يزور الرئيس المصري محمد مرسي الصين غدًا الاثنين 27 أغسطس ويصحبه في هذه الزيارة وفدًا من رجال الأعمال المصريين، ويتوقع أن تتم مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين المصري والصيني على مستوى رجال الأعمال، إلا أن البعض يرهن على أن تساهم هذه الزيارة في زيادة الاستثمارات الصينية لمصر، من خلال إنشاء مشروعات جديدة أو زيادة ما هو قائم من الاستثمارات الصينية بمصر.
وتكتسب زيارة الرئيس المصري أهميتها للصين من كونها أول زيارة خارجية لها طابع اقتصادي، ويقرأ البعض هذه الزيارة في إطار بداية توجه جديد لمصر للتوجه شرقًا، أو لإعادة إحداث توازن في علاقات مصر الخارجية لتجمع بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين يمكن اعتبارها في إطارها الطبيعي، إلا أنها تعاني من اختلال توازن لصالح الصين.
العلاقات التجارية
منذ ما يزيد عن عقد من الزمن والسلع الصينية تغزو السوق المصرية، ولم يعد التواجد الصيني القوى قاصرًا على السلع الصينية فقط، بل تعدها إلى التواجد الشخصي للصينيين من خلال تنظيم العديد من المعارض للسلع الصينية في كافة محافظات القطر المصري، حتى وإن كانت هذه المعارض باسم مؤسسات أو أشخاص مصريين. ومما أقلق المصريين في السنوات الأخيرة ظاهرة تجارة الشنطة للصينيين في مصر.
وقد تسبب هذا الغزو للسلع الصينية في إغلاق العديد من المصانع المصرية وتحول أصحابها إلى تجارة السلع الصينية بسبب الرخص الشديد للسلع الصينية، الذي لم تستطيع معه المصانع المصرية المنافسة، وهو ما دعا الخبراء ورجال الأعمال إلى مطالبة الحكومة غير مرة بأهمية فرض رسوم إغراق على الواردات المصرية.
وبالفعل قبل ثورة 25 يناير شرعت الحكومة المصرية في فرض رسوم وقاية من الواردات على السلع الصينية، ولكن حال دون تطبيقها أن رسوم الوقاية من الواردات حسب نصوص اتفاقية منظمة التجارة العالمية لا تفرض على بلد ولكنها تفرض على سلع أيًا كان مصدرها.
ولا تمثل الصادرات المصرية للصين وزنًا مؤثرًا في حجم الصادرات المصرية البالغة نحو 25 مليار دولار سنويًا، وهي في الغالب صادرات بترولية، بالإضافة إلى بعض الصادرات في إطار مخلفات تستخدم في إعادة التدوير، فوفق البيانات المتاحة هن الفترة من 2000 – 2005، يتضح أن الصادرات المصرية للصين بلغت 0.7 مليار جنيه مصري في عام 2005 ووصلت إلى 2.2 مليار جنيه مصري في 2011.
أما الواردات المصرية من الصين فتبلغ نحو 7.5 مليار دولار في عام 2011، وبذلك يكون الميزان التجاري بين البلدين في صالح الصين، وغالبًا ما تتمثل الواردات الصينية في منتجات تامة الصنع، وبخاصة في مجال المعدات ووسائل الانتقال.
ويعاني مستخدمو الواردات الصينية في مصر من خدمة ما بهد البيع، مما يكبد المستهلك المصري جزء كبير من التكلفة، فالعديد من الآلات ووسائل النقل، تعتمد على عمليات استيراد لقطع الغيار، وهي صورة تعكس مدى قصور الصناعات المصرية في بناء علاقات من المشاركة البناءة التي كان ينبغي أن توجد مع بداية تدفق السلع الصينية على السوق المصرية، بما يؤدي في النهاية إلى توطين هذه الصناعات وتطويرها في مصر، وبخاصة أن مصر لديها الإمكانيات البشرية التي تساعدها على ذلك، ولا أدل على ذلك من صناعة السيارات، التي سيطرت فيها الصين على جزء لا بأس به من السوق المصرية.
العلاقات الاستثمارية
لا تعد الصين من الدول ذات الاستثمارات الكبيرة في مصر، فحسب بيانات البنك المركزي المصري تخلو قائمة أكبر 20 دولة في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة من اسم الصين، وتشير البيانات إلى أن إجمالي الاستثمارات الصينية المباشرة التراكمية في مصر لم تتجاوز 560 مليون دولار.
وقد بلغت هذه الاستثمارات في عام 2010/2011 نحو 47.1 مليون دولار، بينما في الفترة من يوليو إلى مارس 2011/2012 وبلغت هذه الاستثمارات إلى 58.8 مليون دولار. ولا تتناسب هذه المبالغ الضئيلة مع إمكانيات الصين الهائلة من احتياطيات النقد الأجنبي التي تتجاوز 3.2 تريليون دولار، ولا مع توسعاتها الاستثمارية في الخارج، وبخاصة بعد الأزمة المالية العالمية حيث توجهت الصين نحو آسيا وأفريقيا بشكل أكبر لتفادي مخاطر الاستثمار في أوروبا وأمريكا.
وتتركز الاستثمارات الصينية بمصر في قطاع التشييد والبناء، وعلى وجه التحديد في صناعة الرخام، ولا تتم عمليات التصنيع على الرخام في مصر بشكل كامل وإنما تقتصر على عمليات التقطيع فقط.
