يحل اليوم الاثنين الاحتفال باليوم العالمي للإسكان، وعلى ما يبدو فإن المقاول والفنان المصري محمد علي أراد أن يحتفل المصريون بالمناسبة بالاطلاع على جهود عبد الفتاح السيسي وحكومته في تشييد القصور والاستراحات والمقرات الحكومية الفاخرة، في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من أزمة سكن خانقة، حيث يعيش ملايين الأسر في الدكاكين، المقابر، الخيام، السكن المشترك، مع ما يكتنف هذا النوع من المساكن من مشكلات اجتماعية، يكون لها تداعياتها السلبية على الأفراد والأسر، بل والمجتمع، حيث تكون هذه الشريحة من السكان قابلة لممارسة بعض الأعمال خارج إطار القانون، فضلًا عن استعدادها للانفجار السياسي في أي وقت.
وقدر البنك الدولي في عام 2015 عدد الوحدات التي يحتاجها المجتمع المصري بنحو 3 ملايين وحدة سكنية، لتغطية العجز الناتج في الوحدات خلال الفترة من (2010 –2015) حسبما ورد في وثيقة القرض الذي اعتمده البنك لصالح الحكومة المصرية في هذا العام بنحو 500 مليون دولار لدعم الإسكان الاجتماعي.
كما قدرت وثيقة البنك الدولي عدد الوحدات المطلوبة سنويًا في مصر خلال الفترة بنحو 500 ألف وحدة سكنية، منها 300 ألف لحالات الزواج الجديد، ونحو 254 ألف وحدة لتعويض العجز المتراكم لدى المجتمع.
وترى وثيقة البنك، أن هناك نحو 3 ملايين وحدة شاغرة في مصر، خاصة في المدن، لكنها مغلقة لتخوفات المواطنين من أن تحدث تقلبات في القوانين المتعلقة بالسكن، ونتيجة لهذه الأزمة فإن المواطنين لجؤوا للسكن غير الرسمي (العشوائيات) وهي تجمعات سكنية تضم ما بين 12 - 20 مليون مواطن، وتفتقد للعديد من الخدمات الضرورية.
وفي سبتمبر 2018، كشفت ليلاني فرحة المقررة الخاصة للحق في السكن الملائم بالأمم المتحدة، أثناء زيارتها للقاهرة أن هناك 38 مليون شخص يعيشون في المناطق العشوائية وغير المخططة، وأصدرت بيانًا عن زيارتها استنكرت فيه سلوك الحكومة الخاص بغياب وجود استراتيجية للإسكان، وكذلك قيام الحكومة باتباع سياسة التخويف تجاه من يطالبون بالحق في السكن.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تعداده الأخير والصادر في 2017، يبين لنا ملامح أزمة السكن عبر رصده لنوعية الإسكان غير الملائم، سواء على الصعيد الإنساني، أو على صعيد العادات والتقاليد في المجتمع. فهناك 1098 أسرة تعيش في أحواش المدافن، ويسمى أفرادها إعلاميًا بسكان المقابر، ونحو 14626 أسرة تعيش في (كشك، خيمة، عشة، عربية ثابتة)، و21075 أسرة تعيش في دكاكين، وأكثر من 1.5 مليون أسرة تعيش في حجرة مستقلة، وأكثر من 591 ألف أسرة تعيش في سكن مشترك.
وإذا كانت هذه الإحصاءات صدرت في 2017، فإن الواقع الاقتصادي والاجتماعي قد كرس لمزيد من هذه الحالات، حيث ازداد الفقر في مصر إلى معدل 32.7% من السكان، لتقل قدرة الأسر أو الأفراد في الحصول على سكن مستقل، أو تحسين أوضاعهم السكنية، بالانتقال من هذه النوعيات غير الملائمة من الإسكان إلى وحدات أفضل، تعطيهم حقهم في الحصول على سكن آدمي، وذلك وفق الفقرة الأولى من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت على "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ...".
