الرئيسية / مصر / المعاش المبكر بمصر أزمة تنتظر حلا

المعاش المبكر بمصر أزمة تنتظر حلا

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 08-12-2005
  • 346
المعاش المبكر بمصر أزمة تنتظر حلا
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

تتفاقم مشكلة أصحاب المعاش المبكر في مصر عاما بعد الآخر، خاصة أن هؤلاء العاملين خرجوا من قطاع الأعمال العام ليجدوا مناخا اقتصاديا لا يستوعبهم، كما لا توجد إستراتيجية واضحة لدمجهم مرة أخرى في سوق العمل، رغم أن معظمهم من العمالة الفنية التي تمثل عصب الصناعة المصرية.

قصة تلك العمالة التي لا تجد علاجا جذريا لمشاكلها حتى الآن، بدأت مع برنامج الإصلاح الاقتصادي في أوائل التسعينيات، حينما اتجهت الدولة إلى تطبيق الخصخصة للمشروعات العامة، حيث صدر قانون (203) لسنة 1991 لتنظيم قطاع الأعمال العام والذي استحدث نظام الشركات القابضة والشركات التابعة. وفي حين قدر مسئولون بهذه الشركات العمالة الزائدة بحوالي 18%، فإن مستثمرين بالقطاع الخاص اعتبروا أن تلك النسبة قد تصل إلى 40%.

أسرع البدائل التي كانت مطروحة للتعامل مع هذه العمالة الزائدة، هو تطبيق نظام ما عرف بالمعاش المبكر، وهو يتيح المجال للعاملين بأن يتركوا أعمالهم قبل بلوغ سن المعاش.

وحددت الحكومة المصرية الحد الأدنى لسن العاملين الراغبين للاستفادة من هذا النظام بسن 45 سنة، شرط أن يكون قد أدى مدة 20 عاما في الوظائف التي يعملون بها، على أن يحصلوا على مكافآت نظير ذلك يختلف حجمها، حسب سنوات العمل والعمر، وكذلك طبيعة الوظائف الفنية أو الإدارية.

وعلى الرغم من أن هذا النظام الأصل فيه أنه اختياري، فإن الدراسات التي رصدت الظاهرة بينت أن ضغوطا مورست على العاملين، من أجل أن يدخلوا في هذا النظام عنوة، فتارة يتعرضون لإلغاء الحوافز وبعض المزايا الوظيفية والمادية التي كانوا يحصلون عليها، وتارة أخرى يرغّبون بزيادة مبالغ المكافأة المحددة من قبل الحكومة، وتارة ثالثة يتغاضى عن شرط السن، فيسمح بدخول أفراد في هذا النظام لم يبلغوا بعد سن الخامسة والأربعين.

كما كان التلويح بأن المتأخرين في الدخول في هذا النظام قد يتقاضون مبالغ أقل كمكافأة.. كل هذا جعل الكثير من العمال بمختلف نوعيتهم يرغبون في الخروج بأقل خسائر ممكنة، خوفا من نفاد التمويل المرصود لهذا البرنامج.

ووفقا لمصادر رسمية بوزارة قطاع الأعمال في مصر، فإن عدد المسرحين من قطاع الأعمال العام منذ عام 1991 وحتى الآن بلغ 210 ألف عامل، أما العدد المتبقي الذي لا يزال يعمل في هذا القطاع، فيصل إلى 410 آلاف عامل في حوالي 170 شركة(1).

مشكلات العمال 

ربما ينظر البعض للمعاش المبكر على أنه حل لأزمة هذه الشركات، إلا أن المشكلة أن هؤلاء العمال لم يتوفر لهم بدائل لوظائفهم يمكن الاستفادة منهم ومن خبراتهم، فسنوات الخبرة والتدريب التي قضوها في شركات قطاع الأعمال العام تضيع هدرا، كما أنهم يخرجون في سن يستطيعون فيها أداء أعمالهم بكفاءة، بل يمكنهم بسهولة تدريب الآخرين.

كما أن المشروعات الصغيرة لا تتناسب مع ثقافتهم التي حصدوها من القطاع العام، فضلا عن مشكلات تلك المشروعات خاصة التسويق، ولم تكن الظروف الاجتماعية لهؤلاء العاملين تسمح لهم بالتفكير في استثمار المكافآت التي حصلوا عليها. 

