تترقب الأوساط الاقتصادية المصرية الأثر المترتب على التغيير الوزاري في تشكيل المجموعة الاقتصادية الذي صدر به قرار جمهوري مفاجئ مساء الأربعاء 21-11-2001؛ حيث أشار إلى إحداث تغييرات تتمثل في إعطاء البنك المركزي الاستقلالية التامة، والتخلص من تبعية وزارة الاقتصاد وخضوعه مباشرة لإشراف رئيس مجلس الوزراء، وإطلاق يد البنك المركزي في وضع السياسة النقدية والائتمانية.
وكان الشارع المصري ينتظر هذا التغيير منذ عام أو ستة أشهر مضت بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعددت مظاهرها، إلا أن الخبراء السياسيين والاقتصاديين يرجعون السبب الرئيسي في إحداث التغييرات في الوقت الراهن إلى أمرين:
تأثر الاقتصاد المصري بأحداث الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تجلت مظاهره بشكل واضح على قطاع السياحة الذي كان البعض يراهن عليه كقاطرة للتنمية في مصر، ويمثل المورد الأول للنقد الأجنبي ضمن أربعة مصادر رئيسية هي: عوائد العاملين بالخارج، وعوائد البترول، وعائد المرور بقناة السويس. ونظراً لارتباط قطاع الطيران المصري سواء المتجه للداخل أو الخارج بقطاع السياحة فقد تأثر هذا القطاع أيضاً في مصر بشكل كبير.
رفض محافظ البنك المركز السابق السيد/ إسماعيل حسن تجديد فترة رئاسته للبنك؛ حيث كان على خلاف شديد مع وزير الاقتصاد يوسف بطرس غالي - حسبما أشارت الصحافة المصرية في مرات عدة، وهو ما أثر على تضارب القرارات الخاصة بالبنوك، وبالتالي أسعار الصرف وتدهور سعر الجنيه.
وكان الوزير المصري يلقي بالمسئولية على كاهل محافظ البنك المركزي فيما وصل إليه حال الجنيه المصري من تدهور؛ حيث انخفضت قيمة الجنيه بقيمة 28% أمام الدولار على مدار العام الماضي. ولم يقبل المحافظ السابق استمرار الخلافات مع الوزير بشأن السياسة النقدية والائتمانية في ظل الظروف الاقتصادية التي تشهدها مصر منذ ثلاث سنوات، ورفض التجديد في المنصب، وذلك على الرغم من تصريحه بأنه رفض التجديد لظروف خاصة.
وتشهد الأسواق المصرية حالة من الركود منذ سنتين أو أكثر تأثرت بها كافة قطاعات الاقتصاد المصري، في الوقت الذي تزايدت فيه مديونية رجال الأعمال خاصة الكبار منهم، ولم يسلم من هذا الأمر الصغار أيضًا، وامتد هذا الأثر على أداء المشروعات الإنتاجية خاصة في المدن الجديدة التي اتخذ بعضها قرارا بفصل بعض العمال لتخفيف الأعباء الملقاة على عاتقه في ظل حالة الركود التي تعانى منها البلاد.
وقد حاولت الحكومة التخفيف من حدة المشكلة فوضعت بعض الحلول، مثل: سداد مديونية الحكومة قبل المقاولين، وإنشاء بعض الوظائف الحكومية، والتفكير في إقراض صغار التجار بشروط ميسرة، ولكن كل هذا الإجراءات لم يشعر بها نبض السوق المصرية بعد.
على الرغم من اتفاق كل من الخبراء الاقتصاديين والمسئولين الحكوميين، وكذلك القيادة السياسية على أن حل هذه المشكلة يكمن في زيادة الاستثمارات وأيضاً زيادة التصدير، فإن الوضع لم يتغير منذ نحو ثلاث سنوات في ظل وضوح هذه الرؤية، وتعد الخطوة المنتظرة بمثابة إعادة النظر في الحوافز السخية التي تقدمها مصر للاستثمار الأجنبي الذي هيأت له مزايا ضريبية وتعاملا في النقد الأجنبي، ولكنه كان يبحث فقط عن مصالحه؛ فمعظم الاستثمارات الأجنبية في مصر اتجهت إلى السوق المحلية، ولم تركز على التصدير كما فعلت بالدول الأخرى المشابهة للظروف المصرية، وهو ما حمّل المستثمر الوطني عبئا جديدا وهو المنافسة في الداخل، فضلاً عن المنافسة في الخارج حال تفكيره في التصدير.
ونذكر هنا أن حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر على مدار نحو 6 سنوات ماضية لم يزد في أحسن الأحوال عن 1.8 مليار دولار تأتي معظمها في مجال البترول والخصخصة، وهو معدل قليل إذا ما قورن بالدول المماثلة لمصر في المنطقة، وهو ما دفع الكثيرين من الخبراء الاقتصاديين بانتقاد سياسات الشركات الأجنبية في مصر.
