الرئيسية / مصر / الدين العام المصري وأعباء تجاوز الحدود الآمنة

الدين العام المصري وأعباء تجاوز الحدود الآمنة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 19-04-2014
  • 104
الدين العام المصري وأعباء تجاوز الحدود الآمنة
  • المصدر: الجزيرة

وامة المديونية العامة بمصر هي في حقيقتها عرَض لمرض يتمثل في هشاشة البنية الهيكلية للاقتصاد المصري، فهو اقتصاد ريعي من ناحية، ومن ناحية أخرى تزداد فيه حالة التبعية للخارج بدرجة كبيرة.

فقد ظل المسؤولون منذ منتصف التسعينيات يعلقون كل مشكلة اقتصادية على الأحوال الإقليمية والدولية، وكأنها مخرج لهم من تقصيرهم في إدارة الاقتصاد المصري بشكل صحيح.

فكون الاقتصاد عرضة للتقلبات الخارجية معناه زيادة درجة التبعية، وكثير من الدول الصاعدة تأثرت بالأحداث الاقتصادية السلبية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ومع ذلك استكملت أجندتها التنموية، وتحسنت بها العديد من المؤشرات الاقتصادية الدالة على وجود أجندة وطنية للتنمية تقوي من مقومات الاقتصاد المحلي.

منذ سنوات والحكومات المتعاقبة تتلقى إنذار تزايد خطر المديونية العامة، وكانت دائما تهون من مخاطر ذلك مشيرة إلى الدين لا يزال في الحدود الآمنة.

ولجأت الحكومات لحيلة الخطاب الإعلامي من خلال تقسيماتها للدين المحلي للتقليل من شأنه، كأن تفصل البيانات الحكومية بين الدين الحكومي ودين الهيئات الاقتصادية ودين بنك الاستثمار القومي، وعادة ما كانت تنسب الحكومة دينها فقط إلى الناتج المحلي الإجمالي ليظهر بقيمة أقل من سقف الـ60%.

والحقيقة أن هذه التقسيمات ليست أكثر من مجرد خدعة، فالهيئات الاقتصادية ترتبط بالموازنة العامة للدولة من حيث الفائض والعجز بموجب القانون، فضلا عن إداراتها عن طريق المؤسسات الحكومية، وكذلك بنك الاستثمار القومي الذي يمول مشروعات الموازنة العامة للدولة مجبرا بحكم القانون.

وحتى إن صحت هذه التقسيمات في مجال الجدل النظري، فإن المجال العملي يظهر أن أعباء الدين العام بمكونيه (المحلي والخارجي) تتحملها الدولة، سواء في صورة فوائد أو أقساط، وهو ما يعني في النهاية أن تلك التقسيمات لمجرد الإلهاء السياسي.

"
ما يزيد من مشكلة الدين العام في مصر أنها تدار بصورة سيئة، حيث اكتفت الحكومات السابقة بمجرد إعادة استهلاك الديون القديمة بديون جديدة وبسعر فائدة أعلى
"

قياس الخطر

من المتعارف عليه في قياس حجم الدين العام ومدى خطورته، أن لا يتجاوز نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وحينما ننظر إلى البيانات المعلنة بنشرة البنك المركزي المصري لشهر يوليو/تموز 2014، نجد أن إجمالي الدين العام المحلي قد بلغ 1.7 تريليون جنيه مصري بنهاية مارس/آذار 2014.

ويضاف إليه الدين العام الخارجي المذكور بنفس النشرة، والبالغ 45.2 مليار دولار، وبتحويل هذا المبلغ للجنيه المصري (حسب سعر الصرف الرسمي 7.15 جنيهات للدولار)، نجد أنه يصل إلى 323 مليار جنيه.

وبذلك يكون إجمال الدين العام (المحلي + الخارجي) 2.02 تريليون جنيه مصري، أي ما يعادل نسبة 99.5% من إجمالي الناتج المحلي الذي قدرته الحكومة للعام المالي 2013/2014 بـ2.03 تريليون جنيه.

وهناك ملاحظة مهمة، وهي أن بيانات الدين العام تقف عند شهر مارس/آذار 2014، وإذا ما أضيفت إليها زيادات الدين العام للشهور الثلاث المتبقية للعام المالي (أبريل/نيسان-يونيو/حزيران) فسيتجاوز الدين العام نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل لا يحتمل أي لبس.

