الرئيسية / مصر / التمويل وعشوائية القرارات الاقتصادية في مصر

التمويل وعشوائية القرارات الاقتصادية في مصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 27-08-2014
  • 96
التمويل وعشوائية القرارات الاقتصادية في مصر
  • المصدر: العربي الجديد

حاولت مصر غير مرة، تقليد النموذج الصيني في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لإحداث نقلة تنموية، بعد علمها بقدراتها المحدودة في المدخرات المحلية، لكن هذه المحاولة لم تحقق النجاح المأمول، وبقيت مشكلة مصر الاقتصادية على حالها، بل ازدادت سوءاً بعد اتباعها سياسات اقتصادية ساهمت في سوء توزيع الدخل والثروة، وأحدثت خللاً في هيكل الناتج المحلي الإجمالي.

وقد تعددت الدعوات في مصر على مدار الأسابيع الماضية، إلى الاستفادة من مدخرات المصريين، مرة عبر الدعوة إلى التبرع لحساب صندوق "تحيا مصر"، ومرة أخرى من خلال الدعوة إلى شراء شهادات تمويل مشروع قناة السويس الجديدة، وكلتا الدعوتين، يشوبهما العوار الاقتصادي، فأية مشروع تجري فيه دعوة الناس إلى التبرع أو المساهمة في رأس ماله، لابد من برنامج وأهداف معلنة، ودراسة جدوى، تقنع الناس بالتبرع أو المساهمة في المشروعات الاقتصادية.

ومما يثير الاستغراب، ما نشرته وسائل الإعلام المصرية قبل أيام من اجتماع بين عبد الفتاح السيسي وإبراهيم محلب لبحث تمويل مشروع قناة السويس!، كيف تبدأ دولة مشروعاً بهذا الحجم، ولم تحدد من قبل سبل تمويله؟.

إن هذا الأمر يجعلنا نستشعر بوجود عشوائية في اتخاذ القرارات الاقتصادية، التي تتعلق بمستقبل مصر، وبخاصة إذا كان الأمر له هذه التكلفة المالية العالية، ولاسيما في ظل أزمة تمويلية خانقة تعيشها مصر على مدار السنوات الماضية.

ومن خلال الاطلاع على البيانات المنشورة في اصدارات وزارة المالية، والخطة العامة للدولة، نجد أن المدخرات المحلية في أسوأ أوضاعها، وتتنازعها مشروعات عدة، فمعدل الادخار المحلي لا يمثل سوى نسبة 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، بينما معدل الاستثمار المستهدف خلال العام المالي 2013/2014 يقدر بـ 14%. وهو ما يعني وجود فجوة في التمويل المحلي تقدر بـ 7.2%.

ولقد طالب الاقتصاديون منذ تسعينيات القرن الماضي بضرورة رفع نسب معدلات الادخارات المحلية، لأنها عصب أية تجربة تنموية، ولكن كيف يتحقق ذلك والناتج المحلي الإجمالي لمصر يعتمد على الاستهلاك بنسبة 85%؟.

مدخرات محدودة

تشير بيانات وزارة المالية المصرية في تقريرها الشهري يوليو/تموز 2014، إلى أن معدل النمو الاسمي للمدخرات المحلية كان سالباً خلال الفترة 08/2009 – 2012/2013، باستثناء عامي 09/2010 و10/2011، وأن نسبة المدخرات المحلية للناتج المحلي خلال  الفترة نفسها، شهدت معدلات ضعيفة، فأحسن معدل لها كان في عام 09/2010 بمعدل 14.3%، بينما كان عاما 11/2012 و12/2013 الأسوأ، إذ تراجعت نسبة المدخرات للناتج المحلي إلى 8% و7.2% على التوالي.

ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى تحسن أوضاع المدخرات المحلية، لتحقق طفرة تعين على تحقيق طموحات التنمية والخروج من حالة الركود، ومواجهة الفقر والبطالة، فتقديرات الخطة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015 تبين أن نسبة المدخرات المحلية للناتج ستكون بحدود 6.8%، وهو ما يعني أننا أمام حلقة مفرغة، من تحقيق ناتج محلي ضعيف، يستهدف له أن يكون 3.2% خلال عام 2014/2015، ينتج منه مدخرات هشة، وهكذا.

كما تشير بيانات التقرير نفسه إلى تواضع نسبة الادخار المحلي للناتج خلال النصف الأول من العام المالي 2013/2014، فخلال الفترة (يوليو – سبتمبر) 2013 بلغ هذا المعدل 2.3%، وفي الفترة (أكتوبر – ديسمبر) 2013 بلغ 5.2%.

نعم هناك تحسن في الربع الثاني يصل لضعف ما تحقق في الربع الأول، ولكن عند مقارنة نسب الاستثمار إلى الناتج نجد أنها كانت في الربع الأول 10.5%، وفي الربع الثاني 13.7%، وهو ما يعني وجود فجوة تمويلية تصل نسبتها في الربعين إلى 8.2%.

وليس من طريق لسد هذه الفجوة إلا الاستدانة، وهو ما تترجمه أرقام المديونية المحلية المرتفعة، أو الاستفادة من حزم التحفيز التي أعلنت عنها الحكومة المصرية خلال هذه الفترة، والتي تم تمويلها من خلال التصرف في وديعة دولارية للحكومة بنحو 8.1 مليارات دولار، وكذلك المعونات الخليجية التي استفادت منها مصر على مدار العام الماضي والتي بلغت قيمتها 21 مليار دولار حسب السيسي.

عبء إضافي

كما بينا من خلال الأرقام، فإن المدخرات المحلية تعجز عن تمويل الاستثمارات الكلية (عام + خاص) خلال العام المالي 2014/2015، وأن هناك فجوة تمويلية لتوفير استثمارات تقدر بنحو 336 مليار جنيه مصري، لتحقيق معدل نمو في الناتج المحلي بنسبة 3.2%، ولسداد هذه الفجوة لابد من اللجوء إلى الخارج، سواء من خلال الاستدانة أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإلا يكون هناك عجز في الاستثمارات المنفذة بنهاية العام.

ثم أتى مشروع قناة السويس، والذي تختلف التقديرات بشأن تكلفته، ما بين 60 مليار جنيه مصري (ما يعادل 8.1 مليارات دولار بسعر 7.4 للدولار) حسب التقديرات الحكومية، وما بين 4 مليارات دولار، وفي كلا التقديرين فإننا أمام عبء تمويلي جديد لم يكن مدرجاً في خطة الدولة، وبلا شك سيكون خصماً من بنود أخرى، وبخاصة أن ما ينشر عبر وسائل الإعلام حتى الآن، أن تمويل مشروع قناة السويس الجديدة سيكون قاصراً على المصريين، فمن أين يأتي المصريون بمصادر جديدة غير متاحة لهم؟.

لن تكون هناك وسيلة سوى عمليات ترحيل من ودائع البنوك، أو مصادر الادخار الأخرى، مثل البورصة وغيرها، للمساهمة في مشروع قناة السويس الجديدة، ومما يدلّ على صحة هذا التوقع، ما أعلن من قبل محافظ البنك المركزي المصري، من أن الاستثمار في شهادات استثمار قناة السويس سيكون أفضل من البنوك، حيث سيكون العائد عليها 12%، وأن العائد على هذه الشهادات سيكون من أول يوم.

ليس في الأمر جديد، فبدلاً من أن تقترض الحكومة عبر الأذون والسندات من السوق المحلية، اتجهت إلى الاستدانة على حساب مشروع بعينه، هو قناة السويس الجديدة، وبالتالي ستنحمل القناة عبء تكلفة هذا الدين، وهو ما سيؤثر في الأجل القصير على عوائد قناة السويس الحالية، وبالتالي ستتراجع جملة تحويلات فوائض قناة السويس للموازنة العامة إلى الدولة، وكذلك قيمة الضرائب التي تدفعها القناة للموازنة العامة إلى الدولة.