على الرغم من تراكم أزمة السكن في مصر على مدار السنوات الماضية، إلا أن السياسات التي اتبعتها الحكومات المتوالية لم تعرها الجهود اللازمة، بل ومنذ حكومة أحمد نظيف في عهد المخلوع مبارك، ثم حكومات السيسي، تحولت الحكومة إلى تاجر أراض ووحدات سكنية، وهو ما شجع أنشطة المضاربة على الأراضي والعقارات، ولم يساعد على تشجيع الاستثمار في الوحدات السكنية لحل الأزمة.
ومن خلال بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وجد أن ما تم إنجازه من وحدات على مدار السنوات الأربع الماضية (2014/2015 – 2017/2018) يتراوح بين 254 ألف وحدة في 2015/2016 كحد أدنى، و352 ألف وحدة سكنية في 2014/2015. وتشمل الأرقام مساهمة القطاع الخاص والحكومي، كما أنها تشمل كافة أنواع الوحدات التي يتم إنجازها بمصر من مستويات مختلفة، (الإسكان المنخفض، الاقتصادي، المتوسط، فوق المتوسط، الفاخر).
وفي كل الأحوال يلاحظ أن إجمالي الوحدات التي يتم إنجازها كل عام دون المستوى الذي حددته وثيقة البنك الدولي للمطلوب إنجازه سنويًا والمقدر بنحو 500 ألف وحدة. أي أن الأداء يكرس لاستمرار أزمة الإسكان، وأن العجز المتراكم والذي قدر بنحو 3 ملايين وحدة في 2015، في طريقه للزيادة خاصة في ظل الزيادة السكانية التي تجاوزت 105 ملايين نسمة.
وإذا كان البنك الدولي قدم قرضًا بنحو 500 مليون دولار للحكومة لمشروع الإسكان الاجتماعي، فهذا شيء جيد، لكنه ليس الحل الأوحد، فالمشكلة في قدرة الأفراد على تسديد قيمة الوحدات، وبخاصة بعد الإجراءات الاقتصادية التي طبقت بعد نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر، وأصبحت أقساط الوحدات التي تُباع عبر برنامج الإسكان الاجتماعي، غير متوفرة لدى شريحة كبيرة من السكان، خاصة الشباب حديث التخرج، والراغب في تكوين أسر جديدة.
ولذلك تراجعت نسبة الزواج في مصر خلال الفترة الماضية، وإن كانت قضية تراجع معدلات الزواج لها أسباب متعددة، إلا أن عدم قدرة الشباب على تدبير السكن من أهم هذه الأسباب، حيث لا تحظى الشريحة الكبيرة منهم، وخاصة حديثي التخرج بوظيفة مستقرة، أو العمل في إطار القطاع المنظم بسوق العمل، بحيث يتمكن الشاب من دفع أقساط الوحدة السكنية أو إيجارها الشهري، فضلًا عن مقدم الشراء، أو تجهيز الوحدات المؤجرة، والتي غالبًا ما تكون غير جاهزة للسكن، إلا بعد إنفاق مبالغ ليست بالقليلة من أجل إعدادها للسكن.
في 2014 أعلن السيسي عزمه بناء مليون وحدة في إطار برنامج الإسكان الاجتماعي خلال 4 سنوات، وتعرض المشروع غير مرة لمشكلات في تنفيذه بسبب نقص التمويل، وهو ما أفقد الأمل لدى كثيرين في الحصول على وحدات من خلال المشروع.
لكن الحكومة تبنت المشروع، وتم تنفيذ جزء منه، لكن بمعدلات أقل بكثير من طموحات برنامج السيسي الانتخابي الذي قدمه في 2014، فحسب بيانات جهاز التعبئة والإحصاء تبين أن ما تم إنجازه في مشروع الإسكان الاجتماعي خلال الفترة (2015/2016 – 2017/2018) أي خلال 3 سنوات، بلغ 197 ألف وحدة فقط. أي أن المنفذ الفعلي من المشروع في أحسن تقديراته لن يزيد عن نسبة 25% من المستهدف، خلال الفترة الأولى من حكم السيسي.
ولعله من الضروري، أن تفيق الحكومة لإيجاد استراتيجية حقيقية لمواجهة مشكلة السكن، وإرسال ما يطمئن مالكي الوحدات المغلقة بأنه لن تصدر أية قوانين تؤثر سلبًا على ملكياتهم إذا ما أجروا هذه الوحدات.