ومما يزيد من مشكلة الدين العام في مصر أنها تدار بصورة سيئة، حيث اكتفت الحكومات السابقة بمجرد إعادة استهلاك الديون القديمة بديون جديدة وبسعر فائدة أعلى، ولم تتبن حكومة واحدة منذ تفاقم أزمة الدين العام تقديم برنامج لسداد الدين العام، وعدم تجاوزه مرحلة الخطر.

ولا يزال مارثون إصدار سندات وأذون الخزانة مستمرا، من خلال الإعلان الأسبوعي لوزارة المالية، باقتراض من 5 إلى 7 مليارات جنيه، وحقيقة الأمر أن الهيئات والمؤسسات الدائنة للحكومة المصرية لا تحصل على أصل الدين، لأنه يعاد تدويره من خلال شراء أدوات الدين الجديدة.

المخاطر

لقد قفز الدين العام المحلي من 97 مليار جنيه في عام 1991 إلى 246 مليارا في عام 2000، ثم إلى 888.7 مليار جنيه في عام 2010، ثم تزايدت قيمته بمتوسط يزيد على 200 مليار جنيه خلال الفترة من عام 2010 إلى 2014.

أما الدين الخارجي فبلغ 31 مليار دولار في عام 1992، ثم انخفض في عام 2000 ليصل إلى 25.8 مليار دولار، وعاد للزيادة مرة أخرى في عام 2010 ليصل إلى 30.7 مليار دولار، واستمرت الزيادة في قيمة الدين الخارجي لتصل إلى 36.1 مليار دولار في عام 2013، إلا أن الطفرة الكبيرة كانت مع نهاية عام 2014، حيث بلغ الدين الخارجي 46 مليار دولار.

ولا توجد دولة في العالم ليس عليها ديون، ولكن العبرة بكيفية إدارة هذا الدين وعدم تجاوزه الحدود الآمنة، وبخاصة إذا ما كنا نتحدث عن اقتصاد ريعي يعتمد في عوائد الريع على مصادر خارجية وليست داخلية بنسبة كبيرة


"
لا توجد دولة في العالم ليس لديها ديون، ولكن العبرة في كيفية إدارة هذا الدين وعدم تجاوزه الحدود الآمنة، وبخاصة إذا ما كنا نتحدث عن اقتصاد ريعي يعتمد في عوائد الريع على مصادر خارجية
"

ومن هذه المداخيل عوائد قناة السويس والسياحة والبترول -الذي فقد هذه الميزة مؤخرًا حيث أصبحت مصر منذ عام 2008 مستوردا صافيا للبترول- وكذلك تحويلات العاملين بالخارج. وبذلك فإن هناك مجموعة من المخاطر تتربص بمستقبل الاقتصاد المصري نتيجة تفاقم الدين العام:

1- تكريس أزمة الموازنة العامة
تحميل الموازنة العامة للدولة أعباء خدمة الدين العام المرتفع والذي تجاوز تريليوني جنيه، ستكون بحدود 240 مليار جنيه، على اعتبار أن سعر الفائدة على الدين يبلغ 12% في المتوسط، وهو ما يفوت على صانع السياسة المالية الفرصة البديلة، بتوظيف هذا المبلغ لصالح خدمات الصحة أو التعليم أو البنية الأساسية، أو تحسين الأحوال المعيشية للفقراء.

وبالتالي ستظل الفجوة التمويلية بالموازنة العامة للدولة تعتمد على التمويل بالدين، لتستمر متوالية ملعونة، من عجز فدين، ولا يلوح في الأفق وجود فرصة في تحريك حالة الركود بالاقتصاد المصري.

فحتى حزمتا التحفيز التي أُعلن عن تفعيلهما خلال العام المالي 2013/2014، تم تمويلهما من الدين الخارجي والمحلي، وإذا ما استمرت معدلات النمو بالناتج المحلي على ما هي عليه، فإن ثمة توقعات بتراجع الإيرادات العامة، وبنهاية العام المالي 2014/2015 ستكون قيمة الدين العام قد تجاوزت حاجز 2.3 تريليون جنيه.

2- استمرار أزمة المعاشات
كانت موارد صناديق المعاشات والتأمينات منذ نشأتها مصدرا لتمويل بنك الاستثمار القومي، الذي يقوم بدوره بتمويل مشروعات الموازنة العامة، وتراكمت هذه المديونية، وفي عهد حكومة أحمد نظيف تم ضم التأمينات والمعاشات لوزارة المالية، ليتم إصدار صكين بإجمالي مديونية صناديق التأمينات والمعاشات بنحو 268 مليار جنيه مصري.