بل ذهب بعضهم لإنفاق المبالغ في تزويج الأبناء وبناء البيوت، وفي أحسن الأحوال وضعت هذه الأموال كوديعة بالبنوك يستفاد من عائدها لدعم المعاشات البسيطة التي حصلوا عليها، والقليل منهم أقام مشروعات أو انتظم في أعمال لدى الغير.

غالبيتهم عاطلون..

دراستان ميدانيتان رصدتا في عام 2004 عينة ممن خرجوا بنظام المعاش المبكر، الأولى للجامعة العمالية واحتوت على 1000 عامل، والثانية لجمعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأصحاب المعاش المبكر وشملت 500 عامل. وتتميز الدراستان بأنهما تناولتا مناطق جغرافية متنوعة بين الأقاليم والعاصمة والذكور والإناث والصناعات المختلفة من منسوجات وصناعات غذائية وميكانيكية وغيرها.

الدراسة الأولى أشارت إلى مجموعة هامة من الحقائق منها:

  • وجدت أن حالة العمل لأفراد العينة البالغ عددهم 1000 عامل، يعمل منهم بعد الخروج للمعاش المبكر نحو 336 فردا بنسبة 33.6%، بينما 664 فردا لا يعملون وبنسبة 66.4%، وهذا يدل على أن ظاهرة البطالة صاحبت تطبيق سياسة المعاش المبكر. والجدير بالذكر أن معدلات البطالة حسب الأرقام الحكومية في مصر تصل إلى نحو 9.4% من قوة العمل البالغ عددها نحو 24 مليون فرد أي أن عدد العاطلين يقترب من 2.5 مليون عاطل.
  • بإعادة النظر في أفراد العينة الذين صنفوا على أنهم يعملون بعد خروجهم للمعاش المبكر وجد أن نحو 216 فردا ممن يعملون يحصلون على العمل بصفة مؤقتة، وليست دائمة أي بنسبة 21.6% من أفراد العينة بينما من يعملون بصفة دائمة يصل عددهم إلى 120 فردا، أي بنسبة 12% من أفراد العينة الإجمالية. وهذا يعني أن من خرجوا للمعاش المبكر فرصتهم في سوق العمل ضئيلة، وأن غالبية من يعملون لا يتاح لهم العمل بشكل دائم وإنما بشكل مؤقت.
  • الأمر الآخر الذي يعكس دلالات اجتماعية، هو أن عدد المتزوجين ويعولون كانوا السواد الأعظم بين أفراد العينة حيث بلغ عددهم نحو 908 أفراد بنسبة 90.8% بينما المتزوجون فقط بلغ عددهم 53 فردا، أي بنسبة 5.3%، بينما العزاب كان عددهم 17 فردا بنسبة 1.7%.

وتظهر الأبعاد الاجتماعية أكثر، حينما نعلم أن دخول هؤلاء الأفراد قد انخفضت بمعدلات عالية بعد خروجهم للمعاش المبكر، في حين أن التزاماتهم المادية في تزايد، فنحو 28.8% يحصلون على دخل شهري 200 جنيه (الدولار = 5.80 جنيهات تقريبا) فأقل، وتتدرج الدخول فيما بعد بنسب أقل كلما ارتفع الدخل فتصل نسبة من يحصلون على دخل من 600 - 700 جنية إلى نحو 3%.

     الفنيون قلب الصناعة 

الدراسة الثانية حول أصحاب المعاش المبكر أشارت أيضا إلى مجموعة من الحقائق منها:

  • معظم أفراد العينة على مستوى مناسب من التعليم، حيث الحاصلون على مؤهلات متوسطة وأقل من المتوسطة نسبتهم 64.2%، بينما يمثل الجامعيون 10.8%، ويعني هذا أن هذه النسبة الغالبة تمثل الفنيين والعمالة الماهرة والمشرفين عليها، وهم عصب الصناعة المصرية.
  • تشكل المرأة نسبة هامة من أصحاب المعاش المبكر بنسبة 30.4%، وتذهب الدراسة إلى أن هذا تأكيد على أن المرأة العاملة تحتاج إلى مزيد من الرعاية، لكي تتمكن من مواصلة عملها، ولا تبادر إلى تركه، إذا وجدت ما يشجعها على ذلك.
  • متوسط عدد أفراد الأسرة في شريحة أصحاب المعاش المبكر يدور حول خمسة أفراد بنسبة 67.1%، ومعنى ذلك أننا أمام معدلات إعالة كبيرة لا تكفي المعاشات الشهرية التي يحصل عليها هؤلاء لإعالة أسرهم، وتوفير كل احتياجاتها الضرورية.

