وأصبح الشعب المصري مطالبا بالصبر على الحكومة، ومشاركتها الحلول وتقديم التمويل، وترشيد الاستهلاك، وغير ذلك.
وتعيش مصر هذه الأيام جزءا مما سماه الانقلاب خارطة الطريق، بإجراء انتخابات رئاسية، تحددت بين مرشحين فقط، هما المشير عبدالفتاح السيسي، وممثل اليسار حمدين صباحي.
والسؤال: ماذا تحمل حقيبة المرشحين من حلول ورؤى لمواجهة مشكلات مصر الاقتصادية المعقدة؟
هذا ما سنقرؤه من خلال طرح المرشحين لرؤيتهم حول مواجهة المشكلات الاقتصادية في مصر.
والجدير بالذكر، أننا مجبرون على تحليل رؤية المرشحين في إطار محاور عامة، نظرا لعدم طرح السيسي حتى الآن برنامجا مكتوبا بشكل متكامل، فالرجل اكتفى بحديث تلفزيوني وحوارات صحافية، بينما طرح المرشح حمدين صباحي برنامجه الانتخابي منذ اليوم الأول للدعاية الانتخابية.
اتفق المرشحان في رؤيتهما لأهمية دور الدولة الاقتصادي، وإن كان برنامج صباحي يفسح في المجال للقطاع الخاص، ويوظفه في إطار ما سماه اقتصاد السوق المخطط، كما عول كثيرا على دور التعاونيات، فإن السيسي من خلال حديثه، جعل من الدولة الأصل، وأن دور القطاع الخاص محكوم بضوابط الرحمة وتخفيض هوامش الربح.
ومع أن كثيرا من الاقتصاديين يرون ضرورة وجود دور للدولة في بداية أي مشروع تنموي، ثم يعاد النظر في هذا الدور وفق ضوابط، إلا أن المرشحين لم يلتفتا إلى الإمكانات المتواضعة لمؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية.
فمن بين 52 هيئة اقتصادية مصرية، لا يحقق فوائض سنوية في الموازنة العامة للدولة سوى هيئة قناة السويس والهيئة العامة للبترول. لما لهما من طبيعة ريعية. بينما تحقق باقي الهيئات خسائر، وقد بلغ نصيب الهيئات الاقتصادية (52 هيئة) من إجمالي الدين العام المحلي، ما يقرب من 62 مليار جنيه مصري.
هذا فضلا عن أداء شركات قطاع الأعمال العام، بما فيها من مشكلات العمالة والتمويل، وإعادة الهيكلة، وهي أمور تحتاج إلى جهد كبير في مجال التمويل، وإعمال هذه الشركات وفق معايير اقتصادية، بعيدا عن سياسات الإرضاء السياسي حسب منهج المطالب الفئوية الذي أفسد الكثير من محاولات الإصلاح منذ ثورة 25 يناير.
على الرغم من تقديم برنامج صباحي الانتخابي العديد من الآليات والسياسات المالية والنقدية، التي تستهدف ترشيد الإنفاق وتقليل العجز، مثل ضم الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة، وكذلك ضم الصناديق الخاصة للموازنة، وتصورات بشأن الإصلاح الضريبي، وتبني نهج الضرائب التصاعدية.
إلا أن برنامج صباحي أشار إلى أمر يصعب تحقيقه، وهو ما يتعلق بالاقتراض المحلي، من خلال آلية الأذون والسندات، فذكر البرنامج (وقف الاستدانة الداخلية "السندات وأذون الخزانة" التي أصبحت تشكل خطراً على البنيان المالي للدولة).
فالجميع يدرك الوضع الحرج الذي وصلت إليه طبيعة المديونية الداخلية، ولكن من الصعوبة بمكان وقف الاستدانة دفعة واحدة، وبخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية لمصر في الأجل القصير، إن لم يكن في الأجل المتوسط أيضا.