ومع تدهور الأحوال المعيشية في مصر، يأمل أصحاب المعاشات في أن تستقل هيئة التأمينات الاجتماعية بمواردها وأن يكون لديها عائد تعتمد عليه في تحسين المعاشات، إلا أن الأزمة التمويلية للحكومة المصرية تحول دون الوصول لهذا المقترح.

ولا يعتقد في الأجلين القصير والمتوسط أن تتمكن الحكومة من رد أموال التأمينات، وبذلك ستكون فكرة تطبيق الحد الأدنى للمعاشات بعيدة المنال خلال المرحلة القادمة، بسبب أزمة الدين العام في مصر.

3- تقليص دور البنوك
تسهم البنوك بدور كبير في تمويل الدين العام المحلي وبخاصة بنوك القطاع العام، وهو ما أدى إلى ضعف موقف البنوك في التصنيف الائتماني للمؤسسات الدولية، ولم يكن هذا التمويل بلا ثمن، فقد أثر ذلك على الاقتراض الممنوح لقطاع الأعمال، وبخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فزاد الفقر ليشمل 26% من المجتمع المصري، وكذلك البطالة التي بلغت نسبة 13.4%.

وثمة معلومة خاطئة يتداولها المتحدثون في الشأن الاقتصادي المصري، وهي أن الجهاز المصرفي يمتلك سيولة تقدر بـ48% من حجم الودائع البالغ 1.2 تريليون جنيه مصري. ومصدر الخطأ هنا، أن المصرفيين يعتبرون المبالغ المستثمرة في أذون الخزانة سيولة متوفرة، لسرعة تسيلها، والحقيقة أنها غير موجودة.

وإذا كانت هذه السيولة متوفرة بالبنوك، فلماذا يلجأ النظام إلى الاكتتاب العام بسندات قناة السويس لتوفير 60 مليار جنيه؟ إذا كانت البنوك تمتلك نصف تريليون جنيه سيولة، فمن السهل أن تغطي الاكتتاب في مبلغ 60 مليار جنيه، مستفيدة من سعر الفائدة المرتفع 12%.

4- زيادة أعباء المواطنين

"
ستظل الفجوة التمويلية في الموازنة العامة للدولة تعتمد على التمويل بالدين، ولا يلوح في الأفق وجود فرصة في تحريك حالة الركود بالاقتصاد المصري
"

عكست أزمة الدين العام بالموازنة العامة للدولة نفسها من خلال حزمة التشريعات الضريبية التي صدرت بقانون الموازنة، للعمل على زيادة الإيرادات، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من حالة ركود، لا يتناسب معها -وفق النظرية الاقتصادية- فرض أعباء جديدة على المجتمع، فصدرت قوانين لتعديل الضريبة العامة على الدخل، والضريبة العقارية.

كما أعلنت الحكومة بأنها بصدد دراسة مشروع قانون للتصالح مع المخالفات العقارية، على أن يكون هذا القانون ساريا لمدة ستة أشهر فقط، وهو استثناء على قانون الإسكان الحالي الذي لا يجيز التصالح، ويقضي بإزالة المخالفات، وهو ما فسر مسلك الحكومة برغبتها في الجباية وتحصيل الأموال لوقف نزيف الدين العام.

احتمالات الزيادة قائمة

تبقى القضية الرئيسة في تحريك النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات النمو، ولكن هذا المتغير المستقل تغله عوامل أخرى، منها أزمة الطاقة التي تمر بها مصر، والتي لا يلوح حل لها في الأجل القصير، وبالتالي سيكون لهذا الأمر دوره في إعاقة تحقيق معدلات النمو المستهدفة وهي 3.2%.

وسيكون لهذا الأمر تبعاته من التأثير على الإيرادات العامة المستهدفة، وهو ما يعني زيادة قيمة العجز ليتجاوز الحدود المقدرة بموازنة عام 2014/2015، ولن يتم تعويض هذا العجز إلا عن طريق الدين.

وإذا كانت بيانات البنك المركزي تشير إلى أن الدين الخارجي قد زاد بقيمة عشرة مليارات دولار خلال الفترة من يونيو/حزيران 2013 إلى يونيو/حزيران 2014، فمن المتوقع أن تطلق الحكومة يدها في الاقتراض الخارجي، إذا ما سمحت لها الظروف في ظل تكلفة تمويلية منخفضة