ويأمل المصريون في أن تتوجه الاستثمارات الصينية نحو مشروعات تعمل في إطار الإحلال محل الواردات، من أجل تقليل العجز بالميزان التجاري، وكذلك أن تعمل هذه المشروعات على استيعاب عمالة مصرية بسبب ارتفاع البطالة لمعدلات فاقت 12 % من القوى العاملة المصرية.
ويلاحظ أن الاستثمارات الصينية في مجال استكشاف النفط والغاز قد توسعت خلال السنوات الماضية بشكل كبير في كل من أفريقيا وآسيا، ولكنها لم تأتي بعد إلى مصر التي تسيطر فيها الاستثمارات الأمريكية على مجال استكشاف وإنتاج النفط، ومن شأن وجود استثمارات صينية في هذا المجال أن يتيح شروط أفضل لمصر في ظل وجود منافسة صينية أمريكية.
مصالح متعارضة
في الوقت الذي تركز فيه الصين على استمرار فتح الأسواق الخارجية لصالح صناعتها التقليدية وغير التقليدية، نجد أن التوجه المصري الجديد بعد الثورة يحاول معالجة وضعه الاقتصادية وبخاصة فيما يتعلق بعجز الميزات التجاري، وبخاصة أن جزء كبير من السلع التي يتم استيرادها من الصين لا تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة، بل هي في الأصل كانت صناعات قائمة وتم اختفاءها في ظل أجواء تنافسية لصالح السلع الصينية رخيصة أو زهيدة الثمن.
ومن الصناعات التي تحاول مصر أن تحافظ عليها وتحقق زيادة في صادراتها الكلية من خلالها صناعة النسيج باعتبارها من الصناعات المصرية العريقة والتي تستوعب أعداد كبيرة تصل لنحو 650 ألف عامل، بينما الصين تعتبر من أكبر المنافسين في العالم في صناعة المنسوجات، وبخاصة في السوق الأمريكي الذي يعد من أكبر الأسواق لصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة المصرية.
تبقى قضية في غاية الأهمية وهي توطين أو نقل التكنولوجيا، فعلى مدار السنوات الماضية كانت مشكلة الدول النامية مع الدول المتقدمة، هي قضية نقل التكنولوجيا، وكانت مسألة نقل التكنولوجيا هي الجزرة التي ألقتها الدول المتقدمة كطعم للدول النامية لكي توقع على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في عام 1995، .
ولكن بعد مرور كل هذه السنوات اكتشفت الدول النامية أنها وقعت على وهم وأن الدول المتقدمة حققت مصالحها من خلال اتفاقيات حماية حقوق الملكية الفكرية للعديد من الصناعات.
ونفس الشئ يطرح على مائدة العلاقات المصرية الصينية، هل ستظل العلاقات سائدة في إطار من التبادل التجاري ووجود بعض الاستثمارات التي تعكس مسار المصلحة في اتجاه واحد، أم أن العلاقة يجب أن تؤسس لحقبة جديدة يمكن لمصر من خلالها أن تنوع من علاقاتها الإستراتيجية، وتخلق نوعًا من التوازن في علاقاتها الخارجية بل وفي ميزان القوى الدولية، من خلال علاقتها بالصين في إطار من تبادل المصالح القائم على التوازن وحصول مصر على التكنولوجيا الصينية والبناء عليها لكي تحقق مصر ما تصبو إليه من بناء اقتصادي وسياسي يحافظ على وضعها الإقليمي والدولي.
مطالب مصرية
تعد الصين كنموذج شرقي استطاع أن يغادر مصاف الدول النامية وأن يصنف ضمن الدول الصاعدة، من النماذج التي يأمل المصريون في الاستفادة من تجربتها، من حيث إعادة بنيتها التحتية حتى تكون مؤهلة كأكبر دولة مستقدمة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو كأفضل دولة مستفيدة من توظيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في زيادة الصادرات ومحاربة الفقر وتخفيض معدلات البطالة، وفي نفس الوقت حافظت على هويتها الوطنية، ولم تسمح للقطاع الخاص الأجنبي بالسيطرة على مقدراتها الاقتصادية.
فمصر تريد أن تستفيد من تجربة الصين في تطوير صناعاتها، وبنيتها الأساسية، وكذلك جلب جزء كبير من الاستثمارات الصينية التي توجهت مؤخرًا على خارطة أفريقيا وآسيا، على أن يتم تنشيط التواجد الصيني في منطقة شرق خليج السويس، حيث حصلت الشركات الصينية على مساحات كبيرة داخل هذه المنطقة لإقامة مشروعات الترانزيت أو الاستفادة منها كمنطقة حرة، ولكن لم تظهر بعد آثار إيجابية لهذا التواجد، يمكن أن يعول عليه في تغيير العلاقات الاقتصادية المصرية الصينية، لتكون الاستثمارات المباشرة هي عماد هذه العلاقة. ومن المشروعات التي تحتاجها مصر على وجه السرعة إعادة تدوير المخلفات، سوء من خلال استثمارات صينية، أو الاستفادة من الخبرة الصينية في هذا المجال، وبخاصة أن الصين أصبحت وجهة معروفة لتصدير المخلفات الخام المصرية.
أيضًا تريد مصر أيضًا وقف هذا السيل الجارف من الواردات الصينية المخالفة للمواصفات، والتي قد يكون لها أضرارها البيئية والصحية على المستهلك المصري، فضلًا عن استنزاف العملات الأجنبية وتعميق مشكلة العجز التجاري لمصر الذي تجاوز 25 مليار دولار في عام 2011/2012.