المشهد الاقتصادي بمصر لا يختلف كثيرًا عن المشهد السياسي من حيث وجود حالة من اللبس، فالرئيس المصري محمد مرسي وكثير من المسئولين المصريين أكدوا غير مرة على عدم إحداث تغيير في التوجهات الاقتصادية لمصر.
ومن ذلك الإبقاء على سياسات اقتصاد السوق، وأن دور القطاع الخاص سوف يزداد ولكن في ظل ضوابط تحد من تكرار ظاهرة زواج المال والسلطة، أو ممارسة احتكارات في السلع الاستراتيجية، أو تخصيص موارد وثروات عامة لأشخاص بعينهم.
إلا أن الوسط الاقتصادي فى مصر عادة ما يردد أن الرؤية الاقتصادية غير واضحة، وأنه لا يوجد مشروع قومي بإمكانه قيادة قاطرة الاقتصاد المصري، لتخفيف حدة البطالة والفقر، وإحداث حالة من الرواج الاقتصادي وإنعاش الطلب المحلي.
كما يُعول كثيرًا على تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعد من أبرز أهداف ثورة 25 يناير، وينتظر المواطنون ثمار لتطبيقها على أرض الواقع. والسؤال المطروح هنا هو إلى أي مدى تم تناول هذه المحاور في حوار الرئيس المصري مع الإعلامي عمرو الليثي فجر الاثنين 25 فبراير/ شباط الجاري.
وقبل تناول القراءة التحليلية لمضمون حوار د. محمد مرسي، لابد من الإشارة إلى أنه ركز بشكل واضح على ضرورة الاستقرار السياسي والأمني، وإنهاء المرحلة الانتقالية، وأن جنى ثمار الإصلاح الاقتصادي يتطلب بعض الوقت، سواء في المجال الإنتاجي أو الخدمي.
فيما يؤخذ على مضمون حوارالرئيس المصري أنه لم يتطرق إلى ما يجب عمله في الأجل القصير، وهو ما يحتاج إليه الشارع الآن، كما لم يتطرق أيضًا إلى برنامج للتشغيل ومواجهة البطالة، التي تتزايد معدلاتها بعد الثورة عما كانت عليه في عام 2010.
ووفق بيانات حكومية فقد ارتفع معدل البطالة في مصر إلى 13% بنهاية العام 2012.
وفي ملف الفساد لا يزال الشارع ينتظر معالجات سريعة وحاسمة تمثل ردعًا لمن تسول له نفسه السير في نفس طريق فاسدي النظام المصري السابق، فمعظم القضايا التي تنظرها المحاكم أسفرت إما عن براءات أو إعادة محاكمة، وهو ما أصاب الشارع بخيبة أمل.
ويلاحظ هنا أن تصريحات الرئيس التى جاءت فى اطار الحوار تهدف إلى إيصال رسالة للمواطنين بأنه لا يمتلك عصاة سحرية لحل المشكلات الاقتصادية، وأن الأمر يتطلب المزيد من العمل والإنتاج، وهو ما يعد خطوة جيدة يمكن البناء عليها في خطاب الشعب المصري، الذي دغدغت عواطفه تصريحات لساسة وإعلاميين عن إمكانية الانتقال لوضع اقتصادي أفضل في فترة زمنية قصيرة.
كما ركز الرئيس المصري في حواره على الفساد وحجمه الذي لم يكن يتصوره، وأنه حجر عثرة أمام الانطلاق الاقتصادي بمصر، وأنه بصدد إزالة هذا الفساد من مواقع كثيرة، حتى يستطيع المواطن أن يشعر بخطوات الإصلاح، وضرب الرئيس مثال بما يتم في دعم الطاقة، وبخاصة السولار، الذي تتم فيه عمليات تهريب بشكل كبير.
