على مدار عقود تزايدت العمالة المصرية المهاجرة، وزادت معها تحويلاتهم، حتى مثلت أحد أهم روافد النقد الأجنبي للبلاد.
وفي ظل تراجع العديد من المصادر الأخرى للنقد الأجنبي لمصر في السنوات الخمس الماضية، من سياحة ونفط واستثمار أجنبي مباشر، وحتى إيرادات قناة السويس، ظلت تحويلات المصريين بالخارج صامدة تتراوح بين 12 و19 مليار دولار.
وصرح مؤخرا أحد العلماء المغتربين لوسائل الإعلام بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اقترح في اجتماعه مع مجلس العلماء بأن يقوم كل مصري بالخارج بتحويل مئة دولار لذويه لمواجهة العجز في العملة الصعبة، حيث تعاني مصر من أزمة في الموارد الدولارية أثرت بشكل واضح على أداء العديد من الأنشطة الاقتصادية.
الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، مدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية، صرح للجزيرة نت بأن الحكومة المصرية تعوّل كثيرا على العاملين بالخارج، فتبني خطتها مثلا لمواجهة نقص الموارد من العملة الصعبة على طرح الأراضي في مصر للعاملين بالخارج، على أن يتم السداد بالدولار، ثم مؤخرا تم اقتراح تحويل كل مصري مغترب مبلغ مئة دولار لحل أزمة نقص العملة الصعبة.
ويبين شاهين أن عوائد مصر من تحويلات العاملين بالخارج في تزايد مستمر، فحسب قاعدة بيانات البنك الدولي فقد زادت التحويلات من 5.3 مليارات دولار عام 2006 إلى 19.5 مليار دولار في 2014، أي أن مقدار الزيادة بين عامي المقارنة بلغ 14.2 مليار دولار، بنسبة تقدر بنحو 267.9%.
ويؤكد شاهين أن هذه التحويلات تحدث أثرا إيجابيا في الدورة الاقتصادية بمصر، حيث إن هذه التحويلات تصرف عادة على الاستهلاك من مأكل ومشرب وملبس وتعليم وصحة، فتشكل نفقات نحو ثلث السكان في مصر.
وبشأن مقترح تحويل مئة دولار من قبل كل مصري بالخارج، يرى شاهين أن المصريين بالخارج يحولون أضعاف ما طالب به المقترح، ولا يمثل المقترح حلا لأزمة الدولار في مصر حسب رأيه، فتراجع عائدات مصر من السياحة والصادرات السلعية وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر، من الصعوبة تعويضه بمجرد تحويل مئة دولار من كل مغترب.
وطالب شاهين بأن تركز الحكومة جهودها في استعادة موارد مصر من الدولار، بدلا من الاعتماد على جمع التبرعات، أو بناء آمال لقضية مهمة للاقتصاد المصري على مجرد توقعات بتحويلات قد تحدث أو لا تحدث.
المنتج التلفزيوني إمام الليثي قال للجزيرة نت إنه "ليس على استعداد كمغترب لدفع أمواله لمن يسعى لتضخم دخله وثروته على حساب الطبقتين الوسطى والفقيرة"، ولو كان الأمر يتعلق باحتياج البلد فهذه مسألة أخرى.
ويضيف الليثي أن المقترح بتحويل كل مغترب مئة دولار ليس إلا هروبا من المسؤولية، فالحكومة واجبها أن تسعى لحل المشكلات التي تواجهها مصر، وليس عبر إلقائها على كاهل أبنائها في الخارج، حسب رأيه.
وطالب الليثي بأن تتساوى رواتب رجال الجيش والشرطة والقضاة بباقي أبناء المجتمع أولا، ثم تطالب الحكومة المغتربين بعد ذلك بالتبرع أو بتحويل أموال إضافية. ودون ذلك لن يستجيب الليثي لدعوة تحويل مبلغ مئة دولار وغيرها من الدعوات المماثلة.
أما محمد عيد -وهو مهندس مدني- فيرى أن البلد الآن يمر بأزمة، ومن واجب أبنائه أن يستجيبوا لهذه الدعوة، بغض النظر عن تأييدهم أو معارضتهم للنظام الحاكم في مصر الآن. وحسب رأي عيد فإن هذه المساهمة ستخفف عن الفقير ولو بشكل غير مباشر.
ويضيف عيد أن تراجع موارد مصر من الدولار عبر المصادر الأخرى المعتادة سيزيد من معاناة الاقتصاد المصري، وبالتالي لا بد من العمل على زيادة تحويلات المصريين بالخارج لتوفير الدولار لاحتياج الواردات حتى لا ترتفع الأسعار بمعدلات قياسية، مؤكدا أن هذه التحويلات نوع من حل المشكلة.