عادة ما تعلن الحكومة المصرية عن استهداف معدلات للنمو الاقتصادي، ولكن الواقع يعكس نتائج أقل من المرجو تحقيقها، فحينما حددت الحكومة معدل للنمو في عام 2016/2017 بنحو 5.2%، جاءت تقديرات البنك الدولي مؤخرًا لتقدر النمو المتوقع عند 3.9%.
والتراجع في معدلات النمو ليس مجرد عملية حسابية بسيطة، ولكن لها تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة في ظل الظروف الاقتصادية شديدة السلبية التي تعيشها مصر منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، فحتى إذا افترضنا أن الاقتصاد المصري نجح في تحقيق مستهدفاته بمعدل نمو 5%، فهو غير كاف لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل في نفس العام، والبالغ عددهم نحو 850 ألف فرد، حيث يطلب ذلك معدل نمو يمثل ثلاثة أضعاف معدل النمو بالزيادة السكانية، أي 7.8%.
فما بالنا ومعدل النمو يتوقع له تراجعًا ليكون بحدود 3.9%، ومعنى ذلك افتقاد المزيد من فرص العمل، وتراجع في الإيرادات العامة والإيرادات الضريبية المستهدفة، وارتفاع العجز بالموازنة، والدين العام، وزيادة الاعتماد على الخارج، وتفاقم الطلب على العملة، واستحالة ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار في الأجلين القصير والمتوسط.
وليست القضية فقط في مجرد تراجع معدل النمو بشكل مطلق، ولكن حتى الناتج المتحقق لا يعبر عن أداء اقتصادي، يمكن الاعتماد عليه وبناء سيناريو متفائل خلال الفترة القادمة، وهذه نقطة محل خلاف مع توجهات التقديرات الخاصة بتقرير البنك الدولي الصادر الاثنين 17 أبريل 2017، بعنوان نظرة عامة على الاقتصاد المصري (Egypt’s Economic Outlook- April 2017).
يلاحظ أن تقرير البنك الدولي عول كثيرًا على نتائج الربع الأول من العام المالي 2016/2017، بينما البنك المركزي المصري نشر في مطلع مارس الماضي، على موقعه نتائج أداء ميزان المدفوعات للنصف الأول من عام 2016/2017، وهو أكثر توضيحًا لأداء الاقتصاد المصري، وبخاصة أنه يتضمن نتائج الأعمال بعد تعويم الجنيه المصري في 3 نوفمبر 2016، وكذلك حصول مصر على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، وبالتالي كانت النتائج المنشورة عن أداء النصف الأول تؤدي إلى قراءة أكثر دقة حول مستقبل الاقتصاد المصري خلال العامين القادمين، كما رصدها تقرير البنك.
ولا يقتصر تقويم البنك الدولي للناتج على تراجع معدل النمو، ولكن تقديراته لأداء القطاعات الاقتصادية ومساهمتها في النمو الاقتصادي، تجعلنا لا نقبل تقديرات تقرير البنك عن حالة التفاؤل بتقديرات عامي 2018و2019.
فمعدل نمو قطاع الزراعة بالأسعار الثابتة كما ورد في التقرير في عام 2017 نحو 2.9% مقارنة بـ 3.1% في عام 2016، ومساهمة قطاع الصناعة ثابتة في عامي 2016 و2017 بنحو 2%.
وبذلك فأداء القطاعات الإنتاجية متواضع ولا ينم عن وجود ما يدعو للتفاؤل خلال الفترة القادمة، فتراجع النمو بقطاع الزراعة، يعني مزيداً من استيراد الغذاء لدولة يصل عدد سكانها لنحو 95 مليون نسمة، وتعد المستورد الأول للقمح في العالم، ولديها مشكلة عميقة في تدبير احتياجات الاستيراد من النقد الأجنبي، ومما يعمق من مشكلة قطاع الزراعة في مصر، أنه قطاع تقليدي ويعاني من مشكلات كثيرة، ويفتقد للتحديث أو وجود تصنيع مناسب للمنتجات الزراعية، فضلًا عن أن نسبة الفاقد في جمع المحاصيل الزراعية ونقلها للأسواق تصل إلى 30%.
أما الحديث عن ثبات معدل نمو الصناعة، فهو أمر غير مقبول، فالأصل أن الصناعة هي ما تحقق القيمة المضافة، وتجعل للنمو الاقتصادي قيمة، حيث إن أي نمو في قطاع الصناعة يعني فرص عمل جديدة وحقيقة ومستقرة، ومما يدل على بطء النمو في قطاع الصناعة، أن مؤشر الصناعات التحويلية الذي ينشر نتائجه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، يوضح أن معدل نمو هذا القطاع بحدود 1.5% في فبراير 2017على أساس سنوي.