ولكن على الجانب الآخر، فإن السيسي لم يقدم في هذا المضمار سوى تحقيق قفزة في التخلص من الدين العام، والسؤال: ما طبيعة هذه القفزة وآلياتها؟
لم يشر المرشح إلى أي شيء يجيب عن هذا السؤال. بينما المستمع إلى حديث السيسي وما ذكره من مشروعات وطموحاته لإنجاز إصلاحات اقتصادية، يدرك أنه من المستحيل وقف الدين العام، فمصر لا تملك موارد مالية تمكنها من تسيير الاحتياجات اليومية للاقتصاد الحكومي، فضلا عن تمويل مشروعات التنمية.
كذلك لم يشر المرشحان من قريب أو بعيد إلى الدين الخارجي الذي يعتبر جزءا رئيسا من الدين العام، فهل نُظر إليه على أنه في حدود آمنة ؟
إذا كان الأمر كذلك، فإنه ينبغي أن يعاد النظر في هذا الخصوص في ظل تصريحات السيسي بأن الدعم الخليجي زاد عن 20 مليار دولار، ونحن نعلم بأن هذا الدعم في معظمه ليس منحا لا ترد، فمنه الودائع، ومنه القروض، فضلا عن اتجاه الحكومة إلى التوسع في الاقتراض الخارجي، ولا أدل على ذلك من البرنامج المعلن من قبل البنك الدولي بتقديم 4.2 مليار دولار للحكومة المصرية، بُدئ العمل به من خلال التوقيع على شريحة أولى بمبلغ 300 مليون دولار.
في الوقت الذي تعهد فيه صباحي بوضع مصر على طريق النمو بعد 4 سنوات، وبعد 8 سنوات ستكون مصر ضمن الدول الصاعدة، نجد أن السيسي تعهد بأن يجد رجل الشارع أثرا لبرنامجه الانتخابي خلال سنتين.
وكلا المرشحين تناسى بأن هناك مشكلات متعلقة بالوضع السياسي، وأن الاستقرار الأمني والسياسي لم يتحقق بعد، وأن هناك استحقاقات سياسية لمناهضي الانقلاب يطالبون بها، ومن شأن تجاهل هذه الاستحقاقات أن تجعل تحقيق الوعود الزمنية للمرشحين محل شك.
وإن لُمس من حديث السيسي أنه سيكون صارما مع الفاعليات التي تشهدها مصر منذ ثورة 25 يناير، مثل قطع الطرق وتعطيل السكك الحديدية وغير ذلك، من قبل مطالبين بحقوق سياسية واقتصادية.
طرح برنامج صباحي آليات لتشجيع المدخرات المحلية، من ضرورة التوجه لتحصيل أموال مصر المنهوبة في الداخل والخارج، وإعادة النظر في تسعير الأراضي التي مُنحت من قبل الدولة، وكذلك إعادة النظر في عقود الغاز، ومطالبة الجهاز المصرفي بضرورة تمويل المشروعات الإنتاجية، وغير ذلك.
فإن السيسي اعتمد على استعطاف العاملين في الخارج، فهو لا يطالبهم بالاستمرار في تحويلاتهم المتدفقة إلى الداخل فحسب، بل المساهمة في تمويل مشروعات التنمية في مصر، ولكن من خلال التبرع، ولو بعشرة دولارات.
وكذلك مطالبة المقيمين في الداخل بضرورة ترشيد الاستهلاك، وبخاصة في مجالين رئيسين هما الطعام والطاقة.
ويلاحظ أن ما يطرحه برنامج صباحي قابل للتنفيذ في بعض محاوره، وإن كان سيستغرق وقتا، ولكنه يحتاج إلى ممارسات ثورية، وأن طريق الإصلاح عبر تعديل القوانين، وإجراء التسويات المالية والإدارية في تحصيل الأموال وإعادة تسعير الأراضي، لن يجدي في الأجلين القصير والمتوسط.
ركز برنامج صباحي على أهمية الطاقة، ووجوب تعدد المصادر التي تعتمد عليها مصر حاليا ومستقبلا، وذكر البرنامج أن تكلفة تحسين وضع الطاقة في مصر تتطلب إنفاق 1.5 مليار دولار سنويا على مدار ثماني السنوات القادمة، لكي تتحقق متطلبات الطاقة الإضافية اللازمة لمعدلات النمو المستهدفة.
