إنفاق دولار فيما أقل في اليوم من 16.7% إلى نحو 20% من السكان.

 وليس هذا فحسب فالتخوفات عديدة في ظل تبني هذه السياسات الاقتصادية وضعف مظلة الحماية الاجتماعية، في مجالات التعليم والصحة والسكن والعمل وغيرها من المجالات.

 وقد شهدت الأيام الأولى من مايو/أيار 2008 ما أسعد المصريين بزيادة العلاوة الاجتماعية وما أغضبهم في نفس الوقت بارتفاع أسعار بعض السلع وفرض ضرائب جديدة.

 "
لم تدم كثيرا فرحة الشعب المصري بزيادة العلاوة الاجتماعية بسبب رفع أسعار الوقود وإدراج ضرائب جديدة
"
وتأتي هذه التطورات في غضون مناقشة مجلس الشعب المصري للموازنة العامة للعام المالي الجديد 2008/2009 ، والتي ستشهد جدلاً بشأن القضايا المثارة منذ ثلاث سنوات والتي تتناول الدعم والخدمات العامة الضعيفة والمتردية، وجدوى الإنفاق الحكومي في ظل النتائج السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

 
وبعد فترة طويلة من المطالبة بتحسين الأجور لتناسب الارتفاع العام في الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة في مصر، فرح المصريون بالقرار الرئاسي بزيادة العلاوة الاجتماعية بنسبة 30% في مطلع مايو في إطار الاحتفال بمناسبة عيد العمال، وهو ما عده البعض بمثابة مصالحة مع عمال مصر الذين نفذوا العديد من الإضرابات في المصانع ومواقع العمل من أجل تحسين أوضاعهم والحصول على أجر مجز، فضلاً عن نصيبهم العادل من الأرباح والبدلات النقدية والعينية.

 لكن  فرحتهم لم تدم كثيراً حيث فاجأتهم الحكومة أيضاً بمشروعها الذي قدمته لمجلس الشعب لاعتماد زيادة في أسعار البنزين والوقود وإدراج ضرائب جديدة على بعض الأنشطة والتي كان من أهمها رسوم استخراج رخص السيارات وفرض ضرائب على التعليم الخاص، وذلك من أجل زيادة الإيرادات العامة بالموازنة لتدبير الزيادات في الرواتب.

 وقد نجحت الحكومة في تمرير قانونها بزيادة الأسعار وفرض ضرائب جديدة من خلال أغلبيتها المسيطرة بمجلس الشعب على الرغم من اعتراض نحو مائة نائب يمثلون المعارضة المصرية، والتي يمثل غالبيتها نواب جماعة "الإخوان المسلمون".

 الخطوة الأخيرة للحكومة أوجدت نوعا من السخط لدى المصريين، حيث ينتظر وجود موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وقد بدأت مظاهر الصدام بين المواطنين وبعض مقدمى السلع والخدمات، من خلال إضراب سائقي الحافلات الصغيرة (الميكروباص) بالمواقف العامة، في بعض المناطق لاعتراضهم على الاستمرار على نفس أسعار النقل القديمة بعد الزيادات في أسعار الوقود والتي طبقت منذ 5 مايو.

 كما دعت جمعية (مواطنون ضد الغلاء) الرئيس حسني مبارك إلى إلغاء قراره بزيادة العلاوة الاجتماعية التي ستكلف موازنة الدولة نحو 12.5 مليار جنيه (2.3 مليار دولار)، لأنها أعطت المبرر للحكومة للحصول على نحو 15 مليار جنيه من خلال الزيادة التي قررتها في أسعار الوقود وفرض ضرائب جديدة على بعض السلع والخدمات.

 وإذا كان العاملون بالحكومة وقطاع الأعمال العام قد وجدوا بعض العون لمواجهة الأوضاع الاقتصادية، فإن العاملين بالقطاع الخاص لا يعرفون مدى التزام أصحاب الأعمال بهذه الزيادة، خاصة وأن بعض رجال الأعمال أعلن في وسائل الإعلام أن رواتب العاملين بالقطاع الخاص مرتفعة بطبيعتها.