وكان من المنتظر بعد صدور القانون رقم 8 لسنة 1997 الخاص بضمانات وحوافز الاستثمار أن تزداد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، وأن تكون فعالة من حيث إضافة فرص عمل جديدة ونقل للتكنولوجيا وإحداث تحسن ملحوظ في الميزان التجاري الذي يشهد فجوة كبيرة بين الصادرات والواردات تصل إلى نحو 9 مليارات دولار.
البعض كان يتوقع أن يخرج وزير الاقتصاد الحالي من الوزارة، بينما توقع البعض زيادة صلاحياته، وأن التغيير لن يشمل أكثر من تغيير لافتة الوزارة وخروج البنك المركزي من تحت سيطرته؛ حيث إن اسم الوزارة كان محل تغيير على مدار السنوات الماضية، فقد كانت وزارة "الاقتصاد" فقط، ثم "الاقتصاد والتعاون الدولي"، ثم "الاقتصاد والتجارة"، ثم "الاقتصاد"، ثم "الاقتصاد والتجارة الخارجية" في الوضع الحالي.
بينما يرى البعض الآخر أن خروج البنك المركزي وكذلك الهيئة العامة للاستثمار من وزارة الاقتصاد يفرغ الوزارة من مضمونها. ومع إنشاء وزارة للتجارة الخارجية فالبعض يتوقع حينئذ إلغاء وزارة الاقتصاد!
ويلاحظ أن الصحف المصرية ركّزت على وزارة الاقتصاد بشكل أساسي على الرغم من أن المجموعة الاقتصادية تشمل:
وزارة المالية والتموين، والتجارة الداخلية، والتخطيط والتعاون الدولي، بالإضافة إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
وأتى التغيير فقلص من صلاحيات وزير الاقتصاد، إلا أنه لم يمتد إلى وزراء آخرين، مثل وزير التموين والتجارة الخارجية الذي كان محل انتقاد وسائل الإعلام المصرية منذ أكتوبر 1999، وهو تاريخ بداية عمل وزارة الدكتور عبيد.
وصدقت التوقعات بشأن بقاء وزير المالية في منصبه على الرغم من أنه طبق قانون الضرائب العامة على المبيعات بشكل كامل ويعد مشروع قانون جديد للضرائب، لكن البعض يصفه بالشجاعة؛ لأنه اقترب من موضوع الضرائب بلا تردد ولا خوف، كما أنه كان المنفذ الأسرع لـ"سندات مصر الدولار" التي حظيت بتغطية كبيرة وسريعة في أسواق المال الدولية، ولعل هذا الأمر قد حسن من وضع رصيد مصر من احتياطي النقد الأجنبي الذي اقترب الآن من نحو 15 مليار دولار بعد أن انخفض في مرحلة سابقة إلى أقل من 14 مليار دولار؛ ولذلك أتى التغيير ليضيف إليه مسئولية بنك الاستثمار القومي الذي كان من قبل يتبع وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
بينما خرج من المجموعة الاقتصادية وزير الصناعة الدكتور مصطفى الرفاعي الذي كان له آراء جريئة بشأن اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، وأيضًا في تقييمه لأوضاع الصناعة المصرية والمخاطر المحتملة التي من الممكن أن تتعرض لها خلال الفترة القادمة مع التطبيق الكامل للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، إلا أنه تعرض للنقد من قبل رجال الأعمال الذين هاجموه على صفحات الجرائد بأنه "مريض نفسيًا" بعد أن انتقد أوضاعهم في مجالات الإنتاج وعدم تطوير الصناعة في مصر. وشغل منصب وزير الصناعة الجديد الدكتور على الصعيدي الذي كان يشغل منصب وزير الكهرباء من قبل.
كما خرج وزير التخطيط الدكتور أحمد الدرش ليحل مكانه الأكاديمي الاقتصادي الدكتور عثمان محمد عثمان الذي كان يشغل منصب مدير معهد التخطيط القومي.
تعرض الاقتصاد المصري في الفترة السابقة لضربات عدة ظهرت في الركود الذي تعاني منه الأسواق، وتدهور قيمة الجنيه المصري متأثرا بالدولار المربوط به، ومشكلات السيولة والتصدير، فضلاً عن أحداث 11 سبتمبر في أمريكا وتأثيرها على قطاع السياحة والطيران.
وهكذا، ينتظر السوق المصرية تغييرا حقيقيا لأوضاعه نتيجة التغيير الوزاري ويترقب "الفرج الاقتصادي".