تغيرت مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي في مصر مع مجيء حكومة الدكتور أحمد نظيف في العام 2004، وتفاقمت ظاهرة زواج الثروة والسلطة بصورة أكبر مما كانت عليه من قبل.
"
أحد رجال الأعمال استحوذ على أراضي شركة مدينة نصر للإسكان تقدر قيمتها بنحو 30 مليار جنيه (5.2 مليارات دولار) في حين لم يدفع نظير شراء حصة في أسهم هذه الشركة سوى 486 مليون جنيه (85.6 مليون دولار)
"
وأوضح مؤسس حركة "لا لبيع مصر" المهندس يحيى حسين في ندوة عقدها بالقاهرة الفرعُ المصري لمنظمة "برلمانيون عرب ضد الفساد" بعنوان "قواعد الأخلاق البرلمانية وتضارب المصالح وتزايد الفساد في مصر"، أن هذا الوضع مكّن رجال الأعمال من القيام بدور الرقيب على مجالات تتعلق بأنشطتهم الاقتصادية، مما أوجد حالات فساد لا تحتاج إلى إشارة أو بيان.
ودلل حسين على ذلك بما حدث في تطبيق برنامج الخصخصة، حيث عُين رجال الأعمال أعضاء في مجلس إدارة شركات قطاع الأعمال العام، ثم باعوا أصولها لشركاتهم الخاصة، وبذلك أصبح رجال الأعمال هم البائعون والمشترون في نفس الوقت.
فأحد رجال الأعمال استحوذ على أراضي شركة مدينة نصر للإسكان تقدر قيمتها بنحو 30 مليار جنيه (5.2 مليارات دولار)، في حين لم يدفع نظير شراء حصة في أسهم هذه الشركة سوى 486 مليون جنيه (85.6 مليون دولار).
وطالب النائب أحمد أبو بركة بأهمية وجود منظومة أخلاق تحكم علاقة النواب بالحكومة، حيث لوحظ على مدار الفترة الطويلة السابقة أن الحكومة تقوم بعملية إفساد لنواب البرلمان عبر منحهم أراضي أو وحدات سكانية أو وظائف حكومية مخالفة للقانون.
وللأسف فقد قبِل النواب الرشوة الحكومية وتجاروا بهذه الأراضي والوحدات السكانية كما تقاضوا مبالغ طائلة نظير عضويتهم في مجالس إدارة شركات أو مصارف حكومية.
بل إن الأدهى من ذلك، على حد قول أبو بركة، أن بعض نواب البرلمان المصري تاجروا في قرارات علاج المواطنين على نفقة الدولة وأساؤوا استخدامها. والثمن الذي يدفعه النواب نظير قبولهم هذه الرشاوى الحكومية هو التغاضي عن القيام بدورهم الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية.
أما الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق فقد أشار إلى وجود العديد من المتغيرات التي ساعدت على تفاقم الفساد في المجتمع المصري وبخاصة بين نواب البرلمان ورجال الأعمال والقضاة.
فرجال الأعمال أقاموا مؤسساتهم من خلال أموال البنوك الحكومية حيث يحصلون على نحو 85% من حجم الائتمان الممنوح من البنوك، كما حصلوا على الجانب الأعظم من أموال المعونات الأجنبية.
ويوضح عبد الخالق في هذا الصدد أن نحو 20 شركة مملوكة لرجال أعمال حصلت على نحو 172 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 1995 و1998. كما تناول عبد الخالق ظاهرة أخرى مثل تعيين أعضاء الهيئات الرقابية بعد إحالتهم إلى المعاش في شركات رجال الأعمال أو في شركات قطاع الأعمال العام نظير مبالغ طائلة.
من جانبه أشار عضو البرلمان ورئيس الفرع المصري لمنظمة "برلمانيون عرب ضد الفساد" جمال زهران إلى أن التجارب الديمقراطية السليمة تقوم على الفصل التام بين النائب البرلماني وبين ممارسته النشاط الاقتصادي الخاص.
"
نحو 20 شركة مملوكة لرجال أعمال حصلت على نحو 172 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 1995 و1998
"
فبمجرد حصوله على عضوية البرلمان يترك شركاته الخاصة ويتفرغ لعضويته في الوقت الذي تدار فيه شركاته عن طريق ما تسمى "مؤسسات الثقة العمياء". ويتسلم شركاته بعد خروجه أو فقده عضوية البرلمان، على أن تدار هذه الشركات على أسس اقتصادية.
وبين زهران أن الحالة المصرية تعاني من العديد من المخالفات القانونية والدستورية فيما يتعلق بعلاقة النواب بالحكومة في الجوانب الاقتصادية. فهناك نحو 25 وظيفة حكومية ممنوحة لنواب حاليين في البرلمان حصلوا عليها أثناء عضويتهم بالبرلمان.
وذهب زهران إلى أنه لن تكون هناك مقاومة حقيقية للفساد بمصر إلا إذا تم فض اشتباك المصالح بين البرلمانيين والسلطة التنفيذية كما هو معمول به في التجارب الديمقراطية الحقيقية.