تراجع احتياطي النقد الأجنبي بمصر ليصل إلى نحو عشرين مليار دولار على مدار العام الماضي، وكان من أهم أسباب هذا التراجع استمرار البنك المركزي في سياسته لحماية سعر الجنيه، وهو ما يراه الخبراء الاقتصاديون خطأ كبيرا ساعد على خروج أموال البورصة وأموال مسؤولين سابقين بسهولة ويسر وكلفة أقل.
وينبه اقتصاديون آخرون على أن انخفاض سعر الجنيه سيشغل فاتورة الواردات التي تناهز خمسين مليار دولار سنويا، مما يرفع من أعباء المعيشة لمحدودي الدخل.
ووفق ما هو معلن فإن المركزي تدخل مرة واحدة فقط لحماية الجنيه في فبراير/ شباط 2011 عبر سعر الصرف، أما حاليا فيتم استخدام آلية سعر الفائدة لحماية الجنيه عبر ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع بالعملة المحلية لتصل إلى 12%، بينما لا تتجاوز بالنسبة للعملات الأجنبية 0.5%، وفق ما ذكرت مديرة البحوث بالبنك الأهلي سابقًا سلوى العنتري للجزيرة نت.
وأضافت سلوى العنتري أن ارتفاع معدلات التضخم خلال السنوات الثلاث الماضية أدى إلى تآكل قيمة الجنيه بنحو 30% و"من غير المقبول أن نجمع على المواطن محدودية الدخل وخطر خفض قيمة الجنيه من خلال ارتفاع أسعار الواردات".
وأوضحت أن تراجع قيمة احتياطي النقد الأجنبي يرجع لمجموعة من الأسباب، أهمها طول الفترة الانتقالية وسوء إدارتها اقتصادياً، وكذلك اتباع نفس السياسات الاقتصادية التي تؤدي إلى تكريس الاعتماد على الخارج، وعدم الاتجاه بشكل جدي لإخراج قطاع السياحة من كبوته بعد الثورة حيث لا يزال هذا القطاع من أهم موارد النقد الأجنبي.
وبسؤالها عن مخاطر استمرار سياسة حماية الجنيه على رصيد احتياطي النقد الأجنبي، أجابت سلوى العنتري بأن المهمة الأساسية لهذا الاحتياطي استخدامه وقت الأزمات، ولكن الوضع بمصر أدى إلى طول أمد الأزمة "وهذا غير مطلوب" وعلى المسؤولين تقليص فترة الأزمة وإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية بطريقة سليمة على الصعيد الاقتصادي.
كما ترجع المديرة السابقة للبحوث بالبنك الأهلي أزمة احتياطي النقد وانخفاض قيمة الجنيه إلى وجود خلل هيكلي في بنية الاقتصاد، فمصر مستورد صاف للعديد من السلع الأساسية، وعجز الميزان التجاري مستمر منذ نحو أربعة عقود، ويبلغ حاليا نحو 25 مليار دولار.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس حامد موسى "يجب ألا ينظر إلى السياسة النقدية بمعزل عن بقية مكونات السياسة الاقتصادية، فمصر ورثت اقتصادا مريضا من عهد مبارك تتداعى مكوناته المختلفة، وقد تظهر بشكل واضح في قضية احتياطي النقد الأجنبي".
وأضاف موسى أن السياسة النقدية الحالية للبنك المركزي غير مُرضية، لأنها أسرفت في حماية العملة الوطنية.
ولكن على الجانب الآخر -وفقا للمتحدث- لابد من أن تؤخذ بالاعتبار فاتورة الواردات التي سيكتوي بكلفتها المستهلك النهائي في حالة انخفاض سعر الجنيه عما هو عليه الآن حيث تستورد البلاد 50% من احتياجاتها من القمح و93% من الزيوت و53% من السكر و93% من العدس، أي معظم السلع الأساسية التي تمس حياة ذوي الدخل المحدود.
ويبين الاقتصادي بأن مصر تحتاج سياسة اقتصادية متكاملة بمكوناتها المختلفة المالية والنقدية والتجارية وأيضا فيما يتصل بالعمل والتشغيل، فإذا وجدت هذه السياسة من الممكن الحديث عن تأثير المحافظة على سعر الجنيه أو خفضه.
وأبرز موسى أهمية استقرار الأوضاع الأمنية ووقف الإضرابات والاحتجاجات كي يستطيع الاقتصاد تغطية جوانب القصور في موارد النقد الأجنبي، وسد فجوة الواردات عبر منتجات وطنية يمكن الاستغناء بها عن جانب مهم من الواردات.