 أما شريحة العاملين بالقطاع غير الرسمي، والذين لا يجدون نظما تضمن حمايتهم من حيث تقدير الأتعاب للخدمات والسلع التي يقدمونها، فلن ينتظروا وجود لوائح أو إرشادات ولكنهم سيتفاعلون مع الواقع برفع أجورهم بالنسب التي يرونها عادلة لأعمالهم في ظل الأجواء الجديدة لارتفاع الأسعار.

 

خلل هيكلي وبطء في الإصلاحات

 

الحقيقة التي يمكن أن نشير إليها، وتعتبر حجر الزاوية في المشكلة الاقتصادية في مصر، هي تأخر البدء في الإصلاح الهيكلي، بمعنى زيادة وتنوع الإنتاج ليلبي الطلب المحلي من السلع والخدمات، فقد كانت هناك ركائز ثلاثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبق في مصر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، هي: 1– الإصلاح النقدي، 2- الإصلاح المالي، 3- الإصلاح الهيكلي.

 لكن الواقع كشف عن تطبيق كامل للإصلاح النقدي والمالي، بينما لم يمس الإصلاح الهيكلي فكانت كل تلك المشكلات المتحققة في الاقتصاد المصري. حيث زاد الاعتماد على الخارج بشكل كبير، وارتفعت المديونية المحلية، وبالتالي زاد العجز في الموازنة العامة للدولة.

"
الواقع كشف عن تطبيق كامل للإصلاح النقدي والمالي، بينما لم يمس الإصلاح الهيكلي فكانت كل تلك المشكلات المتحققة في الاقتصاد المصري. حيث زاد الاعتماد على الخارج بشكل كبير، وارتفعت المديونية المحلية، وبالتالي زاد العجز في الموازنة العامة للدولة.
"

مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، اختارت الدولة أن تخرج من نشاط الاستثمار والإنتاج، معتمدة على القطاع الخاص للقيام بهذا الدور، ومن هنا انعكس هذا التوجه على هيكل الموازنة العامة للدولة فكانت الأجور والمرتبات للعاملين بالدولة والبالغ عددهم نحو 5.7 ملايين موظف نحو 25% من حجم الإنفاق بالموازنة.

 وبلغت نسب كل من الإنفاق الاجتماعي نحو 41% (يشمل الإنفاق على التعليم والصحة والدعم والأمن والدفاع)، وخدمة الدين العام نحو 25% والذي بلغ في موازنة 2007/2008 نحو 52 مليار جنيه مصري.

 ولم يبق للاستثمار الحكومي سوى نسبة تتراوح بين 7% و9% من حجم الإنفاق العام، وهى نسبة في معظمها تتجه للإحلال والتجديد أو الصيانة للمرافق والأصول المالية المملوكة للدولة، ولا تشمل تكوين استثمارات حكومية جديدة، وإذا ما نظرنا لنسبة الاستثمارات الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006/2007 لوجدنها نسبة شديدة التدني حيث تصل لنحو 3.5%.

 وخطورة هذا الأمر، هي استمرار الحكومة في هذا التوجه على مدار نحو 18 عاما، في الوقت الذي لم يقم القطاع الخاص بالدور المنوط به على الشكل المطلوب، حيث كانت معظم أنشطته في مجالات المضاربة أو الأنشطة الريعية والبعد عن الأنشطة الإنتاجية والتي توفر فرص عمل دائمة وتحقق قيمة مضافة. وقد ترتب على ذلك إفساح الطريق أمام الواردات من السلع خاصة الصينية منها والتي يكتظ بها السوق المصري.