البديل الخارجي

إذا ما سلمنا أن تمويل القناة الجديدة قاصر على مساهمات المصريين، وأن الحكومة ستفكر في تمويل الفجوة التمويلية لباقي المشروعات من خلال التمويل الخارجي، وهو ما تنوي الحكومة بالفعل اتباعه، حيث أُعلن عن أن مصر تعتزم إصدار سندات دولية بنحو 3 مليارات دولار، ولا يتوقف الأمر على مجرد طرح السندات الدولية، فهناك تكلفة لابد من أخذها في الاعتبار، وهي أن الحكومة قد تطلق يدها في الاستدانة من الخارج، فوزير البترول المصري صرح مطلع أغسطس/آب الحالي عزم الحكومة على اقتراض 1.5 مليار دولار لسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية، والتي بلغت 5.8 مليارات دولار نهاية يونيو/حزيران 2014.

وإذا ما تبنت الحكومة المصرية نهج الاستدانة من الخارج، فمعنى ذلك أن الدين الخارجي سيتجاوز قيمته الحالية البالغة 45.2 مليار دولار، وفق بيانات البنك المركزي المصري، وأن هناك ثمناً للاقتراض من الخارج في ظل ظروف مصر المالية الحالية، يتمثل في ارتفاع تكلفة الاقتراض على السندات الدولية التي تفكر في إصدارها.

وثمة بديل آخر يعتمد على الخارج، وهو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما تشيعه وسائل الإعلام المصرية عن مؤتمر المانحين أو شركاء التنمية، المنتظر عقده في فبراير/شباط المقبل حسب تصريحات لمسؤولين حكوميين، حيث تعول الحكومة المصرية والدول الخليجية المساندة لها على تدفق استثمارات ومساعدات أجنبية إلى مصر تتجاوز مليارات الدولارات.

ولكن على ما يبدو أن الرهان على الاستثمارات الأجنبية غير العربية، تشوبه العديد من العقبات، من خلال ما ينشر من مؤسسات مالية واقتصادية دولية، عن سوء السياسات الاقتصادية، أو عدم تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في مصر خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما يحد من استقدام الاستثمارات الأجنبية غير الخليجية إلى مصر.


عواقب غير محمودة

إذا ما استمرت دوامة التمويل على هذا النهج في مصر، قصور في الموارد المحلية، وعقبات في المصادر الخارجية، فسوف يظل الناتج المحلي للاقتصاد المصري بمعدلات نمو لا تفي بزيادة دخول المصريين وتحسن مستوى معيشتهم.

لقد أعلن عن أن مشروع قناة السويس الجديدة سوف يضاعف عوائد القناة، وما لم يتحقق ذلك فإننا أمام أعباء جديدة للدين العام المحلي، وإن كان الدين هذه المرة لن يرحل على الخزانة العامة للدولة، وسيكون على مشروع القناة.

ومما يثير مخاوف العبء المالي لتمويل مشروع قناة السويس الجديد، أن بعض الخبراء يرون أنه لا داعي إلى إنشائها، لأن السفن التي يرجى أن تمر من القناة نتيجة ازدواجها، مصممة على المرور من طريق رأس الرجاء الصالح، نظراً إلى عمق الغاطس الخاص بها ورخص تكلفتها.

وفي هذه الحالة سنكون أمام حالة من هدر المال العام، كما حدث في مشروع توشكي وشرق التفريعة والعوينات، وهي المشروعات الثلاثة التي تبنتها حكومة كمال الجنزوري الأولى في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، فرغم ضخ مئات المليارات من الجنيهات في هذه المشروعات الا انها لم ترَ النور بسبب توقف العمل بها عقب دخول البلاد في أزمة اقتصادية ومالية حادة.