وثمة مؤشرات أخرى تدل على تراجع الوضع الاقتصادي بمصر خلال عام 2016/2017، تضمنها تقرير البنك الدولي مثل نتائج أداء الحساب الجاري (صافي تعاملات الصادرات والواردات السلعية والخدمية)، فلا زالت نتائجه سلبية بحدود (-5.5%) من الناتج المحلي الإجمالي في 2016/2017، وإن كان تحسن عن أداء العام الماضي، ولكنه يراوح في دائرة الأداء السلبي، ولا يحقق توازنًا أو أداءً إيجابيًا، أما الحساب الرأسمالي والمالي فأتت نتائجه كنسبة من الناتج المحلي متراجعه إلى 6.2% مقارنة بـ 7.4% في عام 2015/2016.
لقد حاول التقرير أن يخفف من وطأة تأثير التراجع بقطاع السياحة، ورهن تقدمه بالتحسن في الظروف الأمنية، كما أثار تخوفات بشأن التداعيات السلبية على الصعيد الاجتماعي، نتيجة لتطبيق الاجراءات الاقتصادية الخاصة ببرنامج صندوق النقد الدولي والذي أدى إلى وصول التضخم لنحو 32%، بسبب تعويم الجنيه، ووصول نسبة الفقر بين السكان لنحو 30%، وطالب التقرير الحكومة بزيادة رقعة الحماية الاجتماعية للطبقة الفقيرة والمهمشة.
تظهر الأرقام الخاصة بتوقعات تقرير البنك الدولي عن عامي 2017/2018 و2018/2019 حالة من التفاؤل بشأن كافة البيانات المشار إليها بالتقرير، والخاصة بأداء الاقتصاد المصري، وهو ما يتنافى مع المخاطر والمخاوف التي أثارها التقرير بين سطوره عن أداء عام 2016/2017.
فمثلًا يتفاءل التقرير بشأن خفض عجز الموازنة في عام 2016/2017، ويقدره بنحو 10.5%، وأنه سيشهد مزيدًا من التراجع في العامين القادمين على التوالي ليصل إلى 9.2% و7.3%. وكأن ما اتخذ من إجراءات تخص رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات، كفيل بتحسين عجز الموازنة.
في حين تجاهل التقرير أن توسع الحكومة في المديونية العامة، وبخاصة الخارجية منها، كفيل بأن يؤدي إلى زيادة الأعباء على الموازنة بما يؤدي إلى تلاشي الأثار الإيجابية لخفض الدعم في مضمار عجز الموازنة.
ففي النصف الأول من عام 2016/2017 بلغ صافي القروض الخارجية فقط 6 مليارات جنيه، وحساب أعباء الدين الخارجي في ظل خفض الجنيه، رفع فاتورة فوائد الدين فقط في مشروع موازنة 2017/2018 لنسبة 33% من إجمالي الانفاق العام المقدر بنحو 1.2 تريليون جنيه.
والمثال الآخر الذي يوضح أن تفاؤل تقرير البنك الدولي بمستقبل الاقتصاد المصري في غير محله، هو تقديره للنمو بقطاع الصناعة بالأسعار الثابتة، خلال عامي 2018و2019 بنحو 4% و4.5% على التوالي.
وهي تقديرات لا تأخذ في الحسبان أن قطاع الصناعة بمصر يعتمد على الخارج بشكل كبير، من حيث استيراد التكنولوجيا، وكذلك استيراد العدد والآلات، ومستلزمات الإنتاج، وهي أمور غير متاحة بالشكل الطبيعي منذ انقلاب 3 يوليو 2013، بسبب عدم توفر النقد الإجنبي لمستلزمات الإنتاج، مما أدى إلى تراجع معدلات التصدير، بل ووجود حالة من الركود بالأسواق المصرية، لا تخفى على عين.
أما مستقبل معدل التضخم بمصر، فيذهب تقرير البنك الدولي إلى انخفاضها من 20.1% في عام 2016/2017 إلى 14.2% و11.3% على التوالي خلال العامين القادمين، وذلك دون قراءة لوقع أسباب التضخم في مصر، سواء على جانب العرض، أو جانب الطلب، فلازالت تكاليف الإنتاج للسلع والخدمات في مصر عالية، وترهق المنتج المصري، وكذلك على جانب الطلب لايزال البنك المركزي يقوم بطباعة النقود.
حيث تشير النشرة الإحصائية للبنك المركزي لشهر فبراير 2017، أن ما تم طباعته من نقود خلال الفترة (يونيو – ديسمبر 2016) بلغ 37.2 مليار جنيه. كما يواصل الجنيه انخفاضه أمام العملات الأخرى، فكيف سينخفض معدل التضخم في ظل تجذر أسبابه؟ (1).