وترتب على عدم الإصلاح الهيكلي، أن تأثرت إيرادات الدولة بعدم زياداتها بالمعدلات التي تقترب من معدلات الإنفاق، مما جعل الحكومة تتخلي عن المعدلات الإيجابية للوصول بحجم العجز في الموازنة العامة للدولة لنحو 1% في عام 96/1997، واتجهت لزيادة العجز في الموازنة لمعالجة حالات الركود التي مر بها الاقتصاد حتى بلغ العجز في الموازنة نحو 10% خلال العام المالي 2004/2005 ونحو 7.5% في عام 2006/2007 من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

 وعرف الدين العام المحلي معدلات عالية بلغت قيمتها نحو 637.1 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2007 بعد ما كان نحو 329.7 مليار جنيه في عام 2002، أي أن قيمة الدين العام المحلي تضاعفت خلال خمس سنوات، وأصبحت نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تثير المخاوف وتلفت انتباه العديد من المؤسسات الدولية بشأنها، إذ بلغت نحو 87%، حيث أن المعدلات العالمية القصوى لهذا المؤشر لا تتجاوز نسبة 60%.

 

خطوات مطلوبة

 

وللخروج من هذه التداعيات السلبية فإن السياسة الاقتصادية المتبعة في مصر تحتاج إلى نوع من المراجعة، خاصة فيما يتعلق بخروج الدولة من مجال الإنتاج والاستثمار.

 ويحتاج برنامج خصخصة القطاعات الحيوية للتدقيق الشديد خاصة بعد ما حدث في قطاعات الإسمنت والحديد والأسمدة، فقد ساعدت هذه الصناعات على وجود ارتفاعات غير مبررة في أسعارها، كما لم تعر السوق المحلي بالاً لتلبية احتياجاته وركزت على التصدير، وذلك على الرغم من أنها صناعات ملوثة للبيئة، ويكون الثمن الأقل في ظل السماح لها بالعمل في مصر هو تلبية احتياجات سوقها أولاً ثم التوجه إلى الخارج، والبعد عن الممارسات الاحتكارية.
 "
للخروج من هذه التداعيات السلبية فإن السياسة الاقتصادية المتبعة في مصر تحتاج إلى نوع من المراجعة، خاصة فيما يتعلق بخروج الدولة من مجال الإنتاج والاستثمار.
"
أما الاستفادة من المدخرات المحلية، فيحتاج إلى أن تعيد الحكومة ترتيب أجندتها في هذا الصدد، ولا تعتمد بشكل أساسي على جلب الاستثمارات الأجنبية. فالمدخرات المحلية تبحث عن مجالات لاستثمار مدخراتها في ظل العائد المتدني بالبنوك، وسيطرة نشاط المضاربة بشكل كبير على سوق الأوراق المالية شأنها شأن معظم البورصات وهو ما يثير العديد من المخاوف لدى المدخرين.

 وهذا الوضع بدوره قذف بهؤلاء المدخرين إلى دوائر المحتالين تحت مسمى "توظيف الأموال"، فالودائع بالجهاز المصرفي المصري والتي تمثل أحد الروافد الهامة لمدخرات المصريين بلغت نحو 650 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2007.

 ويجب وضع برامج نابعة من احتياجات مصر فيما يتعلق بالاستثمار المحلي أو الأجنبي، فمن غير المعقول أن تكون الحرية مطلقة للاستثمارات لاختيار ما تريد، فوفق آليات اقتصاد السوق هناك ما يسمى التخطيط التاشيري، فمصر بحاجة إلى استثمارات كثيفة العمالة في المرحلة الحالية، بينما معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة كثيفة رأس المال، والاستثمارات المحلية، تحقق قيمة إنتاجية ضعيفة.

وتحتاج الحكومة أخيرا بشكل ملح إلى استعادة الدور الهام والغائب خلال الفترة الماضية، وهو ترك الأسواق بلا رقابة حقيقية على جودة وأسعار السلع والخدمات، مما ساعد على عدم وجود ضوابط أو ضبط حركة الأسعار في الأسواق.