وفي الوقت الذي أكد فيه مرسي على أهمية ترشيد الدعم ووصوله إلى مستحقيه في كافة المجالات، وبخاصة في مجال الوقود، شدد على أن ذلك لن يؤدي إلى رفع الأسعار، سواء في مجالات النقل والمواصلات أو غيرها. ولكن الطاقة سوف يتم رفع سعرها على غير مستحقي الدعم، وهذا نوع من العدالة المطلوب تحقيقها.
§ المشروعات الكبرى
في هذا الحوار سمى مرسي مشروعات بعينها، مثل محور إقليم قناة السويس، مع تأكيده على أن الممر الملاحي لهيئة قناة السويس والشركات التابعة لهيئة قناة السويس ستظل مصرية خالصة، من حيث الملكية والإدارة، وعول كثيرًا على اقتصاديات هذا المشروع، وما سيجلبه من أنشطة اقتصادية بمنطقة مدن القناة، وإتاحة العديد من فرص العمل.
إلا أن الرئيس مرسي لم يتطرق إلى تفاصيل هذا المشروع من حيث حجم ونوع المشروعات التي سيتم تنفيذها، ولم يتم التطرق إلى حجم التمويل، وهي قضية مهمة يحتاج الشعب أن يقف على أبعادها.
ولعل ما أعلن في وسائل الإعلام مؤخرًا على لسان وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية المصرى يُجيب على هذا السؤال، حيث أكد الوزير على أن المشروع بتفصيلاته سوف يحال إلى مجلس الوزراء غدا الأربعاء 26 فبراير/ شباط الحالي.
وقد فرضت الأوضاع السياسية لمدن القناة وفي سيناء نفسها على التوجهات الاقتصادية للرئيس المصري، حيث أعلن عن تخصيص 400 مليون جنيه سنويًا لتطوير مدن القناة ولدعم مشروعاتها الاقتصادية والخدمية.كما جاء أمر عودة بورسعيد كمدينة حرة في هذا الإطار.
وسيسفر تصرف محمد مرسي تجاه مدن القناة وسيناء في إطار ما هو متعارف عليه في أدبيات المالية العامة بالتوظيف السياسي للإنفاق العام.
ويتوقع أن تؤدي هذه الخطوات إلى مزيد من الاستقرار في مدن القناة، مع ضرورة وجود خطوات سريعة على الصعيد القضائي في أحداث بورسعيد الأخيرة، والتي لقي فيها نحو 47 من أبناء المدينة مصرعهم، وتسبب في أحداث عنف متلاحقة بالمدينة.
المشروع الثاني، وهو زراعي في منطقة جنوب سيوه، والذي قدره الرئيس بنحو مليون فدان، وعلى أن يشمل المشروع استيعاب ملكيات متعددة لشركات وأفراد، لمساحات كبيرة ومساحات تخصص للشباب، وأن الهدف من المشروع استثمار زراعي، مع وجود صناعات زراعية تعتمد على منتجات هذا المشروع.
§ مراعاة الجوانب الاجتماعية
ثمة خطوات ملموسة في تصريحات الرئيس المصري نحو الجوانب الاجتماعية التي ينتظرها الكثير من المواطنين، ومن ذلك رفع حد الإعفاء الضريبي للمواطنين من 9 آلاف جنيه مصري إلى 12 ألف جنيه مصري ما يعادل 1.78 ألف دولار.
ومن شأن هذا الإعفاء أن يتيح مساحة من زيادة الطلب المحلي ورفع معدلات الاستهلاك لدى المواطنين في الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، وهي شريحة بطبيعتها تميل إلى زيادة الميل الحدي للاستهلاك، بحكم حاجتها لتلبية احتياجات أساسية في متطلباتها المعيشية.
وحسب التقديرات فسوف يستفيد من هذا الإعفاء نحو 2.5 مليون مواطن، مما يعني زيادة استهلاك 2.5 مليون أسرة مصرية. ويتطلب هذا الأمر وجود رقابة حقيقية على الأسواق، حتى لا تستنزف هذه الفوائض المالية لدى هذه الشريحة في زيادة الأسعار.
أيضًا جاء التأكيد على التوجه نحو تطبيق الضرائب التصاعدية، وإن كان الرئيس لم يتطرق إلى معدلات هذه الضرائب، أو شرائحها، وتطبيق هذا النوع من الضرائب كان محل ترحيب من قبل بعض رجال الأعمال، ولكنه في نفس الوقت يُوجد مخاوف لدى البعض.
وسوف يتوقف الأمر على القانون المنظم لتطبيق هذه الضريبة التصاعدية، وإن كان الرئيس مرسي أكد على أن مبعث تطبيق هذه الضريبة هو إحداث نوع من العدالة في توزيع الدخل والثروة، حتى يستفاد من الضرائب التصاعدية في دعم احتياجات الفقراء.
والجدير بالذكر أن المجلس العسكري المصري، وقت أن كان حاكما للبلاد عقب ثورة 25 يناير 2011 وحتى نهاية يونيو/ حزيران 2012، كان قد اتخذ خطوة في هذا الاتجاه بسن تشريع بموجب مرسوم بقانون يقضي بفرض ضريبة قدرها 25 % على من تزيد أرباحه عن 10 ملايين جنيه في العام. ومن خلال هذا المرسوم أصبح الحد الأقصى للضريبة 25 %، بعد أن كان قبل الثورة لا يزيد عن نسبة 20 %.
وقال وزير المالية المصري المرسي السيد حجازي للصحفيين اليوم الثلاثاء، إن البرنامج الاقتصادي الإصلاحي لا يتضمن زيادة الضرائب على صافي أرباح الشركات عن 25%، وهي النسبة المعمول بها فعليا.
الجانب الثالث من في الجوانب الاجتماعية، أتى من خلال وعد الرئيس مرسي بزيادة قدرها نحو 100 جنيه مصري إلى معاش الضمان الاجتماعي الذي يبلغ 300 جنيه شهريًا، ويستفيد منه نحو 1.5 مليون أسرة.
وتعد هذه النقلة الثانية في رفع قيمة هذا المعاش، إذ قرر مرسي فور توليه السلطة في يوليو/ تموز 2012 برفع قيمة هذا المعاش من 170 جنيه شهريًا إلى 300 جنيه شهريًا. ويمكن قبول هذه الخطوات المتدرجة في ضوء الأوضاع المالية السلبية التي تمر بها الموازنة المصرية.
ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن مقتضيات العدالة الاجتماعية أن يتم رفع دخل هذه الأسر بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مستوى يتجاوز حد الفقر وهو ما يعادل 1200 جنيه مصري شهريًا.
الجانب الرابع على الصعيد الاجتماعي هو ما أعلنه الرئيس المصري من إعفاء الطلاب غير القادرين من الرسوم الدراسية هذا العام، وأنه ملتزم بتطبيق هذا الأمر بالمدارس الحكومية والعامة، ويناشد القطاع الخاص أن يسلك نفس المسلك لمراعاة الجوانب الاجتماعية لبعض الطلاب الذي تمنعهم ظروفهم من دفع مصاريف الدراسة هذا العام. وحتى يقف المجتمع على مردود هذا الإجراء لابد من الإعلان عن عدد الطلاب المستفيدين من هذا الإعفاء، وما هي التكلفة المالية على الموازنة العامة للدولة.
لكن تبقى ملاحظة مهمة على تصريحات الرئيس المصري عبر حواره المشار إليه، وهي:
أنه في إطار الشفافية التي يطالب بها الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير، ينبغي أن تنطلق الإدارات الحكومية والوزرات المعنية بالقضايا التي تحدث عنها مرسي أن تعلن عن مشروعاتها وتعلم بها الرأي العام.
وحتى يتحقق أمرين، هما معرفة ما يتم تنفيذه وبالتالي الصبر على الحكومة، ومن جانب أخر حتى يمكن محاسبتها بعد فترة من الزمن، ليس لدى الحكومة برنامج مفتوح من حيث الفترة الزمنية، ولكن هناك استحقاقات سياسية، وانتخابات يتم في ضوئها التصويت عبر الصناديق الانتخابية.