نماذج حية

وحتى نرى هذه النتائج حية التقينا بحالتين ممن خرجوا بنظام المعاش المبكر. الأول وهو السيد شوقي، خرج من شركة النصر لصناعة السيارات في عام 1998، وكان يعمل في التفتيش المالي والإداري، وعمل في الشركة منذ عام 1969، وحتى 1998، بدأ في الشركة كخريج معهد إعداد الفنيين، ولكنه حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة في عام 1984، ومن هذا العام انتقل للعمل الإداري.

هو يشكو من عدم توافر فرصة عمل منذ خروجه، ويتحدث عن مشكلة البطالة فيقول إنه يعيش في بيت به أربعة أفراد، هو وزوجته وولداه وجميعهم عاطلون، حيث تخرج أبناؤه من الجامعة، ولم يحصلوا بعد على عمل، أحدهما خريج كلية العلوم والآخر خريج الألسن. ويعيش على معاشه البسيط، بالإضافة إلى عائد وديعة -التي هي مكافأة المعاش- عبارة عن 30 ألف جنيه.

ولا يفكر شوقي في مشروع صغير، ويبرر ذلك بقوله "المناخ العام لا يساعد، وعند خروجي للمعاش المبكر كانت هناك حالة كساد في البلد، والفلوس التي تخرج للسوق لا تعود، ففضلت عمل وديعة في البنك، حتى أستطيع أن أكمل مشوار تعليم أبنائي". ويتذكر أن شركته كان بها نحو 12 ألف عامل وصلوا الآن إلى نحو 4 آلاف عامل، ومع ذلك لم تُبع بعد. 

ويضيف أن زملاءه الذين ذهبوا للقطاع الخاص لم يستمروا لفترات طويلة لعدم تأقلمهم مع بيئة العمل الجديدة، وأن البعض تم الاستغناء عنهم، بعد قيامهم بتدريب عدد كافٍ بمصانع القطاع الخاص. ويتساءل: كيف يمكن الاستغناء عن عمال خبرتهم تصل إلى 30 سنة؟.

الحالة الثانية التي التقيناها هو عبد اللطيف حمزة الذي كان يعمل مشرفا فنيا بشركة الشوربجي. ويقول إنه لا يعمل أيضا بعد خروجه للمعاش المبكر، وإنه اشترى بمكافأة المعاش قطعة أرض مساحتها 100 متر، لكي يبني عليها أبناؤه منزلا فيما بعد، كما اشترى بعض السلع المعمرة. وهو يعيش حاليا على المعاش وعائد عمل ابنه، ويحمد الله على أنه زوج بناته، ويقضي وقته بين المقهى والمسجد.

ويضيف أن "هذا هو حال الكثير من زملائه ما بين المقهى والمسجد، ونجح عدد قليل في افتتاح مشروعات صغيرة مثل محلات البقالة أو عمل ورش لصيانة الغسالات، والأجهزة المنزلية".

ويتبين مما سبق مدى التحدي الذي يفرض نفسه الآن على صانع السياسة ومتخذ القرار في مصر، وإذا كان هذا هو حال عمال قطاع الأعمال العام الذين خرجوا بنظام المعاش المبكر، حيث لا عمل ولا إستراتيجية تستوعبهم في تدريب تحويلي أو مشروعات صغيرة، ولا دخول تفي بمتطلبات أسرهم -فماذا هم فاعلون في الجهاز الحكومي المتخم بعمالة زائدة إذا أرادوا إصلاحه بنفس طريقة شركات قطاع الأعمال العام والمعاش المبكر حيث يصل عدد العاملين بهذا القطاع إلى نحو 5.7 ملايين فرد؟!.

ومن هنا فلا بد من برامج لإدماج المسرحِين من قطاع الأعمال في سوق العمل، حتى لا يكونوا وقودا للبطالة، وتلك البرامج من المهم أن تقوم بها الدولة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، حتى لا يصبح المعاش المبكر وقودا للبطالة وزيادة حدة المشكلات الاجتماعية.

فسيطرة القطاع الخاص في ظل اقتصاد السوق لا تعني تسريح العمال والاستغناء عنهم، وخضوعهم لشروط عمل تتنافى مع حقوق أقرتها المواثيق الدولية، أو أن تتناسى الدولة دورها في توازن الأسواق ومراقبتها، وكبح جماح القطاع الخاص. إن اليد العاملة هي أهم ما يملك أي اقتصاد أيا كان توجهه، ومن هنا فالاستثمار في البشر من أهم مقومات الاقتصاد الناجح.