على الرغم من أن قائد الانقلاب العسكري بمصر تحدث كثيرًا عن أمور اقتصادية وأثبت الواقع عدم صحتها، وأبرزها حديثه المتكرر عن انخفاض الأسعار خلال شهور، فإن النتيجة كانت ارتفاع معدلات التضخم لتتجاوز نسبة 34%، ومؤخرا في حديثه لأحد وسائل الإعلام بمؤتمر الشباب بشرم الشيخ، صرح يوم 9 من نوفمبر/تشرين الثاني بأنه يتوقع أن ينخفض الدولار في السوق المصرية خلال الفترة القادمة.
إلا أن قدر السيسي العثر أن وكالة ستاندرد آند بورز –للتصنيف الائتماني- لم تمهله يتمادى في أوهامه، فأصدرت تقريرها السبت 11 من نوفمبر/تشرين الثاني، لتشير إلى عكس ما توقعه السيسي تمامًا، فبين تقرير الوكالة أن متوسط سعر صرف الجنيه خلال العام المالي الحالي، والذي ينتهي في 30 من يونيو/حزيران 2018، سيكون بحدود 19.5 جنيه للدولار، والأدهى هو أن توقعات الوكالة تذهب إلى أن متوسط سعر الصرف بمصر سيكون خلال الفترة 2019 – 2020 بحدود 21.5 جنيه للدولار.
ويهدم تقرير الوكالة ما يذهب إليه السيسي وفريقه الاقتصادي من أن مصر نجحت في الوصول باحتياطي النقد الأجنبي لأكثر من 36 مليار دولار، فتوقعات الوكالة تؤكد ما يذهب إليه الخبراء الاقتصاديون بشأن هذا الاحتياطي، كونه يعتمد على القروض الخارجية والودائع الأجنبية، وكذلك استثمارات الأجانب في الدين العام المصري.
تمادى قائد الانقلاب العسكري في أحاديث الوهم الاقتصادي منذ يوليو/تموز 2013، منذ وعده للمصريين بأنهم سيرون مصر أخرى أكثر رخاءً خلال عامين، وأنهم سوف يستغربون كيف حدث هذا؟ ومرورًا بأكاذيب مؤتمر “مستقبل الاقتصاد المصري” في مارس/آذار 2015، وانتهاءً بتحسن أداء التنمية في مصر خلال مؤتمر الشباب بشرم الشيخ.
هذا التمادي لم يأت من فراغ، ولكنه وليد غياب رؤية اقتصادية وفريق عمل، فالرجل يصدر القرارات وحده، من دون دراسة، كما لا يواجه أي نوع من الرقابة من قبل السلطة التشريعية أو الأجهزة الرقابية الأخرى، وساعدته يد البطش على كتم صوت المواطن الذي يعاني من قسوة الأعباء المعيشية.
حديثه عن تحسن التنمية في مصر، يكذبه الواقع، فمؤشرات التنمية ليست سرًا ولا سحرًا، إنما هي معلومة من خلال المؤسسات الدولية والهيئات العلمية، فمؤشر التنمية البشرية الذي يصدره البرنامج الإنماء للأمم المتحدة يعتمد على ثلاثة مؤشرات فرعية، هي الدخل والتعليم والصحة، وعلى صعيد الدخل ارتفع معدل فقر الدخل بمصر ليصل إلى 28% قبل نهاية 2016، ويتوقع الخبراء بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أن يكون معدل الفقر قد قفز إلى أكثر من 30%.
كما أن الحديث عن تراجع التعليم بمصر في ظل الانقلاب العسكري لا يحتاج إلى دليل، حيث خرجت مصر من مؤشر قياس التعليم وفق مؤشر التنافسية العالمي الذي يصدره منتدى دافوس، ولا أدل على انصراف الانقلاب عن الاهتمام بالتعليم من رفضه للمنحة اليابانية التي قامت ببناء مدارس وتعهدت بتمويلها شرط أن تكون مجانية ولصالح أبناء الفقراء، بينما رأى السيسي نفسه أن تكون بمصروفات ولأبناء القادرين، لتتحول المنحة لتجارة لصالح الحكومة.
وتشير إحصاءات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن المصريين يتحملون 75% من تكاليف علاجهم وتساهم البرامج العلاجية العامة بتحمل 25% فقط، ولا يتورع قائد الانقلاب عن تشويه منظومة العلاج بمصر، وبخاصة في أهم مقوماتها وهو الجانب العلمي، فبعد أكذوبة ووهم اختراع جهاز علاج الكبد والإيدز، أعلن في وجود السيسي وفي مؤتمر الشباب عن نجاح زرع الكلى الصناعية بمصر، لعلاج مرضى الفشل الكلوي!
أي تحسن شهدته التنمية بمصر في ظل الانقلاب العسكري؟ التوصيف الحقيقي أن مصر تشهد المزيد من التخلف الاقتصادي، ولعل تقرير وكالة ستاندرد آند بورز الصادر في 8 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، عن أضعف خمس اقتصاديات خير دليل، حيث جاءت مصر في المرتبة الرابعة بين الدول الخمس الأكثر ضعفًا على مستوى العالم، وذلك لأدائها السيئ في مجالات مخاطر الديون السيادية والحساب الجاري والاحتياطيات الأجنبية.
في ظل إدارة السيسي لأمور الاقتصاد المصري، وتجاوزه لمؤسسات الدولة الاقتصادية، وانفراده بكثير من القرارات الاقتصادية، سوف تصحو مصر على كارثة اقتصادية، ولعل مجالها الأوسع سيكون الدين الخارجي، والذي يتم استهلاكه في مجالات جارية، وبعيدة كل البعد عن الاستثمار، ما يجعل أعباء هذه الديون تتجاوز أي إيرادات يمكن توظيفها لصالح التنمية.