من المتوقع أن تشهد الاستثمارات الكلية (العامة + الخاصة) بمصر تراجعًا خلال الفترة المقبلة، ففي ظل هذه الأجواء يترقب المستثمر الوضع ولا يفكر في استثمارات جديدة
الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وإذا كانت التقديرات الخاصة بوضع الاقتصاد في مصر، بعد انقلاب 3 يوليو 2013، تذهب للإشارة إلى تهديد استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني بسبب ما يحدث في سيناء من مواجهات من جماعات العنف مع الجيش والشرطة بشكل مستمر، أو في مناطق أخرى بشكل متقطع، مع غياب الممارسة الحقيقية للعملية السياسية. فإننا الآن أمام حالة من الموات التام للسياسة في مصر، بعد إقدام السيسي على اعتقال الفريق سامي عنان، ووضع الفريق أحمد شفيق رهن الإقامة الجبرية غير المعلنة، وإرسال السيسي لرسائل تهديد واضحة لمن يفكر في الاقتراب من كرسي الرئاسة.
وثمة حالة من عدم الاطمئنان تسود المؤسسات والأفراد تجاه مستقبل البلاد، وبلا شك أن لهذه الأجواء تداعياتها السلبية على أداء النشاط الاقتصادي، مما ينذر بتراجع العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وبالتالي استمرار المشكلات الاجتماعية المزمنة من بطالة وفقر وارتفاع تكاليف أعباء المعيشة.
وبعد اعتقال الفريق عنان وإحالته للمحاكمة، سادت حالة من الهرولة من قبل أفراد ومؤسسات لتأييد السيسي لانتخابات الرئاسة، فضلًا عن استقالات معلنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حزب مصر العروبة الديمقراطي، الذي كان يترأسه الفريق سامي عنان، وهو ما يعبر عن حالة من القلق والخوف تسود المجتمع، ومن المتوقع أن يكون لها دلالاتها السلبية اقتصاديًا، والتي نشير إلى بعض منها فيما يلي:
من المتوقع أن تشهد الاستثمارات الكلية (العامة + الخاصة) بمصر تراجعًا خلال الفترة المقبلة، ففي ظل هذه الأجواء يترقب المستثمر الوضع ولا يفكر في استثمارات جديدة، أو يتوسع في استثماراته الحالية، كما يحجم الاستثمار الأجنبي بشكل أكبر عن القدوم إلى مصر.
فالاستثمارات الأجنبية الجادة، والبعيدة عن غسل الأموال، أو التي تبتعد عن مواطن الفساد في ظل الديكتاتوريات، تعتني بشكل كبير بوجود دولة القانون ووجود مساحات كبيرة من الشفافية، وحسب أرقام تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي لوزارة التخطيط عن العام المالي 2016/2017 بلغت الاستثمارات الكلية المنفذة نحو 530 مليار جنيه، وهو ما يمثل نصف الاستثمارات المطلوبة لمواجهة الداخلين الجدد لسوق العمل سنويًا، إذا تغاضينا عن طبيعة الاستثمارات والقطاعات التي ضخت فيه، وهشاشة عوائدها التنموية، فإننا لابد أن نذكر أن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات أتى من خلال الديون، حيث بلغت المدخرات المحلية في نفس العام ما نسبته 3.1% من الناتج المحلي، بينما بلغت الاستثمارات المحلية ما نسبته 15.3%، أي أن الفجوة الادخارية بلغت 12.2%، يتم سدها من خلال القروض، وهو يعد عبئا أكبر على العملية الإنتاجية، وذهاب جزء كبير من عائد الاستثمار إلى سداد تكلفة التمويل.
ولا ينتظر أن تأتي لمصر استثمارات أجنبية مباشرة، في ظل هذه الأجواء السياسية السلبية إلا في قطاع البترول -الذي يستحوذ على 55% من تدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر- باعتبار الوضع القوي للشركات الأمريكية والإنجليزية والإيطالية التي تحتكر هذا النشاط في مصر، كما يتوقع أن تغيب الاستثمارات الأجنبية في باقي الأنشطة، باستثناء ما يأتي من دولة الإمارات في مخطط لاحتكار بعض الأنشطة الخدمية في مصر، نظرًا لكبر السوق المصري، وتركز الإمارات على احتكار قطاع الخدمات المالية والصحية خلال الفترة الماضية.
في هذه الأجواء الديكتاتورية التي يتشح بها الانقلاب العسكري بمصر، من الصعوبة بمكان أن يكون هناك دور للأجهزة الرقابية للدولة، فضلًا عن غياب رقابة مجلس النواب، الذي أتى بإشراف أمني كامل. ويفتخر على عبدالعال رئيس مجلس النواب بأن المجلس لم يعترض على أي قرار لرئيس الجمهورية، كما هدد عبدالعال في بداية العام المالي 2016/2017 النواب، بأن من سيناقش السياسة النقدية للحكومة سيحال للجنة القيم.
وبلا شك أن الغياب شبه الكامل، أو الكامل لأجهزة الرقابة لأعمال الحكومة، سيؤدي إلى كارثة في ظل السياسات الاقتصادية غير المحسوبة، مثل وصول الدين العام الخارجي لنحو لأكثر من 81 مليار دولار، وذلك بدون حساب نحو 20 مليار دولار لمستثمرين أجانب في أذون الخزانة للحكومة، أي أن ديون الأجانب تخطت حاجز الـ 100 مليار دولار. وكذلك حديث السيسي غير مرة عن مشروعات ومطالبته بعدم السؤال عن مصدر التمويل، واستمراره في الدخول في مشروعات عامة بقرار فردي، دون دراسات جدوى أو بيان مصادر التمويل وتكلفتها.
عرفت مصر عبر تاريخها في ظل العسكر، تستر الفاسدين في رداء الديكتاتورية، وحكمت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ما عرف في إطار قاعدة “العطاء مقابل الولاء” أو تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، وإذا كانت الأيام الأخيرة قد شهدت إلقاء القبض على مسئولين بتهم فساد، فإن الأمر يرجع لصراعات شخصية أوقعت بالفاسدين، وليس لرغبة الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد، ويتوقع خلال الفترة القادمة أن يتراجع ترتيب مصر على مؤشر مكافحة الفساد. وإذا كانت مصر تحصل على 34 درجة من إجمالي 100 درجة لمؤشر الفساد، فالمتوقع أن تنخفض هذه الدرجة العام القادم، كما سيتراجع ترتيبها بين الدول، حيث تأتي مصر حسب ترتيب عام 2016 في المرتبة 108 من بين 176 دولة شملها المؤشر، بعد أن كانت تحتل المرتبة 88 في عام 2015، أي أن مصر تراجعت 20 مرتبة في عهد السيسي.