التمويل الأجنبي هو الورقة التي تلوح بها الدولة المصرية دائما في وجه المنظمات الحقوقية، وفي الآونة الأخيرة دهمت قوات الأمن مقار العديد من هذه المنظمات بتهمة الحصول على تمويل أجنبي دون تصريح من الجهات المعنية.
البعض يرى أن بإمكان هذه المنظمات الاعتماد على الموارد المحلية من خلال الوقف وتبرعات رجال الأعمال، والبعض يراهن على تفعيل الجمعيات العمومية لهذه المنظمات والاستفادة من اشتراكات أعضائها، ولكن هناك متطلبات أخرى مثل التعديلات التشريعية ووجود رقابة حقيقية على إيرادات ومصروفات هذه المنظمات.
من غير المنطقي ربط التمويل الأجنبي بالمنظمات الحقوقية فقط في مصر، دون النظر إلى استفادة باقي قطاعات الدولة الإنتاجية والخدمية من هذا التمويل، فمشكلة المنظمات الحقوقية أنها دائما في حالة نزاع مع الدولة لاسترجاع حقوق الإنسان، وهذه هي حقيقة المشكلة بين الدولة ومنظمات حقوق الإنسان في مصر حسب ما يرى الناشط الحقوقي محمد زارع.
فرجال الأعمال عادة لهم مصالح مع الدولة ولا يريدون الدخول في مناطق تصورهم على أنهم في موقف عدائي معها، وبالتالي فمسألة الوقف أو تقديم تمويل من خلال مجتمع الأعمال تحتاج وقتا طويلا وقناعة فكرية.
ويبين زارع أن تبرعات رجال الأعمال في مصر متعددة ومتنوعة في مجالات العلاج والتعليم، وجزء يسير من هذه التبرعات يمكن أن يكفي المنظمات الحقوقية طوال العام، ولكن هذا يحتاج إلى تغيير ثقافة المتبرع ليؤمن بأهمية رسالة المنظمات الحقوقية.
ويتساءل عن موقف الحكومة هل هي خائفة على أموال الأجانب، أم متخوفة من أن تعمل هذه الأموال على إفساد الأفراد، أم تخاف من الوعي الذي من الممكن أن تصنعه هذه المنظمات لمواجهة مخالفاتها؟
ويجيب زارع: بالطبع الدولة تخشى المواجهة وتعرف جيدا الدور الذي صنعته هذه المنظمات في نجاح ثورة 25 يناير.
من جهته يرى الناشط الحقوقي محمود عبد الفتاح أنه ليس لدى المنظمات الحقوقية أي مانع في الاستغناء عن المنح الأجنبية، ولكن من الصعب جدا القيام بهذا الأمر الآن بسبب ضعف أو غياب المبادرات المحلية.
وركز عبد الفتاح على أن ما يُقدم للمنظمات الحقوقية من الخارج هي منح وليست تمويلا، وهذه المنح ترتبط بتنفيذ برامج.
وبسؤاله عن إمكانية توفير بديل محلي أجاب بأن ذلك يتطلب تعديلات تشريعية وبخاصة في قانوني الجمعيات الأهلية والضرائب، وبين أن الجمعية المصرية لحقوق الإنسان بدأت في الثمانينيات بتمويل محلي محض، من خلال اشتراكات الأعضاء، وباعتبارها فرعا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ثم لجأت بعد ذلك للمنح الخارجية بعد اتساع نشاطها وعدم كفاية الموارد المحلية.
وفي رؤية تفاؤلية يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية عبد الفتاح ماضي أنه بعد استعادة باقي مؤسسات الدولة وبخاصة الرقابية منها، فإن الدور سيختلف حيث سيكون من أهم أدوار الدولة السعي لحصول الأفراد على كافة حقوقهم، كما أن الأفراد سيكون لديهم ثقافة أخرى غير الخوف.
ويضيف ماضي أن التمويل المحلي لمنظمات حقوق الإنسان سيكون أفضل سواء من رجال الأعمال أو الأثرياء في المجتمع، ولكن الأمر يحتاج إلى وجود جسور لتقارب هذه المنظمات ورجال الأعمال، وكذلك وجود قوانين منظمة للتبرعات وكيفية التصرف فيها من قبل المنظمات الحقوقية، كما هو موجود في الدول الأوروبية، فالشفافية في هذا الأمر من أهم مقومات استمراره وتشجيع المجتمع الأهلي على تمويل هذه المنظمات.
وبسؤال ماضي عن الوقت الذي تستغرقه عملية التعريف والثقة بين المتبرعين وهذه المنظمات الحقوقية، أجاب بأن مصر ما زالت في بداية الطريق وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت.