عقب نجاح ثورة 25 يناير انهالت الوعود العربية والغربية على مصر بتقديم منح واستثمارات أجنبية مباشرة، إلا أنه وبعد ما يزيد على عام ونصف العام لم تحصد القاهرة من تلك الوعود إلا النزر اليسير من بعض المنح هنا وهناك، وعلقت كافة الدول تنفيذ تلك الوعود بتقديم المنح والاستثمارات إلى حين وجود المجالس المنتخبة واختيار رأس للدولة.
ولكن الأوضاع المالية في مصر لم تكن لتتحمل تلك الشروط، فالاحتياطي من النقد الأجنبي انهار بما يزيد على 21 مليار دولار منذ وقوع الثورة في يناير/كانون الثاني 2011، وفي إطار مساندة الاحتياطي النقدي لمصر قدمت السعودية وديعة في حساب البنك المركزي بمقدار مليار دولار، وكذلك فعلت دولة قطر بتقديم ملياري دولار.
ويرى البعض أن هذه الخطوة جيدة وتناسب متطلبات المرحلة، وأن وجود الاستثمارات الخليجية يتوقف على حزمة المشروعات التي ستقدمها الحكومة المصرية لجذب تلك الاستثمارات، في حين يعتبر البعض الآخر أن الأموال الخليجية تأخرت عن مصر، وأنها ستسهم في تنفيذ مشروعات تستوعب العاطلين وتحسن من أداء الاقتصاد.
ويقول أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، أنور النقيب، إن ما قامت به الدول الخليجية من دعم مالي سيؤدي لتحسن وضع احتياطي النقد الأجنبي والمحافظة على توازن سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار.
وأضاف النقيب أنه يجب التفريق بين أمرين فيما يخص الأموال الخليجية، وهما أموال القطاع الخاص الخليجي وأموال الصناديق الخليجية. فأموال القطاع الخاص لها حساباتها التي تعتمد على فرص الاستثمار ويتخذ القرار بشأنها أصحاب تلك الأموال، أما أموال الصناديق السيادية لدول الخليج والتي تقدر بما يزيد على تريليوني دولار فإن قراراتها بيد الحكومات، ولكن يحكم توجهاتها أيضاً العائد على رأس المال.
ويطالب الأكاديمي المصري حكومة هشام قنديل بأن تحدد أولوياتها الاستثمارية للاستفادة من الصناديق السيادية الخليجية من خلال المشروعات القومية، ويؤكد بأن هذا المجال "لا يقوم على العواطف ولكنه يعتمد على المصالح الاقتصادية المشتركة، فمصر تبحث عن مصادر تمويل والصناديق الخليجية تبحث عن فرص استثمارية ذات عائد، فإذا التقت رغبات الطرفين تحققت المصلحة المشتركة، وبغير ذلك فلن يتحقق شيء إيجابي في هذا الملف".
ولم تنفذ دول خليجية وغيرها من الدول ما وعدت به لدعم الاقتصاد المصري لعدم وضوح المسار السياسي في مصر خلال الفترة الماضية، ولكن تحرك دول الخليج في الأيام الأخيرة بتقديم بعض المليارات أتى بعد أن أعلنت إيران عن استعدادها لتقديم عشرة مليارات دولار لدعم احتياطي النقد الأجنبي بمصر، وكذلك حالة التعاون الواضح من قبل الولايات المتحدة تجاه الاقتصاد المصري بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة عبد الله شحاتة إن الودائع الخليجية أتت في وقت مناسب لمساندة احتياطي النقد الأجنبي، وإن كانت الاستثمارات المباشرة قد تأخرت ولم تأت حتى الآن.
ويبين شحاتة أن تقديم الودائع من الدول الخليجية للبنك المركزي المصري ليست الخطوة الأولى لمساعدة الاقتصاد المصري، فقد قدمت منح في حدود 500 مليون دولار من قبل السعودية والمبلغ نفسه من دولة قطر.
وأكد على أن الاستثمارات الخليجية وغيرها من استثمارات أجنبية سوف تأتي بعد استكمال مصر مشروع الدولة المدنية الذي قطعت فيه شوطاً كبيراً.
ودعا الحكومة المصرية إلى ضرورة التركيز على تسويق مشروعاتها الاستثمارية للقطاع الخاص الخليجي أو الصناديق السيادية الخليجية بصورة تساعد على تخفيف حدة البطالة، من خلال مشروعات توظف عمالة كثيرة، أو في القطاعات الإنتاجية، بما يساعد على تحسين أداء الناتج المحلي الإجمالي ويوفر وظائف مستقرة.