أما المرشح السيسي فقد قصر الأمر على ترشيد الاستهلاك المنزلي، وهو ما مثل عرضا مخلا لقضية الطاقة، وتناسى العديد من التحديات التي تواجه مصر في هذا المجال، وبخاصة أن استهلاك مصر من الطاقة يتنامى بمعدل 6 % سنويا.
وعلى الرغم من التناول الكلي من قبل صباحي لمشكلة الطاقة، إلا أن السؤال هو، كيف سيتم تدبير الاحتياجات التمويلية للطاقة الإضافية فضلا عن المتطلبات التمويلية لاحتياجات الطاقة الحالية، التي تقدر بنحو 1.2 مليار دولار شهريا، ولولا الدعم الخليجي في مجال الطاقة لمصر على مدار الشهور الـ 10 الماضية، لكانت هناك أزمة طاقة لا يمكن تصورها في مصر.
كلا المرشحين أشارا إلى تبني مشروعات كبرى، وإن كان برنامج صباحي أكثر تحديدا لهذه المشروعات جغرافيا، وتحديد المستهدف منها، ولكن لا بد أن نذكر أن كليهما تعامل مع المشروعات الكبرى، على أنها تدخل مجال الإنتاج في العام الأول، وهذا يتعارض مع أبجديات العمل الاقتصادي.
ومن الضروري أن نذكر أن مصر كان لها تجربة في مجال المشروعات الكبرى، في توشكى، وشرق العوينات، في منتصف تسعينيات القرن الماضي ( إبان حكومة الجنزوري)، ما تسبب في أزمة سيولة كبيرة للجهاز المصرفي، حيث ضُخت أموال كبيرة في تلك المشروعات، ثم تبين أنها لن تحقق عوائد في الأجلين القصير والمتوسط.
ولم يسأل أحد عن مصير هذه المشروعات بعد مضي ما يزيد على 15 عاما. والسؤال هل يكفي الاكتتاب العام كما ذكر برنامج صباحي لتمويل هذه المشروعات؟ أو أنها ستعمل وفق الحصول على آلية تبرع كل مصري في الخارج بعشرة دولارات لمصر، التي طرحها السيسي؟!
ذكر برنامج صباحي العديد من الحقوق الاقتصادية، مثل حق الغذاء والسكن والرعاية الصحية والتعليم والعمل والأجر العادل والـتأمين الاجتماعي والبيئة النظيفة، وهي مطالب أصيلة وضرورية للشعب المصري الذي يعاني البطالة والفقر وانتشار العديد من الأمراض المزمنة.
ولكن حديث السيسي ركز على أنه في الفترة الحالية "مفيش"، حتى في مجال التعليم أكد أنه ليس لديه ما يقدمه للمعلم من الناحية المادية، ولا لغير المعلم، لأنه لن ينتظر حتى يطلب المحتاج، أو أنه لن يضطره للسؤال والمطالبة، ولكنه حصر ما هو مطلوب للتعليم في بناء 20 ألف مدرسة بتكلفة 500 مليار جنيه مصري.
لا بد أن نعترف بأن مشكلة الفقر والبطالة وما يعنيه محدودو الدخل في مصر، أمر ليس بالسهل، ولعل التوجه نحو الإصلاح في مختلف المجالات يخفف من حدة هذه المشكلات، ولكن تناول صباحي وذكره هذه الحقوق لا يعني الوفاء بتحقيقها، وكذلك نفي السيسي بعدم وجود الإمكانات لن يجديا في تحسين الوضع في هذه المشكلات.
وما يرضي المواطن هو برامج زمنية، وإن كانت معدلات الإنجاز ضعيفة، فالمواطن لن يصبر طويلا، وبخاصة في ظل تزايد معدلات السكان، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي.
يأمل المصريون أن تتحقق معجزة تنتشلهم من الفقر كما حدث في البرازيل، أو تخرجهم من دائرة التخلف إلى مصاف الدول الصاعدة كما حدث في تركيا، وهي دول كانت شديدة الشبه بالأوضاع الاقتصادية التي تعانيها مصر، فهل ستنجح برامج مرشحَي الرئاسة في مصر في تحقيق آمال المصريين في ظل كل تلك الصعوبات والتحديات؟!